وزراء المعارضة وقتوا إسقاط حكومة الحريري إبان اجتماعه مع الرئيس الأميركي في واشنطن

الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط»: لسنا من عطل جهود السعودية مع السوريين

وزراء المعارضة خلال اجتماعهم في منزل عون في الرابية لإعلان استقالتهم الجماعية من الحكومة اللبنانية أمس (أ.ب)
TT

اختار وزراء المعارضة اللبنانية العشرة، ومعهم «الوزير – الوديعة» عدنان السيد حسين المحسوب من حصة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان أن يسقطوا حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها سعد الحريري خلال اجتماع الأخير مع الرئيس الأميركي باراك أوباما في واشنطن، في خطوة لها دلالاتها، لترافقها مع حملة شنتها المعارضة على الدور «المعطل» للولايات المتحدة الأميركية فيما خص الجهود السعودية - السورية الرامية لحل الأزمة اللبنانية.

ولم ينتظر وزراء المعارضة عودة الحريري من واشنطن، مكتفين بالجواب الشفهي الرافض لتعيين جلسة لمجلس الوزراء طلبها هؤلاء أول من أمس لبحث موضوع «الاتفاق» الذي تحدث عنه الحريري قبيل مغادرته، وتفضيله الانتظار حتى عودته وتشاوره مع رئيس الجمهورية.

دشن القرار بداية لأزمة سياسية طويلة توقعتها مصادر سياسية لبنانية بارزة، مشيرة إلى أهمية انتظار ما ستؤول إليه الأمور، خصوصا لجهة موقف رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط الذي يتوقع أن يكون موقفه «بيضة القبان» في تحويل الأكثرية لجهة أحد الطرفين، خصوصا أنه في مواقفه يقترب من «8 آذار» إلى حد كبير، مع احتفاظه بالعلاقة الشخصية الممتازة مع الحريري. وقالت مصادر في كتلة جنبلاط لـ«الشرق الأوسط» إنه لا بديل عن الحريري لدى جنبلاط إلا الحريري حتى الآن، مشيرة إلى أن جنبلاط يسعى جاهدا بالتعاون مع الرئيس سليمان ورئيس مجلس النواب نبيه بري لإيجاد حلول للأزمة القائمة.

ومع سقوط الحكومة الحتمي بفعل استقالة أكثر من ثلث الأعضاء، لاحت في الأفق اللبناني تباشير أزمة سياسية طويلة الأمد في ضوء استبعاد «تداعيات في الشارع» كما أجمع الطرفان. ولم يعد من الممكن توقع موعد لولادة حكومة جديدة، علما بأن رئيس الجمهورية ملزم بالدعوة إلى استشارات نيابية ملزمة لتسمية الرئيس الجديد للحكومة، فيما لم تؤكد مصادر المعارضة، بعدُ، ذهابها إلى خيار تسمية بديل للحريري، باعتبار أن هذا القرار يحتاج إلى موافقة النائب جنبلاط أو على الأقل عدم قيامه بتسمية الحريري خلال الاستشارات. وستؤدي هذه الموازين إلى إدخال الطرفين في أزمة مواقف خلال المرحلة المقبلة مع عدم تمكن أحد من الطرفين من القيام بمبادرة انفرادية للحكم بسبب موقف جنبلاط المستمر حتى إشعار آخر، والذي لا يمكن أي منهما من تشكيل الحكومة منفردا.

ونفت مصادر في الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط» قيامها بعرقلة «الجهود السعودية مع السوريين». مؤكدة استمرارها في «تأييد الجهود التي تؤدي إلى مزيد من الاستقرار في لبنان، ولكن يجب ألا تكون أي جهود لضمان الاستقرار في لبنان على حساب سيادة لبنان واستقلاله السياسي». وشددت المصادر على أنه «يجب ألا يفرض على لبنان الخيار بين العدالة والاستقرار، بل يستحق الاثنين معا». ورأت أن «أي اتفاق مبني على هذا الشكل ليس من مصلحة لبنان على المدى الطويل. وكما قلنا مرارا وتكرارا، إن أمن لبنان واستقراره وسيادته غير قابلين للتفاوض». وقالت: «هناك الآن إدراك دولي بأن مشاكل لبنان يجب أن تحل على يد اللبنانيين أنفسهم. يجب أن تحترم الجهود المبذولة لتحقيق مزيد من الاستقرار في لبنان وسيادة لبنان والمشاركة الكاملة من جانب زعماء لبنان». وأضافت: «لقد قال لنا مسؤولون سعوديون بأنهم ملتزمون تماما بالمساعدة على تعزيز علاقة إيجابية بين لبنان وسورية، علاقة مبنية على الاحترام المتبادل ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للطرف الآخر. بطبيعة الحال، نحن نؤيد مثل هذا الهدف، نود نحن أنفسنا أن نرى مثل هذه العلاقة تتطور». مشددة على أننا «لم نحبط الجهود التي بذلتها السعودية مع السوريين، ولمزيد من التفاصيل نحيلكم إلى الحكومتين السعودية أو السورية». وقالت: «نحن نؤمن بعمق بأن حل القضايا السياسية في لبنان سوف يأتي من داخل لبنان، وليس بفرض من الخارج. إن الجهود لتحقيق مزيد من الاستقرار في لبنان يجب أن تبذل مع المشاركة الكاملة من جانب زعماء لبنان من أجل الحفاظ على سيادة لبنان». وأضافت المصادر: «لقد فبرك حزب الله وحلفاؤه أزمات سياسية في لبنان ارتفعت من خلالها التوترات السياسية بشكل خطير من خلال تصاعد اللهجة والتهديد بالعنف في لبنان في حال عدم حصولهم على مرادهم. أساسا، إن حزب الله وحلفاءه عرضوا إزالة المشاكل التي خلقوها هم أنفسهم في مقابل تهديم سيادة القانون في لبنان. هذا ببساطة ابتزاز واضح. ليس هناك أي حزب آخر يهدد بالعنف سوى حزب الله».

