المدير السابق للاستخبارات العراقية: سلمنا صدام خطة الهجوم البري الأميركي لكنه لم يأخذ بها

في الذكرى الـ 20 لحرب الخليج.. ضباط سابقون يحملون رئيس النظام السابق مسؤولية ما حدث

TT

كشف ضباط عراقيون كبار عن أن الرئيس العراقي السابق صدام حسين لم يأخذ بنصائح وتقارير استخباراتية وأخرى معلوماتية مهمة قدمت له من قبل عسكريين عراقيين متخصصين قبل الحرب الجوية والبرية التي كانت قد شنتها قوات الحلفاء في الحرب التي حملت اسم «عاصفة الصحراء» قبل عقدين من السنين.

وكشف اللواء الركن وفيق السامرائي، مدير الاستخبارات العسكرية العراقية السابق، عن «تقارير استخباراتية غاية في الأهمية كنت قد سلمتها بنفسي إلى رئاسة الجمهورية ووصلت إلى الرئيس العراقي السابق صدام حسين، تكشف عن خطط القوات الأميركية في الهجومين الجوي والبري في عاصفة الصحراء، ولكنه لم يأخذ بهذه التقارير والمعلومات».

وقال السامرائي، الذي كان معاونا لمدير الاستخبارات العسكرية وقتذاك، لـ«الشرق الأوسط» في لندن، أمس، وبمناسبة الذكرى العشرين لـ«عاصفة الصحراء»، «كشفنا خطط القوات الأميركية في الهجوم البري، وذلك بدخولهم من جهة الغرب نحو مدينة الناصرية وعزل ومحاصرة قوات الحرس الجمهوري في الجنوب وقطع الإمدادات والمواصلات والاتصالات والتموين وعزلهم عن قيادة العمليات وأسر أكبر عدد منهم»، مشيرا إلى أن «هذه الحقيقة تتنافى مع ما ادعاه الجنرال الأميركي نورمان شوارسكوف، الذي قال إن القوات الأميركية باغتت القوات العراقية بهجومها من الغرب بعد أن كانت القيادة العسكرية العراقية تعتقد أن الأميركيين سيهجمون من الكويت مباشرة».

وأضاف المدير السابق للاستخبارات العسكرية العراقية، قائلا «الحقيقة هو أن القوات الأميركية لم تباغت الاستخبارات العراقية باتجاهات الهجوم في العملية التي أطلقت عليها قوات التحالف وقتذاك تسمية «الخطاف الواسع» كما قال شوارسكوف، ومعلوماتنا الاستخبارية كانت واضحة ودقيقة، وأنا من رسمت الخطط التي فكروا بها للدخول عن طريق الناصرية وحددتها على خرائط دقيقة وقمت بتسليمها بنفسي إلى رئاسة الجمهورية وقد وصلت بالفعل إلى صدام حسين قبل أن يبدأ هجوم القوات الأميركية بفترة كانت كافية للاستعداد لها»، مشيرا إلى أن «شدة القصف الجوي الذي استمر لأكثر من أربعة أسابيع لم تمنح الفرصة فيما بعد لمواجهة الهجوم البري الذي قامت به القوات الأميركية».

وقال السامرائي إن «الضربات الجوية شلت منظومات المدفعية والدفاع الجوي وقطعت بالفعل طرق المواصلات والإمدادات والاتصالات كما تضررت المصانع العسكرية التي كانت تزود الجيش العراقي بالعتاد، وبالتالي أضرت الروح المعنوية للمقاتلين وللمواطنين من غير العسكريين وأضعفت العلاقة بين القيادة والقاعدة»، محملا مسؤولية هزيمة الجيش العراقي وما حدث وقتذاك وفيما بعد «للقيادة التي كانت تتألف من الرئيس السابق صدام حسين الذي قرر البقاء في الكويت وعدم الانسحاب وحلقة محدودة ممن كانوا حوله من القياديين الذين أيدوه في هذه القرارات، وهؤلاء هم ذاتهم، وعددهم ربما لا يزيد على أصابع اليد الواحدة، الوحيدون الذين كانوا يعرفون بخطة صدام لدخول الكويت (في 2 أغسطس 1990)، وهم طارق عزيز وطه ياسين رمضان وإياد فتيح الراوي، قائد الحرس الجمهوري، وصابر الدوري الذي كان مديرا للاستخبارات العسكرية وحسين كامل، صهر الرئيس السابق، وقصي نجل صدام، بينما لم يكن كل من وزيري الدفاع ورئيس أركان الجيش يعرفان بالموضوع حتى تنفيذه».

