لبنان: عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة رهن بـ«صفقة»

جنبلاط محط الأنظار.. يتريث في إعلان مرشحه

TT

من سيخلف الحريري في رئاسة الحكومة اللبنانية؟

سؤال قد تكون إجابته البديهية في نظر الكثير من المتابعين، سعد الحريري نفسه.. وهو ما بدأت قوى «14 آذار»، ومن ضمنها تيار المستقبل الذي يقوده الحريري، بالمجاهرة به، عبر التصريحات والمواقف الإعلامية.

غير أن حسابات الأرقام، وحسابات القوى المؤثرة في القرار اللبناني قد لا تتوافق دائما مع البديهيات. فالمعارضة، وهو الاسم الذي يطلق على قوى «8 آذار» والتيار الوطني الحر، الذي يقوده العماد ميشال عون، «لن تقبل بعودة الحريري إلى رئاسة الحكومة، إلا وفق سلة حلول متكاملة»، كما يؤكد مرجع لبناني بارز لـ«الشرق الأوسط»، كما أن الحريري نفسه «لن يقبل بالعودة إلا وفق آلية تسمح له بممارسة دوره من دون تعطيل» كما تقول أوساط بارزة في تياره.

وبالتالي، فإن إعادة تسميته لرئاسة الحكومة ستكون رهنا بمفاوضات إقليمية - محلية، أما بالأرقام فهي ستكون رهنا بموقف رئيس اللقاء الديمقراطي، النائب وليد جنبلاط، ومعظم أعضاء كتلته البرلمانية (11 نائبا)، لأن انتقالهم إلى أي من الفريقين المتنازعين من شأنه أن يسمح للمتحالف معه بتشكيل الحكومة منفردا.

وعلى الرغم من أن جنبلاط كان يقول في مجالسه الخاصة قبل استقالة الحكومة إنه لن يقبل بغير سعد الحريري رئيسا للحكومة، فإن «المعارضة» واثقة جدا من أن الأخير سيكون في صفوفها في الاستشارات النيابية الملزمة التي ستبدأ الاثنين المقبل، علما بأن عودة جنبلاط إلى التحالف مع سورية قد لا تسمح له بالمناورة كثيرا، في حال كانت دمشق تدعم غير الحريري لرئاسة الحكومة اللبنانية المقبلة.

وقد زاد جنبلاط، الذي يحاول الابتعاد قدر الإمكان عن الإعلام هذه الأيام، في «الغموض»، عندما أجاب عن سؤال حول اسم الشخصية التي سيرشحها، بالقول: «من المبكر جدا الرد على السؤال حيال من سنرشح، وسنرى عندما تبدأ الاستشارات».

لكن الأرقام لا تقول الحقيقة دائما في لبنان، فحتى لو نال أي مرشح جميع أصوات الطوائف الأخرى، فلن يكون قادرا على الاستمرار في تشكيل الحكومة إلا إذا نال تأييد غالبية النواب السنة الـ27 في البرلمان، لأن هؤلاء وحدهم يعطونه الشرعية الطائفية، وهذا ما حصل عند انتخاب الرئيس نبيه بري رئيسا لمجلس النواب، على الرغم من أنه كان يمثل الأقلية البرلمانية عام 2005 وعام 2009، حيث كان من الصعب على قوى «14 آذار» أن تسير في انتخاب أحد العضوين اللذين خرجا من يد الثنائي الشيعي (أمل وحزب الله). وفي مقاربة مماثلة، يحظى الحريري بتأييد غالبية النواب السنة الذين دخلوا البرلمان على لوائحه الانتخابية.

ويقول المرجع اللبناني إن اسم الشخصية التي سوف تسفر عنها الاستشارات النيابية التي سيجريها الرئيس ميشال سليمان، الأسبوع المقبل، من شأنها أن ترسم معالم المرحلة المقبلة؛ فإذا أعيدت تسمية الحريري، فإن ذلك سيكون معناه وجود صفقة جديدة مماثلة لاتفاق الدوحة، الذي أسقطته المعارضة باستقالة وزرائها، بعدما كان الاتفاق ينص على عدم الاستقالة، وتخريب الحكومة.

