الحريري بعد عودته من تركيا: لن أفرط في صلاحيات رئاسة مجلس الوزراء.. وأفضل كرامة اللبنانيين على السلطة

أردوغان يجري اتصالات مع سورية وإيران وقطر ويقترح لجنة سباعية لحل الأزمة اللبنانية

الحريري خلال لقائه أردوغان في أنقرة أمس (أ.ب)
TT

تكثفت الاتصالات محليا وإقليميا ودوليا، في محاولة لضبط الوضع اللبناني ومنع امتداد الأزمة السياسية الناشئة إلى الشارع، بعد إسقاط قوى «المعارضة» اللبنانية حكومة الرئيس سعد الحريري باستقالتهم منها الأربعاء الماضي. وفي أول موقف له منذ اندلاع الأزمة، قال الحريري إنه «لن يخضع للضغوط ولن يقبل بالتفريط في صلاحيات رئاسة الحكومة»، مشيرا إلى أنه «لم يكن يوما ساعيا إلى السلطة بأي ثمن». وقال: «بين السلطة وكرامة أهلي أختار كرامة لبنان واللبنانيين»، مؤكدا أن «كرامة كل طائفة ومجموعة في لبنان هي من كرامتي، ولن يستطيع أي أحد دفعي إلى التفريط في هذه الكرامة».

وكان الحريري قد قام بزيارة سريعة إلى كل من فرنسا (أول من أمس) وتركيا التي التقى فيها صباح أمس رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان ووزير خارجيتها أحمد داود أوغلو. وقالت مصادر الحريري لـ«الشرق الأوسط» إن الهدف من جولاته الخارجية التي تلت استقالة الوزراء «كان الحرص على الاستقرار الداخلي»، رافضة الخوض في تفاصيل المحادثات التي أجراها مع أردوغان. غير أن مصادر تركية أفادت بأن رئيس الوزراء التركي يسعى لتأليف لجنة سباعية مؤلفة من سبع دول لحل الأزمة اللبنانية تضم كلا من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وتركيا ولبنان والأردن وسورية والسعودية، كاشفة أن تركيا تجري اتصالات مع إيران وسورية وقطر من أجل حل الأزمة.

وبينما لم يدل الحريري بأي تصريح من أنقرة، قال أردوغان إن تركيا بصفتها دولة لها حوار مع جميع الأطراف اللبنانية ستواصل المشاركة الفاعلة في جميع المبادرات الرامية إلى حل الأزمة. وقال إن «تركيا ستواصل القيام بما يقع على عاتقها والمشاركة الفاعلة في مسيرة الحل. وبصفتنا دولة لها حوار مع جميع الأطراف، سنواصل تقديم الدعم القوي لاستتباب الأمن في لبنان». وفي تصريحات نقلتها «وكالة الأناضول» للأنباء، قال أردوغان: «لا يمكن أن نقبل بانزلاق لبنان من جديد إلى اضطراب سياسي»، موضحا أن تركيا ستقوم بخطوات لدى سورية وإيران في هذا السياق. وأضاف أردوغان: «كل الأطراف يجب أن تتحرك بمسوؤلية كبيرة وعليها أن تضع مصالح لبنان فوق كل اعتبار».

وحث أردوغان جميع الأطراف على تكثيف مساعيها، وقال: «ينبغي للأطراف التحرك من منطلق الشعور بالمسؤولية، ومن الفائدة لجوء الأطراف إلى إبقاء المصالح المشتركة للبنان بعيدا عن كل الاعتبارات». وأضاف: «يتعين تناول المسائل المتعلقة بالمحكمة اللبنانية الخاصة برؤى عادلة بعيدا عن الاعتبارات السياسية والحيلولة دون حصول تنافر ومواجهة داخل وخارج لبنان. ويتعين إيجاد الحل الذي لا يولد مشاعر التعرض للغبن والإجحاف لدى أي من الأطراف. والسبيل إلى هذا ليس التكتلات وإنما الحوار».

وقطع الحريري زيارته إلى أنقرة، معتذرا عن حفل غداء كان من المقرر أن يقيمه على شرفه داود أوغلو، متوجها إلى بيروت، حيث زار رئيس الجمهورية ميشال سليمان وأدلى بتصريح مكتوب قال فيه إنه وضع الرئيس سليمان في صورة الاتصالات التي أجراها في كل من الولايات المتحدة وفرنسا وتركيا، وهي كلها اتصالات تصب في إطار المسعى التكاملي للوصول إلى حل للأزمة «التي نعيشها». وشدد على أن «الجهود السعودية - السورية المشتركة والمشكورة لعبت دورا مركزيا في تثبيت الهدنة السياسية في لبنان طوال الأشهر الماضية، وأنتجت على قاعدة القمة الثلاثية التي عقدت في قصر بعبدا بين الرئيس سليمان والملك السعودي والرئيس السوري مناخا مؤاتيا لبلورة مجموعة من الأفكار شكلت أساسا موضوعيا وصالحا لمعالجة التداعيات المرتبطة بعمل الحكومة ومواكبة صدور القرار الاتهامي».

