بدء أفول نجم نائب رئيس وزراء بريطانيا

كليغ تدهورت شعبيته بسبب الرسوم الدراسية وسيواجه التحدي الأكبر مع قانون إصلاح النظام الانتخابي

نيك كليغ
TT

أثناء حملة انتخابية لافتة العام الماضي، تمكن السياسي الوسيم، 43 عاما، من أسر قلوب البريطانيين، ونجح في التغلب على نزعتهم تجاه الشك والتوجس، بإعلان رسالة تغيير على غرار تلك التي تزعمها باراك أوباما داخل الولايات المتحدة. إلا أنه بعد ثمانية أشهر، فقدت بريطانيا عشقها لنيكولاس كليغ، النائب الجديد لرئيس الوزراء.

في بلد يهيمن عليه حزبا المحافظين والعمال، نجح صعود نجم كليغ خلال المناظرات التلفزيونية، كتلك التي تجري عادة في الولايات المتحدة، في تعزيز موقف حزب الليبراليين الديمقراطيين الذي ينتمي إليه. وحتى الممثل النجم كولين فيرث، بطل فيلم «ذي كنغز سبيتش»، ترك ساحته الفنية لينضم إلى الحملة المؤيدة لأمير الساحة السياسية البريطانية الجديد.

وظهر كليغ باعتباره صانع النجوم في انتخابات مايو (أيار)، ونجح في عقد اتفاق ائتلاف مع المحافظين، لم يتم التوصل إليه سوى بشق الأنفس، وهو اتفاق تمكن من ضم حزبه للحكومة، وإن كان كشريك صغير، للمرة الأولى منذ قرابة قرن.

ومع ذلك، بدأ كليغ يكتشف الآن الثمن الفادح للنجاح، حيث بدأ آلاف الناخبين في هجر الحزب، مع انحسار التأييد لليبراليين الديمقراطيين من 34 في المائة في أبريل (نيسان) الماضي، إلى 9 في المائة الشهر الماضي. وحتى فيرث أعلن تخليه عن الحزب، حيث اعترف مؤخرا أمام حشد من الصحافيين في مهرجان دبي للأفلام، أنه لم يعد ينتمي «لأي تيار الآن».

في أعقاب الأزمات التي عصفت ببريطانيا الشهر الماضي، أعلن كليغ: «يجري إلقاء اللوم علي حول كل شيء. وربما قريبا سيلومونني على سوء الأحوال الجوية». وقطعا هذه أنباء سيئة، لكن ليس لكليغ فقط.

ويمثل التردي غير العادي لليبراليين الديمقراطيين أول مؤشر حقيقي على الضعف الذي لحق بحكومة بريطانيا الائتلافية، التي يتحتم على قائدها، ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء المحافظ، الحفاظ على تماسكها حتى تنتهي فترة عمل حكومته البالغة خمس سنوات. ويبدو كاميرون قلقا للغاية بشأن ذبول تأييد الليبراليين الديمقراطيين، لدرجة دفعته لاتخاذ خطوة استثنائية تمثلت في إشادته بحرارة بمرشح الحزب في انتخابات فرعية عقدت، أمس، على الرغم من أن المحافظين يشاركون بمرشح لهم فيها.

ويرى محللون أن تراجع شعبية كليغ نابع مما يطلق عليه الكثير من أنصاره السابقين «سلسلة من الخيانات المريرة». وكان أكثرها إيلاما قرار كليغ بتأييد المحافظين في قرارهم القاضي بتقليص الدعم الموجه لطلاب الجامعات بصورة بالغة، مما فرض زيادة في رسوم التعليم الجامعي، وذلك في إطار الجهود الدؤوبة التي يتخذها الحزب للتصدي للعجز الهائل بالموازنة.

وجاء ذلك بعد شهور قليلة من تحقيق الليبراليين الديمقراطيين نجاحا ساحقا في اجتذاب أصوات الناخبين الشباب خلال الحملة الانتخابية، التي وعدوا خلالها بمعارضة زيادة مصاريف التعليم بقوة. وكان من شأن النكوص في هذا الوعد الآن جعل كليغ الهدف الرئيسي لغضب آلاف المتظاهرين الشباب، الذين خرجوا إلى شوارع لندن في الشهور الأخيرة لإعلان معارضتهم إجراءات التقشف.