وعلى الرغم من كثرة الأسماء التي يمكن أن تؤلف الحكومة، فإن المقاييس قد لا تتطابق مع الواقع، إلا في حالات محدودة، ووفقا لـ«نماذج» لا أسماء. فإذا أتى الحريري، أو من قد يسميه الحريري، فإن الأمور قد تعني وجود اتجاه لحلحلة في الملف الداخلي، وقد يكون معناه أيضا نجاح التحركات الدولية والإقليمية المكثفة.

وفي المقابل، فإن الخيارات الأخرى المطروحة من قبل «المعارضة» هي بتسمية شخص من قبلها لتأليف الحكومة، بعدما تكون قد ضمنت تأييد جنبلاط، أو امتناعه عن التسمية، بالحد الأدنى. واسم هذه الشخصية سواء كان الرئيس السابق عمر كرامي، أو النائب السابق عبد الرحيم مراد، يعني أنها ستكون حكومة مواجهة مع الأغلبية السنية ومع الخارج أيضا، الذي قد لا يتفاعل بإيجابية مع رئيس مماثل لحكومة لبنان.. وهنا قد تكون الأفضلية لصالح مراد، باعتبار أن كرامي لم يبد تماسكا كبيرا عندما استقال في عام 2005 نتيجة الضغوط التي مورست عليه، بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

وفي حين يكشف الوزير السابق عبد الرحيم مراد لـ«الشرق الأوسط» أن «المعارضة لم تطرح عليه حتى الساعة ترؤس أي حكومة مقبلة»، يستغرب ما يحكى عن أنه «لا يمكن تشكيل حكومة لا يرأسها سعد الحريري» ويقول: «نحن اختبرنا الحريري وقدراته ولم نر على عهد حكومته إلا الأزمات. الطائفة السنية تحوي ما تحويه من رجال قادرين على ترؤس أي حكومة، وانتشال الوضع مما هو عليه؛ فلماذا نعيد إلى الحكم من جربناه وفشل؟».

وإذ يشدد مراد على أن «المعارضة لم تدخل بعد في بازار الأسماء»، يلفت إلى أن «الأهم التخلص من هذه الحكومة التي دخلت ومنذ فترة مرحلة (الكوما) وبعدها نتحدث بتفاصيل أي حكومة مقبلة، خاصة أن كل خياراتنا حاليا مفتوحة».

بدورها، تجزم مصادر رئيس الحكومة الأسبق، عمر كرامي، بأنه «لم يجر لا من قريب أو من بعيد التداول مع كرامي في ترؤس حكومة جديدة».

وتستبعد المصادر أن تلجأ المعارضة لتشكيل حكومة من لون واحد، لافتة إلى أنها «ستعمل، وكخطوة أولى، لتشكيل حكومة تمثل كل الفرقاء، يرأسها الحريري قبل أن تنتقل إلى خطوات بديلة».

أما النموذج الثالث، فهو نموذج الرئيس السابق، نجيب ميقاتي، الذي قبل في عام 2005 ترؤس حكومة انتقالية أشرفت على الانتخابات البرلمانية، واستقالت بعدها. وفي هذا المجال، لا يبدو ميقاتي متحمسا لخوض تجربة جديدة، «إلا إذا كانت في إطار توافق شامل يضمن له تأييد غالبية النواب السنة»، كما أوحت بذلك تصريحات أدلى بها أمس، وقال فيها إنه يؤيد عودة الحريري لرئاسة الحكومة، على أن يكون ذلك بصيغة جديدة، بالإضافة إلى توافق يسمح لحكومته بالإنجاز في السياسة وغيرها، في ضوء حجم المسؤوليات الكبير المنتظر.

أما المرشح الآخر لـ«نموذج ميقاتي» فهو الوزير محمد الصفدي، الذي لم يخف رغبته في ترؤس الحكومة إذا لم يكن الحريري مرشحا، غير أن هذا النموذج غير مجرب بعد، وقد يواجه تحديات كبيرة.