حرب لـ«الشرق الأوسط»: الحريري مرشحنا وعلى «14 آذار» أن تتخلى عن الحكم إذا أصبحت أقلية

اعتبر أن مناورة «8 آذار» أبعد من المحكمة الدولية وتستهدف تغيير المعادلة السياسية القائمة

بطرس حرب (إ.ب.أ)
TT

أكد وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال بطرس حرب تمسك قوى «14 آذار» برئيس الحكومة سعد الحريري رئيسا لأي حكومة مقبلة، معتبرا أنه من الأفضل استعادة تقليد وجود الموالاة والمعارضة فيما لو كان الهدف جعل الأكثرية النيابية أقلية في الحكومة المقبلة. وشكك، في حوار مع «الشرق الأوسط»، بجدوى رهان فريق «8 آذار» على النائب وليد جنبلاط لناحية وقوفه إلى جانبهم خلال الاستشارات النيابية، معتبرا أن وليد جنبلاط وإن خرج من «14 آذار» إلا أنه يقف اليوم بين المتراسين، ويحدد موقفه حسب القضية المطروحة.

واعتبر أن خطوة فريق «8 آذار» بإسقاط الحكومة لم تفاجئ فريقه السياسي لناحية المضمون بقدر ما فاجأه التوقيت والإخراج. وإذ لم ينكر وجود أزمة في البلد، فإنه أشار إلى أن الوضع كان يحتمل عودة رئيس الحكومة، الذي كان يقابل رئيسي أكبر دولتين في العالم وأكثرهما تأثيرا. ورأى أن إسقاط الحكومة «قونن» الوضع السياسي القائم في البلد منذ أشهر، معربا عن اعتقاده بأن مناورة قوى «8 آذار» أبعد من المحكمة الدولية وتستهدف تغيير المعادلة السياسية القائمة في لبنان ووضع البلد في حالة تجعله عاجزا عن مواكبة التطورات.

* ما قراءتكم لما حصل في اليومين الأخيرين بدءا من طريقة إعلان فشل التسوية واستقالة وزراء فريق «8 آذار» وانضمام الوزير عدنان السيد حسين إليهم؟

- التفسير الحقيقي لما حصل هو أن مسعى «8 آذار» كان واضحا والهدف الرئيسي هو الإطاحة بالمحكمة الدولية والحيلولة دون صدور القرار الاتهامي، ودفع الحكومة في حال صدر القرار الاتهامي، على رغم الضغوط التي تبذل، إلى طلب وقف المحكمة وسحب القضاة منها. هذا هو الموقف المطلوب من «14 آذار» ويرمي بالنتيجة إلى تنازلها عن المبادئ التي تقوم عليها الدولة الديمقراطية، وبالتالي طي صفحة الشهداء والتنكر لدمائهم، مع الأخذ بعين الاعتبار أن قوى «14 آذار» تعرف ما سيترتب على الموقف الذي اتخذته من نتائج وردود فعل شبيهة بالتي شهدناها. أعتقد أن هذه الخطوة لم تضف شيئا إلا قوننة الواقع الذي كنا نعيشه منذ أشهر، وبالتالي دفع البلاد إلى واقع دستوري مختلف وجو أزمة حكومية لها الكثير من الانعكاسات السلبية. وبالتأكيد الدوافع واضحة وهي برأيي أبعد مدى حتى من المحكمة، إذ ثمة محاولة واضحة لتغيير مفهوم العمل السياسي في لبنان.

سبب الاستقالة معروف أيضا ومرتبط بالمحكمة ووجودها وعملها، وأي تشكيل لحكومة جديدة سيصطدم بهذه الأمور، لأن قوى «8 آذار» ستحاول عند تشكيل الحكومة الجديدة أن تقول من يوافق على الشروط السياسية التي أعلنتها يوم الاستقالة أوافق عليه، كرئيس للحكومة وكشريك فيها. لا أدري إذا كان هذا النوع من الممارسة السياسية ممكنا في لبنان، وباعتقادي ليس كذلك، وإذا أصبح ممكنا فهذا يعني أن الصيغة قد تغيرت.

