«ويكيليكس»: برقيات الدبلوماسيين الأميركيين تكشف تناقض الموقف الأميركي تجاه تونس

قلق إزاء الاستياء الشعبي من فساد أسرة الرئيس

TT

تصور برقيات من دبلوماسيين أميركيين في تونس تناقضا كبيرا تجاه نظام الرئيس زين العابدين بن علي، وتوضح قلقا بالغا إزاء الاستياء الشعبي من الفساد السافر لأسرة الرئيس، لكنها توضح أيضا الامتنان لتعاون بن علي في مكافحة الإرهاب والاستقرار الذي فرضه لمدة طويلة. هذه البرقيات السرية، التي حصل عليها موقع «ويكيليكس» الإلكتروني ونشرها على موقعه خلال الأسابيع الأخيرة، ساهمت في إذكاء نار الغضب في الشارع الذي بلغ أوجه يوم الجمعة الماضي مع هروب بن علي بعد حكم البلاد لمدة 23 عاما. وساعد نشر روايات الدبلوماسيين، التي تعبر عن اشمئزازهم من السرقة التي كانت تمارسها عائلة الرئيس، على موقع «تونيليكس» الإلكتروني الذي تم إطلاقه الشهر الماضي في ترجيح كفة الميزان بحسب كثير من المعلقين التونسيين. وكان عنوان البرقية التي تورد العادات المخزية لعائلة الرئيس هو «ما لكم لي». وتاريخ هذه البرقية هو يونيو (حزيران) 2008. وجاء في البرقية أن: «الفساد في تونس يزداد. فقد شاع عن أسرة بن علي السعي إلى الحصول على مال أو خدمات أو أرض أو ممتلكات أو حتى اليخت الخاص بك، وقيل عنها إنها تحصل على ما تريد». وأشارت البرقية إلى حصول اثنين من أبناء أخ بن علي على يخت يمتلكه رجل أعمال فرنسي عام 2006. وفي حين أن ما ورد في البرقية يعد تكرارا لما قيل عن رشوة يطلبها موظفون حكوميون، حيث تراوح مبلغ الرشوة المطلوب عند توقيف السيارة من 20 إلى 40 أو 50 دينارا، على حد قول أحد التونسيين، أشارت البرقية إلى أن النهب السافر على أعلى المستويات كان هو الأكثر إثارة للقلق.

وورد في البرقية أنه «رغم إثارة هذا الفساد للاستياء، فإن تجاوزات أسرة الرئيس بن علي كانت هي ما أثار غضب التونسيين. ففي حين يواجه التونسيون تضخما متزايدا ومعدل بطالة مرتفعا، كانت مظاهر الثراء الفاحش والشائعات المستمرة عن الفساد تذكي النار في النفوس». وأشارت برقية أخرى يعود تاريخها إلى يوليو (تموز) 2009 إلى «عشاء فاخر جمع بين السفير الأميركي، روبرت غوديك، ومحمد صخر الماطري، صهر بن علي، في منزله المطل على البحر في مدينة الحمامات. وبحسب البرقية، كان «المكان يمتلئ بالأشياء» وبـ«تحف فنية قديمة من أعمدة رومانية ولوحات جصية ورأس أسد تنبع منها المياه وتصب في بركة». وتضمن العشاء عددا كبيرا من صنوف الطعام منها الأيس كريم والزبادي القادم من مدينة سانت تروبيه التي تقع على شاطئ الريفيرا الفرنسي. وتورد البرقية على لسان السفير أن «الماطري لديه نمر ضخم يسمى باشا في قفص بمنزله. وهو في حوزته منذ أن كان عمر النمر أسابيع. ويتناول النمر أربع دجاجات يوميا». وقد ذكّر هذا الموقف السفير بالأسد الذي كان يملكه عُدي صدام حسين في بغداد بحسب البرقية. وقد وصف السفير هذه الوفرة بأنها «بذخ» وقال: «إن سلوك أصحاب الدعوة أوضح سبب كره بعض التونسيين لهم ولأفراد عائلة بن علي الآخرين». وأضاف السفير: «تجاوزات عائلة بن علي في ازدياد». وتوضح بعض البرقيات كيف تمكنت العائلة الحاكمة لتونس «التي تشبه المافيا» بالقوة من السيطرة على أكثر المصارف التونسية ربحية، وكيف طلب بن علي حصة مقدارها 50 في المائة في جامعة خاصة. وأوضح آخرون مدى تقدير الولايات المتحدة، المنشغلة بخطر الإرهاب في كثير من الدول الإسلامية، لتعاون بن علي وقدرته على الحفاظ على الأمن والنظام. وذكرت برقية بتاريخ أغسطس (آب) 2008 كانت تتضمن مسحا خاصا بتونس مرسلا لكوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك، قبيل إحدى زياراتها للبلاد أن «تونس ترى نفسها دولة تعمل». وأضاف كاتب البرقية: «في الوقت الذي يتذمر فيه التونسيون من فساد أسرة الرئيس سرا، هناك تقدير مستمر لنجاح بن علي في قيادة بلاده بعيدا عن الفوضى والعنف الذي عمّ دول الجوار». ولم تشر البرقية إلى نجاح التونسيين في مكافحة الإرهاب فقط بل إلى توجهاتها الاجتماعية التقدمية، واصفا إياها بـ«نموذج يُحتذى به فيما يتعلق بحقوق المرأة». وقد أطلق نشطاء تونسيون، على صلة بمدونة Nawaat.org المستقلة التي محتواها باللغة العربية، موقع «تونيليكس» في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وهو التاريخ الذي بدأ فيه موقع «ويكيليكس» الإلكتروني وصحيفة «نيويورك تايمز» إضافة إلى مؤسسات إخبارية أخرى في نشر أول دفعة من البرقيات السرية تضمنت 251.287 برقية حصلت عليها مؤسسة «ويكيليكس».

وبعدها حاولت الحكومة التونسية حجب الموقع الإلكتروني، لكن التفاصيل الصادمة التي وردت في البرقيات كانت قد انتشرت بالفعل على مواقع إلكترونية تونسية؛ مما زاد الغضب الجم المنصبّ على بن علي. وقد سلط موقع «ويكيليكس» الضوء من خلال رسائل الـ«تويتر» على التقارير التي تتحدث عن دوره في حث التونسيين على القيام بثورة. ووصفت مجلة «فورين بوليسي» نهاية حكم بن علي بـ«أول ثورة لويكيليكس». وفي حين يبدو هذا مبالغة، يبرز دور البرقيات فيما سماه الرئيس أوباما مادحا يوم الجمعة الماضي «صراع شجاع ويتسم بالعزيمة لنيل الحقوق العالمية» المعضلة التي تسبب بها موقع «ويكيليكس» الإلكتروني للإدارة. وتدفع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بمبادرة «حرية شبكة الإنترنت» مؤكدة قدرة شبكة الإنترنت على كشف الظلم وتعزيز الديمقراطية. لكن في الوقت ذاته، تجري وزارة العدل تحقيقا جنائيا عن موقع «ويكيليكس» الإلكتروني ومؤسسه جوليان أسانغ، ويتضمن ذلك طلبات استدعاء للمثول أمام المحكمة في محاولة للحصول على نشاط أسانغ ومعارفه على شبكة الإنترنت وأرقام بطاقاتهم الائتمانية وبيانات الحسابات المصرفية الخاصة بهم.

* خدمة «نيويورك تايمز»