تونس: مسيرات احتجاجية للمطالبة بتخلي الحزب الحاكم عن السلطة

الدبابات تمركزت حول العاصمة.. وطوابير طويلة اصطفت أمام المخابز

تونسي يردد شعارا يطالب بابعاد الحزب الحاكم عن السلطة أمس (رويترز)
TT

استخدمت قوات الأمن التونسية أمس الغاز المسيل للدموع في محاولة لتفرقة متظاهرين بوسط العاصمة يطالبون الحزب الحاكم بالتخلي عن السلطة. ودعا المتظاهرون إلى «كنس» حزب التجمع الدستوري الديمقراطي (الحاكم) وكامل رموز نظام الرئيس السابق بن علي.

وكانت قوات الأمن والجيش استخدمت في وقت سابق خراطيم المياه وأطلقت أعيرة في الهواء في محاولة لتفرقة الاحتجاج ولكن مئات المتظاهرين ظلوا في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة قرب السفارة الفرنسية.

وعرفت الاحتجاجات ضد الحزب الحاكم نقاشات بين المواطنين التونسيين الذين توزعوا إلى مجموعات لم يتمكن معظمها من بلورة موقف حاسم مما يجري. فقسم منهم يطالب برجوع الحياة إلى سالف نشاطها واستعادة الأمن وتزويد العائلات بحاجاتها الأساسية، حيث إن الكثير من الأحياء السكنية باتت تحت وطأة الحاجة العاجلة للمواد الغذائية الضرورية، في حين يطالب جانب آخر من المحتجين بضرورة القطع مع رموز الماضي، وعبر عن خشيته من رجوع ما يسميه «أخطبوط» الحزب الحاكم إلى الواجهة، خاصة أن التجمع الدستوري الديمقراطي ما زال حسب الكثير من السياسيين التونسيين متربصا بالحياة السياسية، ولم يقع اجتثاثه بالكامل من حياة التونسيين.

وسمع دوي إطلاق نيران أثناء الليل في أجزاء من العاصمة بعد اشتباكات بين القوات الخاصة التونسية ورجال الأمن التابعين للرئيس السابق أول من أمس.

وقال مراسل لـ«رويترز» في ضاحية العمران بالعاصمة تونس، إنه أمكن سماع دوي إطلاق نيران حتى نحو الساعة الثالثة صباحا.

وأفاد سكان بأنهم شاهدوا أشخاصا في سيارات وعلى دراجات نارية ومترجلين يطلقون أعيرة نارية عشوائيا فيما يبدو ثم يختفون.

وفتش الناس أسطح عمائرهم بعد تقارير عن أن مسلحين يطلقون النار على أشخاص في الأسفل.

وقال أحد المتصلين بالتلفزيون الحكومي «هناك قناصة على السطح. لا ندري أين؟ نطلب المساعدة الفورية من قوات الأمن».

وبموازاة ذلك، تمركزت دبابات حول تونس العاصمة وانتشر جنود لحراسة المباني العامة. واصطفت طوابير طويلة أمام المخابز في تونس العاصمة صباح أمس فيما بدأ الناس شراء المواد التموينية بعد إغلاق المتاجر لعدة أيام والتزام الناس منازلهم. وكانت حركة المرور طبيعية.

وفتحت المكاتب الحكومية للمرة الأولى منذ يوم الخميس غير أن بعض الموظفين قالوا إنهم سيمكثون في منازلهم لأنهم لا يعتقدون أن التحركات آمنة.

وكان الاتحاد العام التونسي للشغل قد قاد مجموعة من المسيرات المنادية بتنحي رموز العهد السابق من دوائر الحكم. وشهدت الكثير من المدن التونسية خاصة قفصة والرديف في الجنوب التونسي، وبنزرت الواقعة على بعد 60 كلم عن شمال العاصمة، مظاهرات رفعت فيها شعارات مناوئة للتجمع الدستوري الديمقراطي الذي لم يعلن حتى الآن عن حل نفسه.