وأكد أن «التزامنا هذه الأفكار لم يهتز يوما»، مضيفا: «العهود التي قطعناها على أنفسنا في هذا الشأن واضحة، لا سيما للملك السعودي ولكل من كان له صلة بهذه الأفكار، وأيضا لقد قلنا منذ اللحظة الأولى إننا على استعداد لمبادرة في مستوى الآمال المعقودة على درء الفتنة، لكن أي مبادرة سنقوم بها يجب أن تتلازم بخطوات عملية، جزء منها من مقررات الحوار وفي جزء آخر منها متطلبات تعزيز سلطة الدولة ومؤسساتها، ولكن مع الأسف كان الهدف المباشر للبعض رغبة في حملنا على تقديم تضحيات شخصية ووطنية من دون مكاسب مقابلة للبنان وللدولة. ومساعي الأخوة اصطدمت أمام حائط مسدود وضاعت فرصة حقيقية لمصلحة لبنان واللبنانيين».

وأبدى الحريري أسفه «الشديد لبلوغ المساعي الطريق المسدود»، مشددا في المقابل على أن «أي جهد سيبذل في هذا السبيل لا بد أن يقتدى بالإرادة الطيبة للملك السعودي في العمل مع الرئيس الأسد على مساعدة لبنان وعدم وصول التأويلات والشكوك في خانة التراجع عن مد يد المساعدة للبنان بفعل ضغوط مزعومة». وأضاف: «... لقد سبق لنا أن علقنا قواعد اللعبة الديمقراطية وارتضينا التخلي عن حقوق الأكثرية النيابية في تشكيل الحكومة... ورفضنا الانجرار وراء أي رغبة في الهيمنة أو عزل الآخر وأقررنا مع الكثير من قيادات البلاد بجدوى الدعوات المتكررة لتغليب منطق التوافق على المنطق الأكثري، وها نحن اليوم نواجه عاصفة سياسية في الاتجاه المعاكس، ويطلب منا دعاة التوافق قلب المعايير من جديد فيتم تعطيل جلسات مجلس الوزراء، بذريعة عدم إدراج هذا البند أو ذاك على جدول الأعمال، ثم تتم المطالبة بالدعوة إلى عقد مجلس الوزراء ويجرى تحديد جدول الأعمال خلافا للأصول والدستور ووفقا لمقتضيات المصالح التي يحددها الفريق المعني بالدعوة. هذا اسمه صيف وشتاء على سطح واحد. وأنا شخصيا لن أعطي، أيا كان، فرصة الالتفاف على الصلاحيات التي أناطها الدستور برئاسة مجلس الوزراء».

وتابع يقول: «إنني وسائر الحلفاء والأصدقاء في المجلس النيابي، سنشارك في الاستشارات النيابية، وفقا لما نص عليه الدستور، وسنتعاون مع فخامة الرئيس، إلى أقصى الحدود، في سبيل تشكيل حكومة جديدة، تلتزم مقتضيات الوفاق الوطني، وتشكل فرصة للبلاد لتغليب منطق العقل على عوامل الاحتقان والتشنج».

وختم الحريري بالقول: «إن لبنان يحتاج لجهود جميع أبنائه، لكنه يحتاج بالدرجة الأولى إلى حكمة القيادات ووعي أصحاب القرار بأن لا بديل لنا جميعا عن الحوار، وبأن أي جهة لن يكون في مقدورها أن تلغي جهة أخرى في لبنان (...) وليكن مفهوما للجميع أنني ما كنت يوما ساعيا إلى السلطة بأي ثمن، وأنني بين السلطة وكرامة أهلي وأبناء وطني، أختار كرامة لبنان وكرامة اللبنانيين، فإن كرامة كل طائفة وكل مجموعة في لبنان هي من كرامتي، ولن يكون في مقدور أحد دفعي إلى التفريط بهذه الكرامة بمثل ما لن يكون في مقدور أي قوى حملي على القبول بما يمكن أن يهدد وحدة لبنان أو أن يسيء إلى أي فئة من اللبنانيين...».

من جهتها، دعت الولايات المتحدة «جميع الأطراف السياسية إلى التزام الهدوء وممارسة ضبط النفس في هذا الوقت الحرج. ونحن نحث جميع الأطراف في لبنان على العمل معا لإيجاد حل للقضايا الكثيرة أمام الشعب اللبناني». وقالت السفيرة الأميركية في بيروت مورا كونيللي بعيد لقائها رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون في بيان مكتوب: «إنه لمن الأهمية بمكان، أكثر من أي وقت مضى، أن تلتزم جميع الأطراف الحوار البناء وتجنب تصعيد التوتر في البلد».

وأضافت: «في ضوء الأحداث الأخيرة، من المهم أن نوضح أن التزامات الولايات المتحدة تجاه لبنان لم ولن تتغير. سوف نواصل العمل مع رئيس الوزراء الحريري، كرئيس لحكومة تصريف الأعمال في لبنان... تستمر الولايات المتحدة في دعم المحكمة الخاصة بلبنان كأفضل أمل للشعب اللبناني لوضع تاريخه المأساوي والدموي من العنف السياسي وراءه».