المطران الراعي لـ «الشرق الأوسط»: أعصابه من فولاذ.. وخطوته ليست مرتبطة بضغوط بل بتقدمه في السن

البطريرك صفير قدم استقالته الشفهية في أكتوبر الماضي.. والفاتيكان استمهله

TT

غداة المعلومات المتضاربة التي تحدثت حينا عن مطالبة الدوائر البابوية في الفاتيكان البطريرك الماروني الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير بالاستقالة من منصبه، وأحيانا أخرى عن نية البطريرك صفير نفسه في الاستقالة، خرج وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال بطرس حرب، ليؤكد أمس من مقر البطريركية المارونية في بكركي، تقديم البطريرك «استقالته منذ أشهر إلى الكرسي الرسولي طالبا إعفاءه من منصبه»، مشيرا إلى أن «الفاتيكان ما زال متريثا في بت هذا الموضوع».

ويأتي تأكيد الوزير حرب خبر تقدم البطريرك صفير باستقالته بعد معلومات صحافية تطرقت إلى الموضوع منذ يومين، ورجحت أن يتم قبولها من قبل البابا بنديكتوس السادس عشر، على أن يتم تنصيب بطريرك جديد من بين ثلاثة أسماء مطروحة، في المرحلة المقبلة. إلا أن هذه الأنباء لاقت نفيا قاطعا جاء أبرزه على لسان الوزير السابق وديع الخازن، المقرب من البطريرك صفير، إذ أكد أن «البطريرك ما زال بصحة جيدة، ويمارس مهامه كالمعتاد وهو يحضر لزيارة تاريخية إلى روما في فبراير (شباط) المقبل، ويحضر لمجمع بطريركي يجمع فيه كل المطارنة الموارنة في العالم لانتخاب ثمانية مطارنة جدد في إطار خطة إعادة هيكلة الكنيسة المارونية»، مشددا على «أننا نمر بظروف حساسة ودقيقة، وهو لا يقبل، ولا أحد يقبل، بأن يستقيل من مهامه ومن مسؤولياته الوطنية التي هي ضمانة لاستقرار الوضع».

وتعليقا على ما أعلنه الوزير حرب، أكدت أوساط مقربة جدا من بكركي لـ«الشرق الأوسط»، أن «البطريرك صفير تقدم باستقالة شفهية غير مكتوبة في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إلا أن الفاتيكان لم يقبل بها وطلب منه التريث»، موضحا أنه «لم يعلن عن ذلك في وقت سابق في انتظار قبول الاستقالة بشكل رسمي».

ونفت هذه الأوساط بشكل قاطع أن «يكون هناك علاقة بين نية البطريرك في الاستقالة وبين مواقفه السياسية أو الانتقادات التي يتعرض لها أحيانا على خلفية هذه المواقف». وأضافت: «لا علاقة بين السياسة والاستقالة لا من قريب ولا من بعيد»، مرجحة أن «لا يتم قبول هذه الاستقالة لأنه لا يزال يتمتع بصحة جيدة ويمارس نشاطه كالمعتاد». وكان البطريرك صفير شكل في العقد الأخير تحديدا رأس حربة في الدفاع عن مشروع الدولة في لبنان، بدءا من نداء المطارنة الموارنة الشهير في سبتمبر (أيلول) 2000، مرورا برعايته لتشكيل الحلف السياسي المسيحي الذي أطلق عليه اسم «لقاء قرنة شهوان»، الذي شكل جبهة مسيحية مناهضة بشدة لسورية، وصولا إلى تأييده المطلق لما عرف بـ«ثورة الأرز» التي بدأت في أعقاب اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري، ورعايته الروحية لتحالف «14 آذار» الذي توافق مشروعه السياسي مع توجهات بكركي الداعمة لخيار الدولة ومؤسساتها الشرعية وبسط سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية بعيدا عن التأثيرات الإقليمية والدولية. إضافة إلى ذلك، عرف البطريرك صفير باعتراضه الدائم على وجود سلاح غير شرعي في لبنان، خارج سلطة الجيش والأجهزة الأمنية اللبنانية، في إشارة إلى سلاح حزب الله.

وفي سياق متصل، نفى أسقف جبيل للموارنة في لبنان المطران بشارة الراعي، في اتصال مع «الشرق الأوسط»، أي علاقة لاستقالة البطريرك صفير بمواقفه السياسية، وقال: «إذا كان البطريرك صفير قد تقدم فعليا باستقالته، فذلك لأسباب مرتبطة بتقدمه في السن وليس تحت أي ضغط، وهذا ما أعلمه من معرفتي به»، مؤكدا أن «أعصاب البطريرك صفير من فولاذ».

وأوضح المطران الراعي أن المطارنة الموارنة لم يبلغوا بأي شيء رسمي فيما يتعلق باستقالة البطريرك صفير، وأشار إلى أن «ما من معلومات رسمية لدينا ولم يردنا شيء من بكركي في هذا الإطار»، لافتا إلى أنه «إذا قدمت الاستقالة فهي تقدم إلى قداسة البابا أو السينودس».

ويعتبر البطريرك صفير، الذي يشغل منصب «بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة»، البطريرك السادس والسبعين في سلسلة البطاركة الموارنة الذين توالوا تباعا، بعد أن انتخبه مجلس المطارنة بطريركا في التاسع عشر من أبريل (نيسان) 1986، ونصب على كرسي أنطاكية وسائر المشرق في السابع والعشرين من الشهر نفسه.

في 15 مايو (أيار) المقبل، يكمل البطريرك صفير عامه الواحد والتسعين، حيث ولد في 15 مايو 1920 في عائلة عرفت بالتقوى، ببلدة ريفون بمنطقة كسروان، شمال بيروت. أتم دروسه الابتدائية والتكميلية في مدرسة مار عبدا-هرهريا في عرمون بكسروان (1933-1939)، ثم دروسه الثانوية في المدرسة الإكليريكية البطريركية المارونية في غزير بكسروان (1937–1939)، وفي المعهد الإكليريكي الشرقي التابع للجامعة اليسوعية (1940–1943)، حيث تابع دروسه الفلسفية واللاهوتية (1944–1950).

وفي انتظار إجابة الفاتيكان عن استقالة البطريرك صفير، بدأ التهامس على الساحة المسيحية، وتحديدا المارونية باسم المطران المرشح لخلافة البطريرك صفير، سواء قبلت استقالته في الوقت الحالي أم لا، نظرا للمسؤوليات الجمة الملقاة على كاهل سدة البطريركية المارونية في لبنان، على المستوى الروحي والرعوي والسياسي، لا سيما في ظل الظروف الدقيقة التي يشهدها لبنان، وما يواجهه مسيحيو المشرق في دول الجوار.