وبرز تحرك لافت لرئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي أوفد مساعده النائب علي حسن خليل لزيارة جنبلاط ورئيس الجمهورية قبيل إعلان الاستقالة، مشددا على «أهمية الدور الذي قام به خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الأسد»، ومشيرا إلى تأكده من «إرادتهما الصادقة للوصول إلى تسوية للأزمة القائمة، لكن يبدو أن لعبة الدول الكبرى كانت أكبر».

وعكس بري أمام النواب خلال لقاء الأربعاء النيابي حرصه على أن «أي خطوة يجب أن تكون في إطار الممارسة الديمقراطية ووفق القواعد الدستورية»، موضحا أنه «في هذه اللحظة لن يتحدث كثيرا عن تفاصيل ما كان يحضر في إطار التسوية والاتفاق»، وأكد في الوقت نفسه أن «هذا الاتفاق كان لمصلحة كل اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم، لا سيما أن ركنا أساسيا في الاتفاق كان استكمال تطبيق (الطائف) من دون استثناء». وكان عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب أنطوان زهرا نقل عن بري قوله إن «أهم شيء أن تأخذ اللعبة السياسية مداها، أما الاستقرار فخط أحمر». أما عضو كتلة الوفاء للمقاومة، النائب أنور الساحلي، فأكد أن «الاستقرار محسوم والحلول ليست منقطعة عن إمكان الوصول إليها».

أما جنبلاط فقد اتهم «القوى الظلامية» بتعطيل المبادرة، وقال بعيد زيارته البطريرك الماروني نصر الله صفير: «كنا ننادي دائما أنا ودولة الرئيس نبيه بري بأهمية السين السين، واكتشفنا بالأمس تلك الأهمية بالتفصيل، جرى اختراق كبير في التسوية عنوانه تفادي المضاعفات السلبية لقرار اتهامي قد يصدر في أي لحظة». وأضاف: صحيح آنذاك قيل إن القرار الاتهامي تأخر، أو أُخر، وكان هناك مسعى من قبل الشيخ سعد الحريري وغيره للتأخير. بالأمس يبدو أن القوى الظلامية دخلت على الخط وعطلت المبادرة، لكن من خلال المبادرة كان هناك اختراق كبير فيما يتعلق بتعطيل المفاعيل السلبية للقرار الاتهامي». وتابع: «هناك أشكال في سوء الاتصال إذا صح التعبير»، ولفت إلى أنه «كان مطلوبا من المعارضة بعض المطالب ومن الرئيس الحريري بعض المطالب، وكان هناك خلل تقني وليس سياسيا، هو من يقدَّم قبل الآخر، ولو كنت آنذاك مطلعا، لاقترحت أن يتم ذلك في سلة واحدة، برعاية سعودية سورية في الرياض، واليوم نستطيع أن نقيم هذه السلة برعاية لبنانية»، مشيرا إلى أنه «في أوج الحرب الأهلية عندما كنا نتقاتل، كان هناك دائما اتصال بين الأفرقاء، لم يحدث أن انقطع هذا الاتصال بيننا، فلماذا اليوم لا نستطيع التحدث مع بعضنا البعض؟».

وقال ردا على سؤال: «دخلت القوى الظلامية الآن، فماذا نفعل؟ وإذا عجلت هذه القوى بالقرار الاتهامي ماذا نفعل؟»، وأضاف: «علينا أن نتأكد من الخطوات ونتحاكى مع بعضنا البعض وأقول خاصة للشارع ولبعض القوى في 14 آذار التي تدلي بتصريحات بأنه لم يكن هناك من اختراقات، في حين جرت اختراقات نوعية فيما يتعلق بالمحكمة، ولا أريد أن أفصل»، مبديا شكره لـ«الجهد السعودي السوري الاستثنائي الجبار والممتاز».