دبي تضطر للتخلي عن بعض مظاهر الرخاء

تراجع خدمات الحراسة والتكييف وقصور في الصيانة بالمجمعات والأبراج السكنية

رجال يعملون على مشروع عقاري في دبي.. حيث تشهد الخدمات المرافقة للوحدات السكنية تراجعا في خدمات مثل الحراسة والمصاعد وأنظمة مكافحة الحرائق (أ.ف.ب)
TT

في منطقة «الديسكفري غاردن» السكنية في دبي، التي تضم عشرات الأبنية والوحدات السكنية، من اليسير على الزائر أن يلاحظ أن لكل مبنيين أو ثلاثة مبان رجل أمن واحدا يشرف عليها مجتمعة، وهو ما لم يكن عليه الحال منذ عام على الأقل.

هذا التراجع في الخدمات المرافقة للوحدات السكنية قد ينطلي أيضا على المصاعد وأنظمة مكافحة الحرائق، وهو ما يمكن أن يشكل فعلا خطرا وتهديدا كبيرين على صحة وسلامة وأمن قاطني هذه المناطق السكنية، وهو ما تؤكده شركة عالمية متخصصة في قطاع الاستشارات العقارية. هذه الشركة المتخصصة في قطاع الاستشارات العقارية دعت مالكي العقارات في الإمارات العربية المتحدة للاستثمار في خدمات عالية الجودة لإدارة وصيانة وحداتهم العقارية، في ضوء ما اعتبرته توجه بعض مالكي العقارات لتقليل تكاليف إدارة وحداتهم بسبب الضغوط الناجمة عن التحديات الحالية التي تواجهها سوق العقارات وتدني الإيجارات، واعتبرت القصور في خدمات صيانة وإدارة بعض المرافق الأساسية المهمة في المباني، وتحديدا الأبراج، مثل المصاعد وأنظمة مكافحة الحرائق، تشكل فعلا خطرا وتهديدا كبيرين على صحة وسلامة وأمن قاطنيها.

وحذرت «كلاتونز الشرق الأوسط» المتخصصة في قطاع الاستشارات العقارية من المخاطر الناتجة عن هذا التوجه قصير الأمد وتأثيره السلبي على معايير الجودة في السوق العقارية الإماراتية، وبالتالي ضعف الإقبال على الاستئجار وخسارة في العوائد. وقالت ليسلي بريستون، مديرة في «كلاتونز الشرق الأوسط»: «يلتزم فريقنا بمساعدة مالكي العقارات على تعزيز عائدهم من الإيجار ورفع قيمة وحداتهم قدر المستطاع. وغالبا ما يغفل الكثيرون من المالكين عن العوامل التي تلعب دورا أساسيا في ذلك، والتي تأتي في مقدمتها قراراتهم المتعلقة بالتصميم وإدارة المباني والصيانة وخدمة العملاء»، مؤكدة أن «التكاليف المرتبطة بصيانة مبنى ما والمحافظة عليه هي أقل بكثير من تكاليف إصلاحه في حالة حصول أي خلل فيما بعد». وأضافت: «تتوفر للمستأجرين اليوم الكثير من الخيارات في السوق العقارية الإماراتية، ومما لا شك فيه ترجح كفة الميزان المباني التي تدار باحترافية وجودة عالية عن تلك التي يحرص فيها مالكوها على خفض النفقات، حيث إنها تستقطب عددا أكبر من المستأجرين، وبالتالي المساهمة في زيادة قيمة هذه المباني».

وفي حديثها لـ«الشرق الأوسط» قالت بريستون إن «تراجع خدمات إدارة وصيانة العقارات يمكنه أن يؤثر سلبيا على قيمة أصول العقارات السكنية والتجارية على حد سواء، ونحن لمسنا مؤخرا توجه بعض مالكي العقارات في دولة الإمارات لتقليل تكاليف إدارة وحداتهم في ضوء الضغوط الناجمة عن التحديات الحالية التي تواجهها سوق العقارات وتدني الإيجارات. نثق بأن لهذا التوجه القصير الأمد الكثير من المخاطر، من ضمنها التأثير السلبي على معايير الجودة في السوق العقارية الإماراتية، وبالتالي ضعف الإقبال على الاستئجار وخسارة في العوائد. نؤكد دوما في (كلاتونز) على ضرورة الاستثمار في خدمات عالية الجودة لإدارة وصيانة العقارات باحتراف، لما يساهم بالتالي في تعزيز العوائد من الإيجار ورفع قيمة العقارات».

وحول ما إذا كان تراجع عمليات الصيانة لا يقتصر على معايير الجودة في السوق العقارية الإماراتية فقط ويمكن أن يشكل خطورة على سكان الأبراج تحديدا في دبي، التي تحتاج إلى عمليات صيانة منتظمة، تقول بريستون إن القصور في خدمات صيانة وإدارة بعض المرافق الأساسية المهمة في المباني بضمنها الأبراج، مثل المصاعد وأنظمة مكافحة الحرائق، يمكن أن تشكل فعلا خطرا وتهديدا كبيرين على صحة وسلامة وأمن قاطنيها. وبالإضافة إلى ذلك، فإن مع استخدام المباني على المدى الطويل، سيضطر مالكو العقارات فيما بعد لتحمل تكاليف أكبر تزداد مع مرور الزمن، وذلك جراء التوفير قصير الأمد وخفض التكاليف المتعلقة بإدارة وصيانة عقاراتهم.

