الهند فوق صفيح ساخن بسبب تضخم أسعار الغذاء

معدلات التضخم السابقة أدت إلى إسقاط حكومات

TT

تواجه الهند أسوأ ارتفاع في أسعار السلع الغذائية، حيث ترتفع أسعار بعض السلع مثل البصل والطماطم. وقد ارتفع سعر كيلو البصل من 25 روبية إلى 80 روبية، بينما ارتفع سعر كيلو الطماطم من 20 روبية إلى 50 روبية. وعلى الرغم من اتخاذ الحكومة الهندية لكثير من الخطوات لمعالجة ارتفاع أسعار الغذاء، فإنها لم تنجح في إرضاء منتقديها الذين وصفوا هذه الإجراءات بغير الفعالة.

ربما تحاول الحكومة الهندية، التي أدارت دفة الاقتصاد على نحو آمن خلال فترة الانكماش الاقتصادي، السيطرة على أكبر أزمة اقتصادية واجهتها، وهي الارتفاع المطرد لأسعار السلع الغذائية، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 18.3 في المائة خلال آخر أسبوع من شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، مما يمثل خطرا سياسيا بالنسبة إلى الحكومة. لا يجعل ارتفاع أسعار السلع الغذائية في الهند البائع الجائل، راديهي شيام، يناضل حتى يستطيع أبناؤه نيل قسط كامل من التعليم فقط، بل يهدد استقرار الحكومة الائتلافية بقيادة حزب المؤتمر الوطني.

ويشهد العالم ارتفاعا في أسعار الغذاء، لكنه مؤثر للغاية في دولة يعيش 40 في المائة من سكانها البالغ عددهم 1.2 مليار تحت خط الفقر طبقا لتقديرات البنك الدولي. ويعد تخفيف حدة هذا الغضب أهم التحديات الكثيرة التي تواجه رئيس الوزراء، الذي يدرك أن معدلات التضخم الكبيرة السابقة أدت إلى إسقاط حكومات. فقد كلف ارتفاع أسعار البصل عام 1998 حزب بهارتيه جنتا، حزب المعارضة الرئيسي، إجراء انتخابات عامة. وهي النتيجة التي لا يأمل حزب المؤتمر أن تتكرر في ثلاثة انتخابات مقرر إجراؤها خلال العام الحالي.

وينفق الهنود أكثر من ثلث دخلهم على الطعام، وتعد هذه هي النسبة الأعلى مقارنة بدول أخرى. وأوضح استطلاع رأي نشر الأسبوع الماضي أن حزب المؤتمر يفقد تأييد الناخبين، وأنه من المحتمل أن يفقد ما يزيد على 40 مقعدا إذا تم إجراء انتخابات مبكرة. وتعني هذه النتيجة أن الحزب لن يحصل على عدد كاف من المقاعد يسمح له بحكم الهند، ثالث أكبر اقتصاد في آسيا، حتى مع حلفائه الحاليين.

ويقول راديهي شيام: «قد يعاني الناس من أمور كثيرة، لكن لا يوجد بالنسبة إليهم ما هو أهم من الغذاء. إنني أبيع الخضراوات منذ عشرين عاما، لكن لم أشهد مثل هذا الارتفاع من قبل. إذا تم إجراء انتخابات اليوم، فستسقط هذه الحكومة بالتأكيد».

وفي بيان نشر على الموقع الإلكتروني الخاص به قال مانموهان سينغ، رئيس الوزراء الهندي، الذي يصارع من أجل السيطرة على ارتفاع أسعار الغذاء: «لقد ازداد التضخم بسبب الفقراء. فالفقراء يحصلون على المزيد من المال، لهذا بدأوا يأكلون أكثر، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار إلى الذروة. لقد أصبح اقتصاد الهند أقوى، وازدادت الرواتب، مما أدى إلى ارتفاع أسعار اللبن واللحم والسلع الغذائية الأخرى. لقد استفاد الفقراء من خطط الحكومة وبدأ دخلهم يزداد وبدأوا يأكلون أكثر خاصة منتجات الألبان والمحاصيل الزراعية».

