باريس مستمرة في دعم المحكمة وتدعو اللبنانيين إلى تغليب الحوار والتحلي بحس المسؤولية

فرنسا تراهن على دور سوري إيجابي لتفادي التصعيد الميداني

TT

استبقت باريس استقالة وزراء المعارضة من حكومة الرئيس سعد الحريري بدعوة اللبنانيين إلى تغليب «لغة الحوار والتحلي بحس المسؤولية» لتجاوز الأزمة الجديدة التي انفجرت مع انهيار الحكومة بسبب الخلافات على موضوع المحكمة الدولية وكيفية تعاطي لبنان معها.

غير أن الخارجية الفرنسية التي صدر عنها هذا الموقف قرنته بإعادة تأكيد «الثوابت» التي تحكم السياسة الفرنسية إزاء لبنان وقوامها ثلاثة عناصر: التمسك باستقرار لبنان، والدعم المطلق للمؤسسات، واستمرار الدعم للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان ولاستقلالية عملها.

ويأتي الموقف الفرنسي عقب جولة من المشاورات عالية المستوى أجرتها الدبلوماسية الفرنسية على أعلى المستويات، وتحديدا الرئيس ساركوزي الذي كان الموضوع اللبناني أحد الملفات التي حملها إلى واشنطن ونيويورك وناقشها في محادثاته مع الرئيس أوباما ومع العاهل السعودي الملك عبد الله ورئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري. كذلك، علم أن ساركوزي اتصل بالرئيس السوري بشار الأسد. وينتظر أن تجري وزيرة الخارجية ميشيل أليو ماري الموجودة في الدوحة مشاورات بشأن هذا الملف مع نظيرتها الأميركية هيلاري كلينتون الموجودة هي الأخرى في العاصمة القطرية ومع وزيري خارجية قطر والإمارات.

وعلى صعيد مواز، ستكثف باريس في الأيام المقبلة اتصالاتها مع الأطراف اللبنانية استكمالا لجولة أولى قامت بها قبل الأعياد حيث ستستقبل تباعا رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع ورئيس حزب الكتائب أمين الجميل وزعيم «المردة» سليمان فرنجية ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط.

وتنظر باريس، وفق ما تقوله مصادرها، بـ«قلق عميق» لما آل إليه الوضع السياسي في لبنان. وبالنظر لواقع الحال اليوم، فإن باريس «تعول على دور سوري» ليبقى الوضع الأمني تحت السيطرة، وهي ترى أنه «أولوية الأولويات». وتمثل سورية التي زار رئيسها باريس الشهر الماضي «أداة» الضغط الأولى وربما الوحيدة التي تمسك بها فرنسا للتأثير على الأوضاع الميدانية في لبنان بالنظر إلى انعكاساتها التي لا مفر منها على وضع قوات «اليونيفيل» وأمن الجنوب حيث يتمركز نحو 1500 جندي فرنسي.

وتعتبر باريس التي سعت إلى مواكبة الجهود السعودية - السورية أن أي اندلاع للعنف يؤدي إلى تحرك حزب الله ميدانيا من شأنه فتح الباب أمام احتمال اشتعال حرب بالنظر إلى التهديدات الإسرائيلية بالتحرك. وسبق لباريس أن تلقت رسائل إسرائيلية بهذا المعنى. ولذا فإن الرسالة التي تشدد عليها المصادر الفرنسية قوامها أن استمرار الاستقرار «مصلحة لجميع الأطراف» بمن فيها حزب الله وسورية والأطراف الأخرى. كذلك فإنها ترى أن أي «مغامرة» عسكرية سيكون لها مردود سياسي سلبي على وضعية الحزب فرنسيا وأوروبيا ودوليا وطبيعة علاقاته ونشاطاته السياسية والمالية.

ورغم اختلاف التكتيكات السياسية، فإن مصادر دبلوماسية في العاصمة الفرنسية لا تعتبر أن هناك اختلافا «جوهريا» بين المقاربتين الفرنسية والأميركية إزاء لبنان لجهة تمسك الجانبين بالشرعية والمؤسسات والمحكمة وضرورة أن تستكمل عملها. ولم تقل باريس التي كان لها دور أساسي في ولادة المحكمة مرة واحدة إنها تقبل «المساومة» عليها. وفي لقاء الرئيسين ساركوزي والأسد الشهر الماضي في باريس، كرر الأول على مسامع الثاني تمسكه بالمحكمة مع علمه بالتحفظ السوري عليها. ورغم ذلك، تستمر باريس في المراهنة على دور سوري «إيجابي» لتلافي تدهور الأوضاع في لبنان الأمر الذي يفسر الاتصال الهاتفي الأخير بين الرئيسين.