مدن مكسيكية من دون قوات شرطة محلية

عصابات الجريمة تحكم سيطرتها.. والسكان يبدأون إغلاق منازلهم في الخامسة مساء

قائدة الشرطة إريكا غاندارا
TT

طلب منها عمها، الذي يشغل منصب العمدة وأعطاها وظيفة لم يرغب فيها الآخرون، الابتعاد عن الظهور كثيرا أمام الناس، كما دعاها لكي لا تتحدث بأنها آخر ضابط شرطة في المدينة، بعد أن ترك كل أفراد الشرطة في المدينة العمل، إما بتقديم الاستقالة أو بسبب القتل. لكن إريكا غاندارا، 28 عاما، بدت في صور نشرتها صحيفة محلية، مستمتعة بالدور الذي تقوم به، ووقفت إلى جوار رشاش نصف آلي، وتحدثت صراحة عن مدى أهمية وظيفتها الجديدة. وقالت للصحافيين: «أنا الشرطية الوحيدة داخل هذه المدينة، أنا السلطة».

وقبل يومين فقط من يوم عيد الميلاد (الكريسماس)، قامت مجموعة تضم رجالا مسلحين بأخذها من داخل منزلها، بحسب ما ذكره سكان محليون، ولم تر منذ ذلك الحين. وكانت هذه علامة استفهام مشؤومة في موجة أعمال الترويع التي حولت هذه المدينة المشهورة بزراعة القطن بالقرب من تكساس، إلى مكان موحش داخل ساحة حرب المخدرات. ويقول مسؤولون محليون إن قرابة نصف سكان المدينة البالغ عددهم 9000 مواطن رحلوا عنها، تاركين منازل ومكاتب عمل تعرضت للإتلاف، والآن لا يوجد ضابط شرطة نظامي واحد داخلها.

وبعيدا عن المدن الكبرى سيئة السمعة، مثل سيوداد خواريز، وهي واحدة من أكثر الأماكن التي تشهد أعمال عنف في الأميركتين، يمكن أن تبلي الحرب مع عصابات الجريمة المنظمة مدنا صغيرة بنفس القدر من العنف، وإن كانت لا تسلط عليها الأضواء بنفس الدرجة.

وتقع مدن القطن الصغيرة جنوب خواريز داخل منطقة تتنازع عليها مجموعتان على الأقل من عصابات تهريب المخدرات المهمة، بحسب ما أفادت به تقارير حكومية وأمنية خاصة. وقد أدى ذلك إلى صراعات على السلطة سقط خلالها قتلى. ولكن في ضوء غياب ضباط الشرطة المدربين بالصورة المناسبة، وهي أزمة قائمة منذ وقت طويل سعت الحكومة إلى علاجها ولكن من دون حزم، أخليت الساحة أمام المجموعات الإجرامية. ويقول دانيال سابت، وهو أستاذ زائر بجامعة جورج تاون يدرس السياسات في المكسيك: «هناك تأثير كبير على المدن الصغيرة، حيث توافر معاقل يمكن لعصابات الجريمة المنظمة الاستحواذ عليها والتحكم فيها».

وتنظر بعض المدن إلى نفسها، على أنها معرضة للمخاطر لدرجة أنها تحرص على عدم مضايقة المجرمين. وفي ظل الاعتقاد بأن المتورطين في الجرائم المنظمة أقل ميلا إلى إيذاء النساء، وفي ضوء قلة أعداد الرجال الراغبين في الانضمام إلى الشرطة، قام مسؤولون محليون بتعيين نساء العام الماضي في مناصب بارزة داخل الشرطة، في مدن صغيرة هنا بولاية تشيهواهوا، وهي من أكثر الولايات التي تشهد أعمال عنف في البلاد.

وبعد سلسلة من أعمال العنف داخل مدينة باركيديس غوريرو، اختار مسؤولون محليون طالبة جامعية في العشرين من عمرها في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لتكون قائدة للشرطة على رأس قوة قوامها تسع نساء ورجلين، على أمل أن تعتبرها الشبكات الإجرامية أقل تهديدا. وأوضحت ماريسول فالاس، رئيس الشرطة الشابة، أنها تترك الجرائم الكبرى للسلطات الفيدرالية والسلطات داخل الولاية. وأضافت أنها تراجع المخالفات المدنية التي يصدرها ضباط آخرون، ونادرا ما تغادر المكتب. وتابعت فالاس، التي لا تحمل سلاحا ولا ترتدي زي الشرطة: «أنا أشبه بمديرة».

لكن المجرمين لم يميزوا. فقد قتلت هرميلا غارسيا، التي عينت رئيسة للشرطة داخل مدينة ميوكيو الصغيرة وسط تشيهواهوا، في الثلاثين من نوفمبر الماضي بعد قضاء شهر في منصبها الجديد.