وذكرت تقارير كثيرة أن فلول النظام السابق لا تزال تعمل على زعزعة الاستقرار في بعض المدن التونسية، ولا تزال مدينة بنزرت شمال العاصمة مسرحا لمواجهات، ذكر شهود عيان أنها دامية، وأنها جعلت السكان هناك يعيشون ظروفا عصيبة منذ صباح الأحد. ولا تزال المدينة تعيش على وقع طلقات الرصاص الحي حتى يوم أمس.

وأفاد المنجي بن جلول، وهو ناشط نقابي في مدينة بنزرت، لـ«الشرق الأوسط» بأن «قناصة» احتلوا أسطح بعض المنازل في مدينة بنزرت بعضهم يرتدي أزياء قوات الأمن الرئاسي والبعض الآخر يرتدي أزياء مدنية، وأخذوا يطلقون الرصاص الحي على المواطنين وقوات الجيش. وأضاف أن المدينة عرفت مساء الأحد وفاة جنديين من جنود الجيش التونسي كما قضى خمسة تونسيين في تلك المواجهات التي كانت «مقبرة الشهداء» والمناطق القريبة منها مسرحا لها. وقال بن جلول إن قوات الجيش قبضت على بعض عناصر تلك القوات المناوئة ومن بينها عناصر من الأمن الرئاسي الذي تم توزيعه على كافة الولايات (المحافظات) قبل الإطاحة بالرئيس بن علي، وكذلك أفراد من الشرطة العدلية (تعمل داخل البلديات) التي يبدو أنها قد تكون مستهدفة من قبل النظام الجديد.

إلى ذلك، نفى مصدر في الأمن الرئاسي بقصر قرطاج أمس «ما تناقلته فضائيات عربية حول حدوث مواجهات مسلحة داخل القصر أو أمامه بين الجيش وعناصر الأمن الرئاسي»، وقال: «لا أساس لهذه التقارير من الصحة».

وقال المصدر لوكالة الأنباء الألمانية «كثير من المعلومات التي تبثها فضائيات عربية مغلوطة تماما.. ولا وجود إطلاقا لمواجهات مسلحة بين الجيش والأمن الرئاسي لا داخل قصر قرطاج ولا أمامه..هذه المعلومات لا أساس لها من الصحة.. والجيش والأمن الرئاسي يتعاونان في حراسة القصر ويأكلان ويشربان مع بعضهما». وأضاف أن الأمن الرئاسي «مع القانون ومع الإصلاح ومع التغيير الذي يريده الشعب».

وفي سياق ذلك، قال مصدر مطلع إن العقيد قيس بن كحلة تسلم أمس بشكل رسمي مهام إدارة جهاز «حماية الشخصيات الرسمية» (أعضاء الحكومة وضيوف تونس من الدبلوماسيين).

وذكرت وكالة الأنباء التونسية الأحد أن النيابة العامة لدى المحكمة الابتدائية بتونس فتحت تحقيقا ضد الجنرال علي السرياطي المدير العام السابق للأمن الرئاسي ومجموعة من مساعديه بتهم «التآمر على أمن الدولة الداخلي وارتكاب الاعتداء المقصود منه حمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضا بالسلاح وإثارة الهرج والقتل والسلب بالتراب التونسي على معنى الفصول 68 و69 و72 من المجلة الجزائية» (القانون الجنائي).

وقالت الوكالة: «للتذكير فإن شوارع العاصمة وضواحيها عرفت خلال الفترة الأخيرة تحركات مشبوهة لميليشيات عملت على إثارة الهرج والقتل والسلب بالتراب التونسي لغاية التآمر على أمن الدولة الداخلي»، وذكرت «وقد بادر قاضي التحقيق المتعهد بعرض التهمة على المظنون فيهم وإصدار بطاقات إيداع ضدهم في انتظار استكمال بقية الإجراءات القانونية في القضية».