وحتى الآن ليس هناك مؤشرات محددة كما تقول بريستون على حجم تراجع عمليات الصيانة والإدارة للمباني بضغط من الأزمة في الإمارات، أما بالنسبة لأكثر أجزاء الأبنية إهمالا لجهة الصيانة، فترى أنه بالنظر للظروف المناخية القاسية لدولة الإمارات، فإن أنظمة التكييف تشكل أحد أهم المرافق لأي شقة سكنية أو فيللا. وهنا تكمن أهمية إجراء عمليات صيانة منتظمة للمحافظة على فعالية وحدات التبريد وإطالة عمرها التشغيلي قدر المستطاع، أما فيما يخص عامل الأمن، فينبغي أن تكون إجراءات صيانة المصاعد وأنظمة مكافحة الحرائق أولوية لدى المالكين، في حين لاحظنا إهمالا في ذلك في بعض المباني.

وتتابع لمسنا تقصيرا من قبل عدد من مالكي العقارات في دولة الإمارات فيما يتعلق بمسؤولي أمن المباني، حيث لجأ الكثير منهم إلى التقليل من عددهم لخفض التكاليف في ضوء التحديات الحالية، وخاصة في ظل أجورهم المرتفعة المفروضة من قبل الشركات التي توفرهم. بحسب التشريعات الجديدة لإمارتي دبي والشارقة، بات يطلب من مالكي العقارات توظيف مسؤولي الأمن المؤهلين والمرخصين فقط وجلبهم من شركات معتمدة، ولذا يلجأ الكثير من المالكين للاستغناء عنهم نظرا للأجور المرتفعة التي تفرضها شركاتهم.

وفي ضوء قلة التشريعات والقوانين التي تنظم إدارة وصيانة المباني في الدولة، غير تلك التي توضح أن المالك مسؤول عن صيانة العقار، فإن قضايا الصيانة هذه غالبا ما يجري التغاضي عنها أو إهمالها في بعض الأحيان للأسف، وهو ما يشكل خطورة على الساكنين ويساهم سلبا في التأثير على معايير الجودة في السوق العقارية في الإمارات.

ويشتكي مستأجرون وعقاريون تردي خدمات الصيانة في بنايات سكنية، بعد إنهاء ملاكها عقود الصيانة، والاعتماد على فنيين أفراد، مشيرين إلى أن هذا التوجه ظهر مؤخرا، لتقليص المصروفات في ظل تداعيات الأزمة العالمية، وتعويضا عن تراجع معدلات الإيجار خلال الفترة الماضية. وأكدوا أن بنايات ومناطق تعاني مشكلات مزمنة في الصيانة، أو الخدمات العامة، تشهد انخفاضا في معدلات الإيجار بشكل حاد. ويبدو أن السنوات القليلة الماضية كانت سنوات انشغل فيها الناس بالتملك، وأهملوا واجبات الصيانة التي بدأت تطل برأسها الآن، وفقا لما يقوله رئيس مجلس إدارة شركة «ماك» العقارية في دبي، محمد نمر، الذي يرى أن موضوع الصيانة مهم جدا، وأن العقود تهتم بعمليات الصيانة وتعتبره جزءا ملزما ومهما من العقد، فعمر المبنى الافتراضي هو 60 سنة، لكن في حقيقة الأمر عمره إلى ما لا نهاية، لكن ذلك يجب أن يرتبط بعمليات صيانة مستمرة، فأي مبنى مهما بني بطريقة جيدة، ولكن أهملت فيه عمليات الصيانة فمآله إلى الانهيار. ويتابع قائلا «نحن نتحدث هنا عن تسريبات المياه مثلا وهي ما تعرف بقاتل البناء وهي العدو الأول للمباني، فهي قد تبدأ بسيطة ولكنها إذا لم يتم تداركها قد تتطور لتتسبب في أضرار تكون خطيرة».

ويعدد الخبير العقاري جوانب الصيانة المهمة قائلا «هناك عدة جوانب لا بد من الاعتناء بها وإعطائها الأولوية في أي مبنى على رأسها التمديدات الكهربائية والتمديدات الصحية ووحدات التكيف إضافة إلى القيام بصيانة دورية وأخرى وقائية». وفي هذا الإطار يرى محمد نمر أن السبيل للحيلولة دون تراجع عمليات الصيانة هو تفعيل دور جميع الملاك، والمزيد من التوعية من قبل الجهات المختصة سواء للمالك أو المطور أو الساكن «فهناك شقق يمتلكها أشخاص، لكنهم وبسبب قلة الوعي لا يعرفون أن هذه الشقة هي جزء من مبنى أو برج وبالتالي لا ينظرون إلى أن ملكيتهم لهذه الشقة تأتي بسبب وجود هذا البرج لذلك هناك قصور في فهم أهمية الصيانة، ولذلك من الصعب أحيانا أن تقنع الزبون بدفع تكلفة نفقات الصيانة».

ويرى نمر أن مشكلة تراجع عمليات الصيانة تقع على عدة أطراف، الطرف الرئيسي هو المالك للشقة الذي يجب أن يكون لديه وعي كاف بأن هذه الشقة جزء من المبنى، وكل هذه الأمور جزء من المبنى، وصيانتها تتم بوعي مشترك، الطرف الثاني هو المطور أحيانا الذي لا يقوم بدوره، كما أنه يجب أن تكون هناك عملية تثقيف للناس، وهذه مهمة الجهات الرسمية المختصة «فبالأمس كان وقت التملك والآن حان وقت الصيانة».