تونس: الجيش يدعم القادة المدنيين الجدد

بدأت حركة الاحتجاج بمطالب اقتصادية.. وانتهت بمكاسب سياسية

تونسيون يرددون شعارات مناوئة للرئيس السابق بينما بدت عناصر من الجيش تراقب الوضع (أ.ب)
TT

يبدو أن المواجهة العنيفة التي ارتسمت ملامحها في تونس بين الجيش التونسي وعناصر منتمية إلى أجهزة أمنية مختلفة يجمع بينها رغم تعدد مهامها الولاء للرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، يبدو أن هذه الملامح قد شكلت إلى حد ما طبيعة العلاقة بين الجيش والنظام الجديد في تونس. فعلى أثر اتهام الصحافة التونسية وعدد من القطاعات الحقوقية والحزبية في تونس لعناصر الأجهزة الأمنية بتشكيل ميليشيات أخلت بالأمن وهاجمت عددا كبيرا من الأحياء والمؤسسات الحكومية وأسهمت في عمليات النهب والسلب التي شهدتها عدد من المدن التونسية عقب انهيار نظام بن علي، وعلى أثر أحداث مروعة شهدتها البلاد عقب انهيار النظام دخل الجيش فيما يبدو طرفا في معادلة الأحداث الجارية هناك.

وقد ذكر التلفزيون الرسمي التونسي أن رئيس الحرس الرئاسي لبن علي الجنرال علي سرياتي الذي اعتقل لاحقا بعد مواجهات عنيفة حول القصر الرئاسي في العاصمة تونس ضالع في تنظيم عدد من أعمال العنف في البلاد وأنه كان قد سعى لإعادة تنظيم قوى الأمن لشن المزيد من الهجمات في العاصمة وعدد من مدن جنوب البلاد. كما اعتقل قيس بن علي ابن أخي الرئيس المخلوع بن علي بعد إقدامه على إطلاق النار بشكل عشوائي من إحدى سيارات قوى الأمن، واعتقل كذلك وزير الداخلية في حكومة بن علي؛ السيد رفيق بلحاج قاسم في مسقط رأسه لأسباب لم يعلن عنها.

وأفاد تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» أن الجيش التونسي قد عزز دعمه للحكومة المؤقتة في تونس في وجه محاولات قوى تابعة لأجهزة أمنية موالية للرئيس السابق، وذلك بسعي الجيش لتهدئة الشوارع وطمأنة المواطنين وتعقب العناصر الأمنية التي حاولت إثارة الرعب والفوضى في البلاد. وعلى ذلك يبدو أنه يعود للجيش التونسي الآن أن يقرر ما إذا كانت أول ديمقراطية عربية حقيقية سترى النور في تونس أم لا.

وعلى الرغم من أنه من الصعب في المرحلة الحالية معرفة من يواجه من، أو ما هي بالضبط طبيعة تلك العناصر التي تحاول زعزعة الأمن في البلاد، وعلى الرغم من تأكيد وجود رجال عصابات وأجانب وهواة صيد يقومون بمثل هذه الأعمال، وعلى الرغم من أن بعض الأجهزة الأمنية تقوم بدورها إلى جانب الجيش في تعقب مثيري الذعر والفوضى، وعلى الرغم من خلط الأوراق هناك فإنه بات واضحا أن الجيش قد بدأ يلعب دورا محوريا في رسم وجه تونس في الحقبة القادمة.

وبعد إعلان رئيس الوزراء التونسي محمد الغنوشي عن عزمه تشكيل حكومة وحدة وطنية وعن ضمه لثلاثة من أكبر أحزاب المعارضة إلى حكومته، فإن المؤشرات تشير إلى أن حكام تونس الجدد سوف يحظون بدعم الجيش لهم ورضاه عن توجهاتهم، على الرغم من أنه من المتوقع أن تؤجل الانتخابات لتجري في ظرف ستة أشهر بدلا عن ستين يوما، لإتاحة الفرصة لأكبر قد من المشاركة السياسية بعد رفع الحظر المتوقع عن عدد من الأحزاب المحظورة بما فيها حركة النهضة الإسلامية في تونس والسماح لها بالمشاركة السياسية.

إضافة إلى ما سبق فإن تقارير تحدثت عن دور قائد الجيش الجنرال رشيد بن عمار في تغييب بن علي عن المشهد السياسي في تونس والتعجيل بنهايته بعد أن رفض تنفيذ الأوامر بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين في إشارة إلى انحياز الجيش إلى جانب حركة الاحتجاج. كما أن الجيش انسحب من العاصمة تاركا مهمة مواجهة المتظاهرين لقوى الأمن ربما في حركة معارضة لمجريات الأحداث بين المحتجين وأجهزة النظام، بل إن تقارير تحدثت عن دور لقائد الجيش في إقناع بن علي بضرورة مغادرة البلاد.

ومما يعطي مؤشرات إيجابية في هذا بصدد عدم تدخل الجيش في أعمال الحكومة الجديدة أن الجنرال عمار غاب حتى الآن عن المشهد السياسي مما يبعث على الاعتقاد بعدم رغبته في التأثير على سير الحكم المدني في البلاد حسب تقرير لـ«نيويورك تايمز».

ويوحي سير الأمور في تونس حتى الآن بتحسن في الجانب الأمني وبسير حثيث على المستوى السياسي لإنجاز المهام القادمة التي تتمحور حول الإعداد للانتخابات القادمة.

وتعد تصريحات المعارضين في الخارج والإفصاح عن النية في العودة مؤشرا على سير الأمور سيرا حسنا على الرغم من أن أيا من أحزاب المعارضة أو رجال السياسة في تونس لا يجرؤ على الادعاء بدور في «ثورة الياسمين» التي كانت جل مطالبها تتمحور حول رحيل رموز الفساد في البلاد.