* ماذا عن رمزية إعلان إقالة الحكومة من دارة النائب ميشال عون في الرابية؟

- واجهة، لأن القرار ليس عند ميشال عون، وهو يتمنى أن تحصل الاستقالة وتطير الحكومة لاعتبارات أخرى ولإيمانه بأن هذه التركيبة غير صالحة، وبأنه إذا تسلم القيادة سيحسن البلد برأيه، إلا أن هذا لا يعني أنه صاحب القرار لأن القرار ليس عنده واتخذ في مكان آخر وتم إبلاغه به. والدليل على ذلك، أن من أبلغ فشل المبادرة السعودية - السورية هما ممثلا حركة أمل وحزب الله، اللذان أبلغا عون.

* ماذا عن دعوتكم لتعديل إجراءات تشكيل الحكومة لكي لا نقع في الخطأ عينه مرة جديدة؟

- أنا مقتنع بأنه على قوى «14 آذار» إذا أصبحت أقلية أن تتخلى عن الحكم، ولو كان هذا الأمر يدفعها للمعارضة. يجب أن نرد إلى ثقافتنا شيئا موجودا أصلا، وهو أن الموجود خارج الحكم ليس موجودا خارج الدولة، ودوره لا يقل فاعلية عمّن هو في الحكم وله دور في التشريع وفي المشاركة في وضع سياسة الحكومة وممارسة الرقابة على السياسة التي تقررها الحكومة، وهذا يستدعي ثقافة ديمقراطية ليست متوفرة عند قوى «8 آذار». وأعتبر أنه إذا كانت الحكومة ستتشكل في المرحلة المقبلة على الأسس ذاتها التي تشكلت منها في الماضي فنحن ذاهبون من فشل إلى فشل. ويفترض إذا أرادت أن تشارك الأكثرية مع الأقلية في أي حكومة ألا تشارك بأكثريات تمنع الأكثرية من اتخاذ قراراتها وألا يكون لها حق الفيتو وتمنح حق تعطيل مجلس الوزراء كما تشاء كما حصل الآن.

* هل الأكثرية التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة لا تزال أكثرية اليوم؟

- هذا ما تراهن عليه قوى «8 آذار»، بمعنى انتقال وليد جنبلاط من صفوف «14 آذار» إلى خارجها باتجاه «8 آذار». ربما هذا هو العنصر الذي شجع «8 آذار» على أخذ هذه الخطوة، أملا منهم بأن وليد جنبلاط سينضم إليهم، وأنه مع كامل كتلته سيشكلون أكثرية. لا أعرف كم يستقيم هذا المنطق، لأنني ما زلت أراهن على أن وليد جنبلاط وإن خرج من «14 آذار» فإنه لم ينضم إلى المتراس المواجه، وهو اليوم بين المتراسين، وبالتالي يختار الموقف والموقع حسب القضية المطروحة. حتى الآن هذا ما يظهر والدليل على ذلك عملية التصويت في مجلس الوزراء على قضية «شهود الزور» حيث اتخذ موقفا منسجما مع موقف رئيس الجمهورية. لا أعتقد أن وليد جنبلاط بعد المراحل التي مررنا بها باتجاه أن يكرس غلبة فريق على فريق آخر، وأن يكون هو أداة هذا التكريس. وبغض النظر عن هذا الأمر، حتى ولو قرر جنبلاط أن ينحى باتجاه «8 آذار» فهو سبق أن أعلن أن نواب الحزب يلتزمون بقراره ويترك الحرية لنواب اللقاء الديمقراطي، إلا إذا غير رأيه وفرض على نواب اللقاء الديمقراطي ما يريد. بقي أن نعرف من منهم سيؤيد منحى جنبلاط ومن منهم في موقع لا يسمح له بذلك.