أما بالنسبة إلى ريتا خانا، ربة المنزل البالغة من العمر 35 عاما، فارتفاع الأسعار يعني عدم شراء البصل، الذي يعد من المكونات الأساسية لتحضير الكاري الهندي، أو طماطم، أو أي صنف آخر من الخضراوات، وقالت: «لقد ارتفعت الأسعار بشكل كبير، ولم نعد نأكل في الخارج مع رفع المطاعم لأسعارها».

وقال ناليني راو، وهو من كبار محللي الأبحاث في «أنجيل كوموديتيز» إن ارتفاع الأسعار شمل عددا كبيرا متغيرا من السلع الغذائية الرئيسية خلال العام الماضي. وأوضح قائلا: «أدى ارتفاع أسعار اللبن والبقول إلى التضخم الغذائي في يونيو (حزيران)، بينما أدى ارتفاع أسعار بعض المحاصيل مثل البصل والطماطم والبهارات إلى التضخم في ديسمبر (كانون الأول)».

لقد فاجأ الارتفاع غير المتوقع في أسعار السلع الغذائية خلال فصل الشتاء الحالي الحكومة. ويقول مونتيك سينغ ألهواليا، رئيس لجنة التخطيط الهندية، معلقا: «يشير معدل التضخم المرتفع إلى اتجاه الناس إلى تناول طعام صحي، واتباع نمط حياة أفضل». ويرى مونتيك أن تغير أنماط الاستهلاك، واتباع الهنود أنظمة غذائية تقوم على البروتين، قد يكون من أسباب الارتفاع الحاد لمعدل التضخم.

ويقول شاداب علي، العامل في مجال تجارة الوقت في أولد دلهي (دلهي القديمة)، إن تكلفة إعداد وجبة لستة أفراد اليوم قد تضاعفت، واقتصرت على السلع الأساسية لا اللحوم، حيث لم يعد من الممكن تحمل شراء سلع سوى الأرز والبقول. وينتقد شاداب مكتب رئيس الوزراء لتحميله الفقراء مسؤولية زيادة الطلب على السلع الغذائية. ويضيف غاضبا: «إننا نقلص البند المخصص للطعام في الميزانية، بينما تقول الحكومة إن الناس هم السبب وراء ارتفاع الأسعار. عليهم أن يخجلوا من أنفسهم، فهم يزعمون تقدم الهند، أين هذا التقدم عندما لا تستطيع أسرة تنتمي للطبقة الوسطى أن تتناول غذاء متوازنا».

وقالت شاميما، ربة منزل تبلغ من العمر 28 عاما في منطقة مسجد جاما في دلهي بأسى: «منذ عامين اتهمنا الرئيس الأميركي جورج بوش الابن بأننا نأكل كل الطعام، والآن تلوم حكومتنا أفراد الشعب لزيادة طلبهم على الطعام، وهو ما أدى إلى ارتفاع الأسعار. اسأل نواب البرلمان الذين يحصلون على وجبات من مقصف البرلمان مقابل مبلغ ضئيل. هل يمكنك تخيل أنهم يحصلون على طبق من الدجاج ثمنه 25 روبية مقابل 10 روبيات فقط، وكوب من الشاي مقابل روبية فقط في البرلمان. كيف يمكنهم إدراك معاناة رجل الشارع الذي ظل دخله ثابتا، في حين ارتفعت أسعار الغذاء إلى حد يفوق الخيال؟ لقد أصبح سعر اللبن كامل الدسم 50 روبية، إن هذا حقا لعار».

منذ عامين قال الرئيس السابق للولايات المتحدة إن الرخاء في بلد مثل الهند يؤدي إلى زيادة الطلب على «الغذاء الأفضل» الذي يؤدي بدوره إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية. وأوضح قائلا: «يصنف 350 مليون شخص في الهند ضمن الطبقة المتوسطة، وهو عدد يفوق العدد في الولايات المتحدة. عندما تصبح أكثر ثراء، تتجه إلى غذاء أفضل، مما يزيد الطلب عليه، وبالتالي ترتفع الأسعار».

لكن طبقا لإحصاءات الحكومة الهندية، تضم الهند، التي تعد ثاني أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، ثلث عدد فقراء العالم. لكن بحسب تقديرات البنك الدولي، يعيش أكثر من 80 في المائة من سكان الهند بأقل من دولارين في اليوم، وانضم 30 مليون إلى قائمة الجوعى منذ منتصف التسعينات، ووزن 46 في المائة من أطفال الهند دون الوزن الطبيعي.