الفيضانات تغرق ثالث أكبر مدينة في أستراليا.. والضرر يطال 40 ألف منزل

منكوبون لـ«الشرق الأوسط»: نعاني نقص الغذاء والمستلزمات الطبية.. وتم تحذيرنا من الأفاعي

الفيضانات تغرق منطقة كاملة في غرب مدينة بريسبن الأسترالية أمس (ا.ب)
TT

بات سكان بريسبن، ثالث أكبر مدينة في أستراليا، بدون كهرباء، وذلك بعد أن غمرت الفيضانات طرقات المدينة وبيوتها وأجزاء من أبنيتها الضخمة إلى جانب الشركات التي توقفت عن العمل، وأعطت عمالها إجازة شبه مفتوحة، إلى حين انتهاء المأساة. وإلى جانب ذلك، شلت الحركة كليا في ميناء المدينة الذي يعتبر من أكبر موانئ أستراليا، كما توقف العمل في مناجم الفحم وفي شركات تصنيع السكر ووصل حجم الخسائر المتوقعة إلى غاية ليل أمس إلى 11 مليار دولار أسترالي (11 مليار دولار أميركي).

وحتى يوم أمس، قتل بسبب الفيضانات نحو 12 شخصا وسجل نحو 60 آخرين بين المفقودين، وهو رقم يزيد ويتناقص، حسب امتداد الفيضانات وقدرة رجال الإنقاذ على إجلاء السكان من المناطق الأكثر تضررا، حيث من المتوقع أن يصل عدد القتلى إلى أربعين، حسب ما أعلنت سلطات الولاية. كذلك، فقد سحبت المياه قوية الجريان في بعض المناطق نحو ستة وعشرين شخصا، لم يعرف مصير البعض منهم. وأكدت السلطات أن المياه المتصاعدة من نهر بريسبن، غمرت على الأقل 40 ألف منزل ومؤسسة، جميعها تقع على حواف النهر الذي ارتفع منسوب المياه فيه إلى 5.2 متر في حادث يعيد إلى الأذهان ما حصل في عام 1974 حين وصل منسوب المياه إلى 5.5 متر في كارثة تتكرر هذه الأيام. وهو نفس الرقم الذي يتوقع خبراء الأرصاد الوصول إليه صبيحة اليوم الخميس.

هذه «الكارثة الوطنية» بحسب ما أعلنت رئيسة الوزراء جوليا غيلارد، التي أعطت الأوامر للجيش خاصة القوات الجوية، بالتدخل للمساعدة في أعمال الإغاثة، تعتبر من أسوأ ما حصل في تاريخ أستراليا «لأن الإنسان يقف مشدوها وعاجزا أمام قوة الطبيعة». وأضافت رئيسة الوزراء أن «الوضع قاتم للغاية» و«خطر جدا» لكن على كل الأستراليين أن «يتكاتفوا ويقفوا إلى جانب بعضهم في هذه المحنة».

ويشاركها في هذا الرأي كافة المسؤولين الأستراليين، الذين توجهوا إلى مكان الكارثة، للتضامن مع السكان والمساعدة في عمليات الإنقاذ. في حين قالت رئيسة وزراء المقاطعة آنا بليغ «إن الأمور قد تزداد سوءا مما هي عليه الآن، وإن أمامنا أوقاتا صعبة جدا» وإن «هناك نحو عشرين ألف منزل غرق بالكامل في خمسين ضاحية من ضواحي بريسبن إضافة إلى ثلاثة آلاف وخمسمائة مؤسسة تجارية تضررت بالكامل».

ويعد التواصل مع المنكوبين بغير الهاتف، من الصعوبات التي تواجه الصحافة المحلية وكذلك الدولية. فبغير إمكانات لوجستية كبيرة كطائرات الهليكوبتر الخاصة وتلك التابعة للشرطة والجيش، لا يمكن الوصول بسهولة إلى المناطق مقطعة الأوصال. وعلى هذا، كان الهاتف بمساعدة من الصحافة المحلية، الوسيلة الوحيدة للتواصل مع المتضررين.

فمنذ عدة أيام، أي منذ بدأت وتيرة الفيضانات تتصاعد في نيو ساوث ويلز، على طول منطقة غولد كوست التي تنقسم في مكان منها بين نيو ساوث ويلز وكوينزلاند، وعدد كبير من السكان في المنطقة يعاني من قلة الاهتمام، فقد بلغ عدد الذين قضوا لياليهم في العراء، أكثر من خمسة عشر ألفا، حيث تعرضوا بفعل الفيضانات إلى اجتياحات من الأفاعي والتماسيح وبعض الحيوانات المفترسة، التي هربت بدورها من المياه.