* ألا ينطوي إعلان وليد جنبلاط أنه من السابق لأوانه إعلان اسم مرشحه لرئاسة الحكومة على فكرة أن ترشيحه سعد الحريري ليس محسوما؟

- برأيي وليد جنبلاط يملك من القدرة على المناورة ما يسمح له بأخذ الموقف وترك هامش يسمح له بالتكيف مع متطلبات المرحلة. على كل حال، نحن لم نقرر بعد مع الرئيس الحريري الخطة المشتركة لمواجهة المرحلة المقبلة.

* لفت الهدوء في رد فعلكم كقوى «14 آذار» على إقالة الحكومة وربما بعكس ما كان يتوقعه البعض؟

- كنت صاحب الدعوة مع بعض الزملاء الآخرين إلى التعاطي مع الأمر بشكل هادئ والتصرف على أساس أننا «أم الصبي» ولا نريد أن نزيد الأزمة تعقيدا. سجلنا لقوى «8 آذار» انسحابها من الحكومة، ولكن ذلك لا يعني أن التهديد بإسقاط الحكومة قد يدفعنا إلى تعديل موقفنا المبدئي من التمسك بالعدالة. لدينا رغبة أكيدة في استمرار الحوار بدل الانتقال إلى المواجهات العبثية. بالإضافة لذلك، نعتبر أن قوى «8 آذار» هي المسؤولة عن الأمن في البلد وأي إخلال أمني في عملية الممارسات الخارجة عن القانون، من قطع طرقات أو اعتصامات أو عودة الاغتيالات لا سمح الله. ونحن بالطبع نحمل المسؤولية للقوى التي خلقت هذه الحالة بأي حادثة تحصل. هذا كان موقفنا، ونحن سنسعى إلى المساهمة في إيجاد الحلول ولا رغبة لدينا في تسجيل الانتصار على أحد ولا نقبل في الوقت عينه أن يسجل أحد انتصارا علينا.

* هل تسريع «8 آذار» لخطواتها بهذا الشكل هدف إلى حشر رئيس الجمهورية واستباق عودة الرئيس الحريري، بإقالة حكومته ووضعه تحت الأمر الواقع؟

- برأيي قوى «8 آذار» كانت قد اتخذت قرارها بالاستقالة وتبحث عن كيفية إخراج هذا القرار. السؤال اليوم: ماذا استفادوا من الاستقالة؟ لا شيء. وإذا كانوا خائفين من صدور القرار الاتهامي، ألم يكن من الأفضل وجود حكومة تجتمع وتبحث بالقرار على ألا يكون هناك حكومة؟ إذا كانت القضية قضية شهود الزور فالأمر أصبح أكثر تعقيدا، وهل تؤخر استقالة الحكومة القرار الاتهامي أو تغير من عمل المحكمة؟ ربما يعتبر بعض الفرقاء في «8 آذار» أن لهم مصلحة في خلق هذا الجو الضبابي وانعدام المسؤولية في المؤسسات لأسباب يعرفونها وحدهم، علما بأنهم خالفوا اتفاق الدوحة، الذي نص على تشكيل حكومة وحدة وطنية وعدم استقالة أحد، ومن هنا رد فعل دولة قطر، الأكثر تفهما لفريق «8 آذار»، لم يكن إيجابيا.

* هل هدف فريق «8 آذار» برأيكم اليوم تشكيل حكومة من لون واحد وإقصاء سعد الحريري؟

- أعتقد أنه من السابق لأوانه التحدث بالعمق لأنه يمكن لكل هذه المواقف أن تتطور، ولكن إن انطلقت من كلام رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد؛ من أنهم يريدون رئيس حكومة سيرته مقاومة وطنية فكما لو أنه يقول إن سعد الحريري ليس صاحب هذا التاريخ ونريد بديلا عنه. واليوم تطرح بعض أسماء المرشحين الذين يعتبرونهم أقرب إلى «8 آذار» ظنا منهم أن الأكثرية ستكون إلى جانب الاسم الذي سيطرحونه.

