نائب رئيس البرلمان الجزائري: الصدام حدث لما عجزت السلطة عن إدراك أولويات الجزائريين

الصديق شهاب لـ«الشرق الأوسط»: الاحتجاجات لم تؤطرها جهة سياسية لذلك لا يمكن الحكم على سياسة بوتفليقة بالفشل

TT

قال نائب رئيس البرلمان الجزائري إن «بارونات يتحكمون في سوق المواد الغذائية»، هم سبب الاحتجاجات الاجتماعية التي عرفتها البلاد وخلفت 4 قتلى ودمارا كبيرا في المرافق العمومية. ونفى قطعيا تفسيرات أعطيت لحركة الاحتجاج، مفادها أن نافذين في النظام يريدون رحيل عبد العزيز بوتفليقة عن الرئاسة.

التقت «الشرق الأوسط» الصديق شهاب، نائب رئيس المجلس الشعبي الوطني (غرفة البرلمان الأولى)، بالعاصمة وطرحت عليه أسئلة تتصل بالحركة الاحتجاجية الحادة التي اندلعت بالعاصمة يوم 5 من الشهر الحالي، وامتدت شرارتها إلى غالبية الولايات ودامت 5 أيام. فبخصوص تفسيره لأسباب الأحداث التي خلفت 3 قتلى وأكثر من 300 جريح، بحسب حصيلة رسمية، قال شهاب: «الانفجار الذي وقع كان نتيجة سوء تفاهم بين السلطة والمجتمع.

الأولى فتحت ورشا وأطلقت مشاريع وقامت بإصلاحات، بينما كان الجزائريون ينتظرون شيئا آخر.. كانت أولوياتهم شيئا آخر. أقصد أن ورش التنمية التي فتحتها السلطات لم تؤت ثمارها بالسرعة التي كان يترقبها المواطن، وهذا القصور تتحمله السلطات التي لم تحسن ترتيب الأولويات، أو بالأحرى لم تعرف كيف تصنف الأولويات».

ويعتبر الصديق شهاب أحد أبرز القياديين في حزب الوزير الأول أحمد أويحي «التجمع الوطني الديمقراطي»، وقد كان نقابيا في قطاع المحروقات نهاية ثمانينات القرن الماضي.

وحمل وهو يحلل الوضع، «بارونات الاقتصاد» مسؤولية الاحتجاجات الصاخبة التي وقعت بالجزائر، وقال عنهم دون ذكرهم بالاسم: «لقد اتخذت الحكومة سلسلة من الإجراءات تضمنها قانون المالية التكميلي الهدف منها فرض الشفافية في المعاملات التجارية، أزعجت بعض رجال الأعمال الذين يحتكرون سوق المواد الغذائية الأساسية، فكان رفع الأسعار هو رد فعلهم على هذه الإجراءات». ومعروف أن المتحكمين في السوق مجموعة من أثرياء البلد، على رأسهم أسعد ربراب، مالك أكبر مجموعة للصناعات الغذائية.

والشائع أن زيادة أسعار السكر والزيت هي الدافع الرئيسي لـ«ثورة الشارع»، فبادرت السلطات إلى إلغاء الرسوم على استيراد هاتين السلعتين لمدة 8 أشهر، حتى تصل إلى المستهلك بأسعار معقولة. وهناك من يرى أن الأزمة أعمق من ذلك بكثير، فهي تعكس حظر الحريات مثل التظاهر في الشوارع والتعبير بحرية في وسائل الإعلام الثقيلة المملوكة حصريا للدولة. وتبعا لهذا الرأي يقرأ محللون الأحداث على أنها عاكسة لفشل سياسة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. أما المسؤول البرلماني الصديق شهاب فينظر للأمر من زاوية أخرى قائلا: «لا أعتقد أن سياسة الرئيس بوتفليقة وطاقمه الحكومي فشلت، لأن الاحتجاجات لم ترفع أي شعار سياسي ولم نلحظ أثرا سياسيا لأي حزب. وأعني بذلك أن المظاهرات لم تكن مؤطرة من طرف جهة معينة تملك مطالب ورؤية محددة لتسيير شؤون البلاد. فالأمر في النهاية لا يعدو أن يكون تذمر شباب من وضع اجتماعي، نقر بأنه ليس ورديا، خرجوا للمطالبة بتحسين أوضاعهم المعيشية».

وتعيب المعارضة وقطاع من الصحافة الخاصة، على الرئيس ووزيره الأول، التزام الصمت في وقت كان فيه الشارع يغلي. ويرى شهاب أن عدم خروج الرئيس إلى الرأي العام بواسطة خطاب يهدئ النفوس، «مسألة تقدير وضع من طرف المسؤولين، أقصد أن الحكومة قامت بالإجراءات اللازمة إذ عقدت اجتماعات بتوجيهات من الرئيس، وكانت في حالة تجند مستمر وخاطبت المحتجين عن طريق وزير الداخلية دحو ولد قابلية ووزير التجارة مصطفى بن بادة». وتعرض البرلمان وأعضاؤه لانتقادات لاذعة، بسبب بقائه على هامش الأحداث باستثناء دعوات محتشمة من طرف نواب المعارضة إلى فتح نقاش عام حول المظاهرات. ويقول شهاب إن العمل البرلماني «لم يصل إلى الغاية المطلوبة فنحن في الفترة التشريعية الثالثة فقط (ثالث ولاية برلمانية منذ أول انتخابات تعددية في 1997)، وبالتالي نحن لا نملك برلمانا له تجربة وهاجسه يظل تحصين الدولة من خطورة العودة إلى الماضي المليء بالأحزان، لنقل إن هاجس البرلمان اليوم هو عدم الإضرار بالتوازنات القائمة».

وقال شهاب إن المشاريع الضخمة التي أطلقها الرئيس بوتفليقة منذ 10 سنوات، كانت تستهدف استدراك التأخر في البنية التحتية الذي تسبب فيه الإرهاب. فالدولة في تسعينات القرن الماضي، كان هاجسها حسب نائب رئيس للبرلمان «إنقاذ نفسها من الانهيار تحت ضربات الإرهاب. وبعد وصول الرئيس بوتفليقة إلى الحكم (ربيع 1999)، فتح جبهات كثيرة في وقت واحد: الحرب على الفساد وإصلاح هياكل الدولة وإصلاح القضاء والمنظومة التعليمية والصحية، فضلا عن إطلاق مشاريع سياسية بغرض وقف عنف الإرهاب، مثل الوئام المدني والمصالحة (المشروعان يعرضان على المسلحين الإسلاميين عفوا رئاسيا في مقابل التخلي عن الإرهاب). في مقابل ذلك، انتقل هاجس الجزائريين من المقاومة من أجل العيش والنجاة من الإرهاب، إلى التطلع من أجل العيش في أمن ورخاء كسائر البشر، وهنا حدث الصدام مع السلطة التي لم تدرك أولويات مواطنيها». ويعتقد شهاب أن «بعض حلقات الحكم المكلفة بتطبيق برامج التنمية لم تؤد دورها كما يجب».