وحاولت مدينة غوادالوبي اختيار وجه لا يمثل تهديدا من خلال تعيين غاندارا، رئيسة للشرطة في أكتوبر (تشرين الأول). ولكن يبدو أنها حاولت – أو على الأقل تحدثت – عن التعامل مع المنصب بصورة أكثر جدية، وهو ما يأسف له عمها العمدة توماس أرتشوليتا. لقد كان لديه ما يدفعه إلى أن ينصحها بالحرص على ألا تكون مشهورة، فقد تولي منصبه بعد أن قُتل سلفه الصيف الماضي، وكان ذلك في إطار عمليات اغتيال لمسؤولين محليين داخل المكسيك. ويقول أرتشوليتا: «نصحت إريكا بأن تتوخى الحذر كي لا تتسبب في أعمال عنف»، وعبر صراحة عن شعوره بالإحباط بسبب صورتها إلى جوار الرشاش. وكما هي الحال مع فالاس، كان دور إريكا محصورا في إصدار دعوات للمثول أمام القضاء، مع ترك الجرائم الخطيرة إلى السلطات الفيدرالية وسلطات الولايات.

وخلال صباح أحد الأيام الأخيرة، احترقت أربعة منازل خلال هجوم، وقُتل شخصان بعد إطلاق الرصاص عليهما، وترك الرصاص الكثير من الفجوات في الجدران. وداخل المدينة قليل من يغادر منزله بعد الخامسة مساء، ولا يرى سكان المدينة الجنود ولا ضباط لشرط إلا بعد جرائم كبرى أو عندما يحرسون عملية التسليم الشهرية للمعاشات الحكومة للمتقاعدين. وقال إدواردو كونتراراس، 26 عاما، بينما كان يشاهد سكانا محليين يسكبون المياه ويمرون بين البقايا المشتعلة من المنازل المحترقة: «نغلق الباب على أنفسنا معظم الوقت». ويقول العمدة أرتشوليتا، إن المدينة تحصل على الحماية من جنود مقيمين في مركز استجمام داخل براكيديس غوريرو. وأشار إلى أنه ربما يكون من الأفضل ألا يكون هناك ضباط شرطة محليون. وقال إن سكانا محليين قالوا له إن جرائم شائعة مثل السطو المسلح تراجعت بسبب الخوف من جذب انتباه دورية عسكرية. وأضاف همسا: «لا توجد أي جرائم صغيرة». ولكن سكان المدينة يرفضون ذلك، ويشتكون من أن الجنود أو ضباط الشرطة الفيدراليين أو على مستوى الولاية نادرا ما يظهرون ولا يحدث ذلك إلا عندما تقع أعمال عنف كبيرة.

وقالت أم بأحد المنزلين المحترقين في منتصف عمرها: «لا توجد شرطة ولا مطافئ ولا خدمات اجتماعية ولا أي شيء»، ورفضت ذكر اسمها خشية العقاب. وأضافت: «يهرب الناس عندما يقترفون أي شيء، ولا يجرى التحقيق بشأن أي شيء، حتى في عمليات القتل». ولم يمض وقت طويل على ذلك حتى جاء موكب من الشرطة الفيدرالية مكون من أربع شاحنات من مدينة أخرى، ونزلوا من السيارات ودونوا ملاحظات وطلبوا منها ومن أفراد آخرين في العائلة الحديث معهم. ولكن العائلة رفضت أن تفتح البوابة للشرطة، وكان واضحا أن ذلك بسبب خشيتهم من أن يروا يتكلمون معهم. وبدا أن الشرطة تفكر في الأمر، ومضت من مسرح الجريمة إلى مسرح جريمة أخرى ودونت الملاحظات، ولكنها لم تقم بتحقيق شرعي.

وفي موقع عملية القتل المزدوجة في الصباح، تحسس ضابط شرطة بركة دماء في طريق خاص بالمنزل باستخدام عصا كانت معه، وقام آخر بأخذ قطعة من اللحم وألقى بها إلى زميل له. ربما لم تكن غاندارا تجري تحقيقا أقوى. ويقول مديرو المدن إن ضباط الشرطة المحليين داخل المدن الصغيرة عادة ما يقومون بدور وقائي، ويفصلون في الخلافات الصغيرة، ويتعاملون مع المراهقين المشاكسين والسكارى. والكثير منهم غير مسلح. ولن يقول أرتشوليتا أكثر من ذلك عن قريبته غاندارا، وبرر ذلك بالتحقيق الذي يجريه مكتب الادعاء داخل الولاية، الذي لن يعلق على الدوافع وراء ذلك. ولكن أرتشوليتا أشار إلى أنه توجه إليها عندما رفض أي شخص آخر تولي المنصب. وأكد أن لديها خبرة كحارسة أمنية وبدا أنه لا علاقة لها بأي نشاط إجرامي. وقال: «من يعرف ما يقوم به الناس في حياتهم الخاصة؟ ولكن لا أعتقد أنها متورطة في أي شيء آخر».

* خدمة «نيويورك تايمز»