بن علي يهرب.. والغنوشي يتولى السلطة

فرنسا ترفض استقبال الرئيس التونسي.. وطيار رفض قيادة طائرة تقل أفراد من عائلته

تصاعد الدخان من نيران أشعلها المتظاهرون قرب صورة لزين العابدين بن علي (إ.ب.أ)
TT

تولى رئيس الوزراء التونسي محمد الغنوشي مساء أمس مهام رئاسة الجمهورية خلفا للرئيس زين العابدين بن علي، الذي رحل إلى خارج البلاد. وأعلن رسميا عن تولي الغنوشي رئاسة البلاد بحضور كل من فؤاد المبزع رئيس مجلس النواب (الغرفة البرلمانية الأولى) وعبد الله القلال رئيس مجلس المستشارين (الغرفة النيابية الثانية). وقد تعهد الغنوشي، الذي سيتولى مهام الرئاسة إلى حين إجراء انتخابات رئاسية، بمواصلة الإصلاحات السياسية والاجتماعية في البلاد. وتواترت مساء أمس أنباء كثيرة حول مغادرة بن علي البلاد، إذ تردد أنه توجه إلى ليبيا أو إلى مالطا بحماية ليبية، فيما تحدثت أنباء أخرى عن مغادرته تونس نحو فرنسا.

لكن التلفزيون الفرنسي أعلن مساء أمس ان ساركوزي رفض استقبال بن علي على الاراضي الفرنسية.

وقالت إذاعة «آر تي سي» الفرنسية إن بن علي، كانت طائرته مرت بمالطا أمس، في طريقه إلى فرنسا. وقال الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، الذي عقد اجتماعا طارئا في الإليزيه أمس، إنه يعترف بالانتقال الدستوري للسلطة في تونس، معربا عن أمله في حل مشكلة العنف بالحوار السلمي هناك.

ووردت أنباء أيضا عن اعتقال أفراد من عائلة الطرابلسي (أصهار الرئيس التونسي) في المطار وامتناع أحد الطيارين عن الإقلاع بالطائرة ما دام فيها بعض أفراد عائلة الطرابلسي المتهمة من قبل جموع المحتجين في تونس باستغلال النفوذ والثراء غير المشروع والثراء دون سبب. وتحدثت بعض الأنباء عن مغادرة بلحسن الطرابلسي صهر الرئيس التونسي البلاد على متن باخرة خاصة في اتجاه غير معلوم.

وقال قبطان طائرة مساء أمس لقناة «نسمة تي في» التونسية الخاصة إنه رفض بعد ظهر اليوم الإقلاع بطائرة من مطار قرطاج الدولي تقل أقرباء للرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي. وأوضح محمد بن كيلاني في اتصال مع القناة: «رفضت الإقلاع بالطائرة التي كانت متجهة إلى ليون في الساعة 14.30 (13.30 تغ) وعلى متنها أفراد من عائلة بن علي». ولم يوضح كيلاني هويات المعنيين أو عددهم.

وقال تلفزيون «نسمة» الخاص في تونس، إن صهر بن علي وأفرادا آخرين من عائلة الرئيس اعتقلوا.

وجاءت هذه التطورات السريعة رغم التنازلات التي قدمها بن علي الليلة قبل الماضية والتي تضمنت التعهد بعدم الترشح لانتخابات الرئاسة المقبلة عام 2014. كما جاءت في نفس اليوم الذي أعلن فيه رسميا عن فرض حالة الطوارئ في كافة أنحاء البلاد، وحل الحكومة، والتعهد بإجراء انتخابات تشريعية مبكرة خلال ستة أشهر.