من جهته، قال ضابط كبير سابق، متقاعد، في صنف المشاة في الجيش العراقي، إن «صدام حسين كلفني شخصيا بزيارة مواقع قواتنا البرية في حفر الباطن وصحراء الكويت والتأكد من سلامة تحصيناتها وطرق إمداداتها واتصالاتها في حالة وقوع الحرب البرية». وأضاف هذا الضابط الذي فضل عدم نشر اسمه قائلا لـ«الشرق الأوسط»، «بعد أن قمت بزيارات وبمرافقة قادة ميدانيين لقطعات الجيش العراقي في الجبهة، عدنا بيقين قاطع بأن قواتنا لن تصمد يومين إذا باغتها الهجوم الجوي وقطع طرق مواصلاتها واتصالاتها بقياداتها الميدانية، وسيعاني الجنود من نقص التموين، كما أن تحصين المواضع كان هشا، وبذلك سيقضى على الجيش هناك»، منوها إلى «أني أعددت تقريرا مفصلا عن هذه المعلومات وسلمته إلى حامد يوسف حمادي، سكرتير الرئيس (السابق) لإيصاله إلى صدام حسين، وبعد ساعات أبلغني، حمادي، قائلا إن الرئيس يسلم عليك ويقول لك أن تبقى مرتاحا في بيتكم، وقد حزنت لذلك، كون أبنائنا سوف يذبحون بصورة مجانية من غير أن تتخذ القيادة أية احتياطات».

وفي الشأن ذاته، كشف ضابط مهندس، كانت رتبته عالية في القوة الجوية العراقية عن أن «صدام حسين وباعتباره القائد العام للقوات المسلحة، وقتذاك، كان قد أمر بتشكيل لجنة فنية من كبار الضباط المهندسين والمتخصصين بالقتال الجوي، وكانت هذه اللجنة برئاستي لدراسة قدرات الطيران الأميركي المقاتل والصواريخ ومديات هذه الصواريخ ومدى دقتها وتأثيرها وإمكانيات قواتنا الجوية أو الصاروخية أو الدفاع الجوية لمجابهتها».

وأضاف هذا الضابط الذي فضل عدم نشر اسمه لأسباب تتعلق بأمن حياته، قائلا لـ«الشرق الأوسط»، إن «جهودا كبيرة بذلناها اعتمادا على معلومات استخبارية وفنية وكتبنا دراسة ملخصة ومحددة خلصنا فيها إلى أن الهجوم الجوي والصاروخي للقوات الأميركية، إذا ما بدأ، فسوف يشل قواتنا الجوية ودفاعاتنا الجوية وسيتمكن الأميركيون من ضرب أي هدف يشاؤون، وأنهم لن يمارسوا حربا تقليدية بل سيعتمدون على الكمبيوترات بتوجيه صواريخهم»، مستطردا «وبعد أن قدمنا هذه الدراسة المشفوعة بالأرقام والصور والإيضاحات اللازمة لصدام حسين، كتب تعليقا على الدراسة يقول، نحن لسنا عبيدا للكمبيوتر، ثم أحالنا على التقاعد، واعتبرنا عدم معاقبته لنا بالإعدام أو السجن تكريما منه».