تقول جاكي وارهوست من ساوثيل: «لم يخبرونا في البداية أن الفيضانات ستكون على هذا الشكل، نعم قالوا إن الفيضانات قادمة لكنهم قالوا لنا أن لا نترك منازلنا وبالفعل لم نتركها إلا حين غرقت». وتضيف: «لقد صعدت أنا وأولادي وزوجي إلى سطح المنزل وبقينا ليلتنا الأولى فوقه منتظرين أن يأتي إلينا أحد لكن أحدا لم يأت قبل اليوم الثاني». أما ابنتها التي تحدثت إلى «الشرق الأوسط» أيضا فقالت: «أخذونا إلى مكان بعيد كان فيه أناس آخرون، وفي الليل كنا نسمع أصوات الحيوانات وقال أحد السكان إن علينا الانتباه من الأفاعي الكثيرة هنا».

هذا كان في نيو ساوث ويلز التي بقي معدل الفيضانات بها رغم حجم المساحة التي غطتها، أقل منسوبا، مما هو عليه الأمر في كوينزلاند. ففي حين وصل معدل نهر بريسبن إلى 5.2 متر فإن بعض الأنهار المتفرعة والصغيرة وصل إلى 21.5 متر خاصة في نهر بريمر الذي يقع إلى الشمال من مدينة بريسبن.

أما في بريسبن التي يزداد فيها الوضع قتامة، ساعة بعد ساعة، فإن الناس يريدون أن يتكلموا، خاصة، أنهم يعانون كثيرا في مراكز الطوارئ، الموجودة على بعد مسافة من المدينة وفي بعض الضواحي البعيدة عن النهر، التي لم تصلها المياه. أحد السكان المنكوبين تريغ ستيوارث قال لـ «الشرق الأوسط» إن «المشكلة اليوم ليست في تأمين الأماكن للناس، بل في توفير ضروريات الحياة مثل مياه الشرب والأكل وغيرها من مستلزمات طبية». ويقول ستيوارث: «نحن هنا بدون شيء على الإطلاق. طبعا المأكولات تصل، القليل من مياه الشرب أيضا، لكن لا يمكننا الاستحمام ونعيش في حالة مزرية للغاية».

في دلبي التي تبعد ما يزيد على مائتي كيلومتر عن بريسبن، قالت إليزابيث ماثيو وهي أم لخمسة أطفال: «إن الأمور تزداد سوءا وإمكانيات فرق الإنقاذ غير كافية ونحن خرجنا بملابس مبللة وبقينا فيها لغاية الآن ولا نعرف إلى متى». وهي حملت المسؤولية للسلطات بالقول: «لقد تركونا وحدنا دون مساعدة ولولا القدر لما كنا نجونا. لا أتكلم عن عائلتي فقط بل عن الكثير من جيراني الذين غرقت بيوتهم وهم اليوم لا يعرفون ماذا يفعلون». وتضيف إليزابيث: «هل ننتظر انحسار المياه لنذهب إلى بيوتنا وماذا سنفعل وقتها؟. كل شيء تدمر وتلف وتنتظرنا حياة جديدة». وبالتأكيد تقول: «علينا أن نبنيها بسواعدنا ولن يساعدنا أحد كما يحصل الآن».

والحق أن المشكلة الأكبر حاليا، رغم تحمل السلطات مسؤوليتها، بالإعلان عن الكارثة، أنها وطنية شاملة، هي مشكلة التأمين على المنازل. ففي عدد كبير من المناطق، تلك التي تقع على حواف الأنهر أو بالقرب منها، ترفض شركات التأمين طلبات السكان بالتأمين على منازلهم وممتلكاتهم، لأن هذه الأماكن، تقع في أماكن معرضة للكوارث. المشكلة التي لم تتمكن أي حكومة، من حلها مع هذه الشركات. إذ على الرغم من هول الكارثة، فإن الدولة، على الأرجح لن تتمكن من المساعدة في تغطية كل النفقات، الأمر الذي أصبح حديث الشارع الأسترالي خاصة من وقعت المأساة في ممتلكاته. مأساة يلخصها إدوارد بورنز من بريسبن بالقول «لا أعلم ما هو مصيري».