وقبل إعلان تولي الغنوشي مقاليد الحكم، ذكرت وكالة الأنباء التونسية أمس أنه «حفاظا على سلامة الأشخاص والممتلكات من الشغب، تقرر إعلان حالة الطوارئ في كامل تراب الجمهورية». وبموجب هذا الإجراء سيمنع كل تجمع يفوق ثلاثة أشخاص في الطريق العام والساحات العامة، ويمنع تجوال الأشخاص والعربات من الساعة السادسة مساء إلى الساعة السادسة صباحا، وأخيرا سيكون بإمكان عناصر الأمن والجيش استخدام السلاح ضد أي شخص مشتبه فيه ولم يمتثل للأمر بالوقوف وحاول الفرار ولم يبق مجال لجبره على الوقوف. وأكدت وكالة الأنباء التونسية أن هذه الإجراءات سيبدأ تطبيقها «ابتداء من الآن إلى أن يصدر ما يخالف ذلك». كذلك، كان الغنوشي أعلن في وقت مبكر أمس عن حلّ الحكومة والدعوة لإجراء انتخابات تشريعية مبكرة. وقال إنه تقرر حل الحكومة وتكليف الوزير الأول باقتراح تشكيلة حكومة جديدة. كما تحدث عن إجراء انتخابات تشريعية مبكرة خلال ستة أشهر.

وكان آلاف التونسيين قد تجمعوا صباح أمس أمام مقر وزارة الداخلية في العاصمة، ومعظمهم من الشبان الذين لا تزيد أعمارهم على العشرين سنة، رافعين شعارات تطالب بتنحي الرئيس بن علي. وتجددت هذه المظاهرات إثر مطالبة المحامية راضية النصراوي بإطلاق سراح زوجها حمة الهمامي رئيس حزب العمال الشيوعي المحظور، والذي تحمله السلطات مسؤولية تأجيج فتيل الاحتجاجات. ورفع المحتجون شعارات تطالب بتنحي الرئيس من قبيل «خبز وماء... وبن علي لا»، و«بن علي على بره»، و«ليسقط حزب التجمع (الحزب الحاكم)». وانطلقت تلك المظاهرات منذ الساعة التاسعة والنصف وقد انضم لها كافة الفئات الاجتماعية من محامين وأطباء وصحافيين وكتاب وفنانين. وقدرت منظمات نقابية عدد المتظاهرين الذين غطوا الجزء الأكبر من شارع الحبيب بورقيبة بما لا يقل عن 20 ألف متظاهر.

كذلك، نقلت وكالة رويترز عن مسؤول في مطار تونس قوله إن وحدات من الجيش التونسي طوقت أمس المطار الدولي على مشارف العاصمة التونسية.

وكان بن علي قد وجه الليلة قبل الماضية خطابا إلى الشعب التونسي تضمن حزمة جديدة من الوعود والتعهدات من بينها الحرية الكاملة للإعلام وعدم غلق مواقع الإنترنت ورفع أي شكل من أشكال الرقابة عليها، والتعهد بعدم الترشح لانتخابات سنة 2014 والتعهد بدعم الديمقراطية وتفعيل التعددية إلى جانب التخفيض في أسعار المواد والمرافق الأساسية. لكن رغم ذلك، تواصلت الاحتجاجات أمس، واعتبر عدد من التونسيين أن تلك الإجراءات جاءت متأخرة وأن تجربة 23 سنة قد قوضت علاقة الثقة التي تربط السلطة بالشارع التونسي. وفي هذا الصدد، قال محمد الحمروني، وهو صحافي بجريدة «الموقف» المعارضة، إنه قد قضى ثلاثة أشهر في سجون وزارة الداخلية ولم ير الشمس طوال تلك المدة، وهو يعرف تماما درجة الانتقام التي مورست ضده، ومن الصعب أن يصدق أن طبيعة النظام القائم يمكن أن تتغير في يوم من الأيام. بدوره، قال زكرياء بن عمر، وهو مهندس معماري كان يشاهد ما يجري بشارع بورقيبة أمس، إن سقف مطالب الشعب التونسي لم يعد محدودا وإن على أعلى هرم السلطة أن يفهم أنه فقد مقود الأمور وإذا كان خطابه مساء الخميس الذي جاء محملا بعديد الوعود لم يستطع التأثير في الشارع التونسي، فما عليه إلا مغادرة المنصب وتركه لغيره.