مثل أوباما، تميز كليغ كمرشح بشخصية يستقي منها آخرون إلهامهم، وبدا خارج الإطار السياسي المألوف، وقادرا على بث الحماس في نفوس الناخبين الشباب. وعلى الرغم من أن معدلات شعبية الرئيس الأميركي تراجعت هي الأخرى بشدة، يبدو أن كليغ يواجه رد فعل عكس أقوى بكثير، خاصة بين الطلاب.

من بين هؤلاء راشيل سوليفان، 20 عاما، طالبة بجامعة أكسفورد شاركت في المظاهرات الأخيرة، وقالت: «لقد أيدت الليبراليين الديمقراطيين. وشاركت بقوة في حملات لحشد التأييد لهم، وقمت بتوزيع منشورات تروج لهم. لكن الآن يبدو لي أنني كنت ساذجة، وأوليت تأييدي لأناس كذبوا بشأن القضايا التي يقفون خلفها. هناك الكثير من الطلاب تعهدوا بعدم التصويت مجددا أبدا لصالح الليبراليين الديمقراطيين».

في الواقع، يبدو أن الليبراليين الديمقراطيين، الذين يضمون تحت مظلتهم نطاقا واسعا من الشرائح الليبرالية اليسارية، وصولا إلى مؤيدي السياسات المالية المحافظة، تحولوا الآن لما يصفه الكثيرون هنا بـ«دروع بشرية» للمحافظين، ذلك أنهم يتحملون فعليا النصيب الأكبر من الهجمات الغاضبة، بسبب السياسات المفتقرة إلى التأييد الشعبي التي تنتهجها الحكومة.

وقد يحمل هذا الأمر تبعات قاسية بالنسبة لكليغ وحزبه، وربما الائتلاف الحكومي برمته. المؤكد أن انحسار شعبية كليغ يهدد فرص نجاح إجراء يجري النظر إليه باعتباره السبب الرئيسي لانضمامه للائتلاف، وهو التصويت على إصلاحات انتخابية من شأنها تيسير السبيل أمام الليبراليين الديمقراطيين لهزيمة حزبي المحافظين والعمال في انتخابات مستقبلية.

وتبعا للاتفاق المبرم مع المحافظين، فمن المقرر عقد هذا الاستفتاء في مايو (أيار)، في نفس توقيت انعقاد الانتخابات المحلية التي يتوقع محللون أن يمنى الليبراليون الديمقراطيون خلالها بانتكاسات فادحة.

وعن ذلك، قال أندرو رسل، المحاضر البارز في الشؤون السياسية بجامعة مانشستر: «إن الليبراليين الديمقراطيين يجدون أنفسهم في مواجهة مساءلة على نحو لم يعاينوه من قبل أبدا. وتكمن المفارقة في أنه نظرا لأنه يجري تحميلهم اللوم على كل شيء، فإنهم ربما يخسرون الآن الفرصة التي لا تتاح سوى مرة واحدة كل جيل لتغيير النظام الانتخابي البريطاني».

الملاحظ أن مسؤولي الحزب الليبرالي الديمقراطي منقسمون على أنفسهم بخصوص كليغ، الذي تخرج في جامعة كامبريدج، وله زوجة إسبانية، بينما تضرب جذوره في هولندا وروسيا.

وانتقد فريق كليغ لتأييده زيادة مصروفات الدراسة الجامعية وإجراءات أخرى بينها زيادة ضريبة المبيعات التي بدأ سريانها هذا الأسبوع. وعلى الرغم من ذلك، لم يظهر أمامه بعد منافس محتمل داخل الحزب، إلا أنه في حال اتخذت الأصوات في انتخابات مايو توجها معارضا لليبراليين الديمقراطيين بقوة، فإن بعض المحللين يعتقدون أن كليغ ربما يجبر على التفكير بشأن ما إذا كان ثمن البقاء في الائتلاف الحاكم فادحا على نحو يتعذر على الحزب تحمله. إلا أن كليغ ومساعديه يرفضون أي تلميحات بإمكانية الانسحاب من الائتلاف.

وسعيا لتعزيز صورة كليغ والليبراليين الديمقراطيين، تستعد الحكومة للسماح له بالإعلان عن الإصلاح الذي طال انتظاره لمجلس اللوردات، بما يمهد الطريق أمام إجراء تصويت عام حول الـ80 في المائة من أعضاء المجلس غير المنتخب. ويعتقد البعض أن هذا الإعلان ربما يحسن صورة كليغ، ويضعه في صورة المؤيد للتغيير، التي سبق أن ظهر بها خلال الحملة الانتخابية.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»