* هل قوى «14 آذار» بوارد التخلي عن سعد الحريري كرئيس للحكومة المقبلة؟

- بالمبدأ الرئيس الحريري هو صاحب أكبر كتلة نيابية، وعمليا مركز رئيس الحكومة هو مركز الطائفة السنية في البلد، ومن الطبيعي أن يأتي من هو أكثر تمثيلا. أعتبر أنه من الطبيعي جدا أن يعاد تكليف الرئيس الحريري، لا سيما أنه لا يزال يتمتع بثقة الأكثرية الساحقة في طائفته وأعتقد أن العديد من الأسماء التي يتم طرحها سترفض، لا سيما إذا كان إسقاط الرئيس الحريري بسبب المحكمة، ومحاكمة من اغتال الرئيس رفيق الحريري وباقي الشهداء الآخرين. أستبعد أن تتسرع بعض الأسماء المحترمة والمقبولة على الساحة السنية وتقبل في هذا الجو بـ«دفش» سعد الحريري والموافقة على الشروط التي تضعها قوى «8 آذار».

* إلى أي حد يمكن للعوامل الإقليمية والدولية أن يكون لها تأثيرها على مستوى الداخل اللبناني؟

- يجب أن نعمل ليكون تأثيرها إيجابيا وألا نحول لبنان ساحة للصراع الإقليمي. ولكن أتصور أن هذا الاهتمام قد يشكل نوعا من الضمانة الضمنية لاستقرار الوضع الأمني في لبنان، لأن المغامرة الأمنية تورط المنطقة بأكملها. ويفترض بقوى «8 آذار» وبقوى «14 آذار» أيضا أن تكونا واعيتين لحجم المخاطر التي يمكن أن نجر البلد إليها في حال غرقنا في عمليات خارجة عن إطار اللعبة السياسية الديمقراطية.

* هل تعتبرون في هذا السياق أن من شأن الاتفاق السعوي - السوري أن ينعكس إيجابا على الوضع اللبناني؟

- أعتقد أنه حتى لو فشلت المبادرة السعودية - السورية، فإن الأمر الإيجابي أن هذا الفشل لم يؤثر على حسن العلاقة السعودية - السورية. هذا يترك طبعا باب الحوار والمساعي مفتوحا، وأنا أؤمن أنه ليس بإمكان جلالة الملك عبد الله والرئيس السوري بشار الأسد التفرج على لبنان وهو في حالة من الاضطراب ولا مصلحة لأي دولة في ذلك. وأعتقد أنهما يحاولان من خلال موقعهما المرتبط بالحالة اللبنانية الداخلية ألا يتركا الأمور فالتة، وبالتالي قد يشكل هذا الأمر ملجأ ما أو مرجعا ما في حالة ما يساعد على استعادة المبادرة.

* ماذا عن مصير اقتراح القانون الذي تقدمتم به بشأن منع بيع الأراضي بين المسيحيين والمسلمين لمدة 15 عاما؟

- الطبيعي أن يتأجل البحث بهذا الاقتراح بسبب الظرف السياسي الراهن، وأكدت خلال اجتماع قوى «14 آذار» الأخير أنني منفتح على كل اقتراح تعديلي تحسيني للمشروع بهدف الوصول إلى صيغة مشتركة توفق بين أهداف المشروع والصيغة المطروح بها. المهم هو تفادي عملية الفرز الديمغرافي والطائفي للناس لأن الهدف الحفاظ على التواصل المسيحي الإسلامي في كافة المناطق. الأزمة الحكومية اليوم أكبر من فكرة المشروع، وأظن ألا ضرر في تأجيله وأنا لست متعجلا، لكنني دققت ناقوس الخطر وأعتقد أنه أحدث الصدمة المطلوبة ليصبح الناس أكثر حذرا، وهذا أمر جيد على الصعيد النفسي. يبقى أن نواكبه بتوعية اجتماعية واقتصادية وإذا استطعنا في مرحلة لاحقة الوصول إلى صيغة قانونية لمساعدة الناس على تفادي حصول هذا الفرز فسيكون ذلك أمرا جيدا.