بدوره، قال عبد الكريم عمر عضو المكتب السياسي للاتحاد الديمقراطي الوحدوي المعارض، إن الموجودين في الشارع التونسي حاليا هم الذين لم ترضهم الحلول التي تم تدبيرها مساء الخميس على حد تعبيره، وأضاف أن العديد من الأطراف السياسية والاجتماعية قد تم استثناؤها من المساهمة في الحل منذ بداية الاحتجاجات الاجتماعية وهي اليوم غير مقتنعة بما جاء في خطاب الرئيس ولا ترى وجود ضمانات لتطبيق تلك التعهدات. وكانت السلطات التونسية قد أعلنت أمس عبر كافة وسائل الإعلام المحلية عن البدء في تخفيضات المواد الغذائية وشملت بالخصوص أسعار السكر والحليب والسميد والخبز والعجين الغذائي ومعجون الطماطم والغاز المسال إلى جانب تحديد سقف أسعار لحم الدجاج والبيض وتجميدها. وقالت إن الأثر المالي لتلك الإجراءات مقدر بـ109 ملايين دينار تونسي، منها 35 مليون دينار تكلفة التخفيضات في أسعار الخبز، إلا أن ذلك لم يثن المحتجين عن كواصلة الاحتجاج التي طالت كذلك مناطق خارج دائرة العاصمة التونسية.

وكان الرئيس التونسي قد أجرى تعديلات متواصلة منذ اندلاع أزمة احتجاجات ما أصبح يعرف في الأوساط التونسية بـ«ثورة الشباب»، فأطاح في البداية بوزير الاتصال أسامة الرمضاني وعوضه بسمير العبيدي الذي كلفه لاحقا إلى جانب خطته كوزير بمهام الناطق الرسمي باسم الحكومة. وأعلن بنفس المناسبة عن تعيين وزير جديد للتجارة، ثم أطاح بعد ذلك برأس وزير الداخلية رفيق بلحاج قاسم وعوضه بأحمد فريعة. ثم أقال منذ يومين اثنين من أقرب مستشاريه هما عبد الوهاب عبد الله مستشار الشؤون السياسية وعبد العزيز بن ضياء الوزير المستشار والناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية. لكن تلك التعديلات لم تتمكن من إخفات فتيل الاحتجاجات التي تواصلت في أكثر من مدينة تونسية.

وفي مدينة تستور الواقعة على بعد 75 كلم شمال غربي العاصمة ذكر شهود عيان أن ثلاثة بنوك قد تم الاستيلاء على كافة محتوياتها خلال الليلة التي تلت خطاب بن علي، كما تم نهب محتويات أكبر مخازن المواد الغذائية هناك.

وبلغ العدد الرسمي للقتلى بعد الاشتباكات التي استمرت عدة أسابيع مع الشرطة 23 شخصا لكن شهودا وجماعات لحقوق الإنسان يقولون إن العدد أعلى من هذا بكثير. وقال الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان الذي يتخذ من باريس مقرا له إن لديه أسماء 66 قتيلا. وقال روبرت كولفيل المتحدث باسم مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة إن المنظمة الدولية مستعدة للمساعدة في التحقيق في سقوط قتلى. وقال في مؤتمر صحافي في جنيف: «أوضحنا أننا نعتقد أنه ينبغي إجراء تحقيقات. قتل عدد كبير من الأشخاص. وهناك مزاعم خطيرة للغاية بشأن نمط أعمال القتل تلك».

ويقول كثير من الذين شاركوا في الاحتجاجات إنهم يشعرون باستياء شديد من تفشي البطالة وغياب الحرية وشدة ثراء النخبة في عهد بن علي ويتوقعون أن يحاول تمديد حكمه لولاية أخرى سادسة. لكن وزير الخارجية التونسي قال في حديث لإذاعة «أوروبا 1» إن بن علي اعترف بوجود أخطاء وإنه رجل يفي بكلمته. وردا عن سؤال بشأن تشكيل حكومة ائتلافية تضم زعماء المعارضة قال مرجان: «أعتقد أن هذا ممكن وأنه سيكون طبيعيا تماما».