البنتاغون يحقق في أخطاء طائرات من دون طيار في حرب أفغانستان

زيادة البيانات المعلوماتية أن تكون مميتة

TT

عندما درس المحققون العسكريون هجوما نفذته مروحيات أميركية خلال شهر فبراير (شباط) الماضي تسبب في مقتل 23 مدنيا أفغانيا، توصلوا إلى أن مشغل طائرة من دون طيار كان قد فشل في نقل معلومات حساسة عن تركيبة تجمع حشدا من القرويين.

ولكن مسؤولي القوات الجوية والجيش الأميركي يقولون الآن إنه كان هناك أيضا سبب ضمني لهذا الخطأ؛ وهو الكمية الزائدة من المعلومات.

وفي قاعدة للقوات الجوية في ولاية نيفادا، كافح مشغل الطائرة من دون طيار وفريقه من أجل فهم ما كان يحدث في القرية، حيث كانت تتكون إحدى القوافل. وكان يتعين عليهم مراقبة لقطات فيديو للطائرة غير المأهولة أثناء المشاركة في تلقى عشرات من الرسائل الفورية وعمليات التبادل اللاسلكي مع محللي الاستخبارات والقوات الموجودة على أرض المعركة.

وكانت هناك تقارير راسخة بأن المجموعة كانت تضم أطفالا، ولكن الفريق لم يركز بشكل كاف عليهم وسط الكمية الهائلة من البيانات، في موقف يشبه إلى حد كبير عامل الحجرة الذي يفقد مسار بريد إلكتروني مهم وسط كومة متزايدة من الرسائل. وكان الفريق يخضع لضغط شديد بهدف حماية قوات أميركية كانت موجودة بالقرب من هذا الموقع. وفي النهاية، قرر الفريق، بشكل غير صحيح، أن قافلة القرويين كانت تمثل تهديدا وشيكا، وهو ما أدى إلى حدوث واحدة من أسوأ الخسائر في الأرواح المدنية خلال الحرب داخل أفغانستان.

وقال مسؤول عسكري بارز، اطلع على التحقيق وتحدث بشرط عدم ذكر اسمه لأن القضية يمكن أن تؤدي حتى الآن إلى إجراء محاكمة عسكرية: «زيادة المعلومات إنه الوصف الدقيق لسبب ما حدث. وقد كان من الممكن منع الوفيات إذا كنا قد أبطأنا فحسب من سرعة تقدم الأمور وفكرنا بتأن».

وتعتبر البيانات من بين الأسلحة الأكثر فعالية في القرن الحادي والعشرين. وتساعد كميات غير مسبوقة من المعلومات الأولية الجيش على تحديد هوية الأهداف التي يستهدفها، وماذا يجب أن يتجنبه. وقد أثارت أجهزة الاستشعار المركبة على الطائرات من دون طيار الحاجة إلى فئة جديدة من المقاتلين اللاسلكيين الذين لا بد أن يقوموا بترشيح بحر من المعلومات. ولكن هؤلاء المقاتلين يغرقون في هذا البحر أحيانا.

ويظهر البحث أن نوع المهام المتعددة المكثفة المطلوبة في مثل هذه المواقف يمكن أن يصعب من مهمة معرفة المعلومات الجيدة من السيئة. ويواجه الجيش تصرفا متوازنا، وهو كيف يمكن مساعدة الجنود على استغلال كميات كبيرة من البيانات من دون الاستسلام لضغط المعلومات الزائدة.

وقد زاد تدفق البيانات بين فرق الجيش الأميركي منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، كما ارتفعت كمية المعلومات الاستخباراتية التي جمعتها طائرات من دون طيار تتم قيادتها عن بعد وتقنيات المراقبة الأخرى بنسبة 1.600 في المائة. وعلى أرض المعركة، تستخدم القوات بشكل متزايد أجهزة يدوية في التواصل والحصول على توجيهات وتحديد إحداثيات التفجير. ويمكن أن تكون الشاشات الموجودة في الطائرات النفاثة مليئة جدا بالبيانات التي يطلق عليها بعض الطيارين «الأوعية السائلة»، لأنهم يقولون إنهم يمكن أن يتوهوا أثناء التحديق فيها.

وقال آرت كرامر، أخصائي طب الأعصاب ومدير معهد بيكمان، وهو مختبر أبحاث في جامعة ألينوي: «هناك كميات زائدة من المعلومات في كل مستويات الرتب في الجيش؛ بداية من الجنرال ووصولا إلى الجندي على أرضية المعركة».

وقد استخدم الجيش باحثين مثل كرامر لمساعدته على فهم حدود العقل وإمكانياته. ومثلما دفع الجيش بالتكنولوجيا إلى الأمام لفترة طويلة، فإنه يقف الآن في مقدمة بحثه لتحديد كيف يمكن أن يتكيف البشر مع التقنية من دون أن تطغى عليهم تماما.

وفي جامعة جورج ماسون بولاية فرجينيا، يقيس باحثون موجات المخ عينة دراسة من البشر مع استخدام محاكاة للعمل الذي تم في قاعدة نيفادا الجوية.

وعلى شاشة حاسب آلي يرى عينة البحث لقطة فيديو من طائرة من دون طيار ويشاهدون مواقع أشخاص آخرين، مع حصولهم على توجيهات عن المكان الذي يجب أن يوجهوا هؤلاء الأشخاص إليه. ويرتدي الأشخاص المشاركون في البحث غطاء رأس مع أقطاب إلكترونية مرفقة تقيس موجات المخ. ومع زيادة عدد المقاتلات من دون طيار وزيادة سرعة التوجيهات، يظهر المخ حدوث ارتفاعات حادة في نوع من النشاط الكهربائي يعرف باسم «ثيتا» تسبب في حدوث قلق بين صفوف الباحثين.

وقال راجا باراسورامان، مدير العوامل البشرية وبرنامج المعرفة التطبيقية في الجامعة: «إنه يعد دائما مؤشرا على الحمولة الزائدة». ومثلما تسمح التقنية للجنود بالحصول على مزيد من المعلومات، فإنها تجهد عقولهم. ويقول الباحثون العسكريون إن توتر العمليات القتالية يجعل المسائل أسوأ. وتشير حتى بعض الأبحاث إلى أن الأشخاص الشبان ينتهي بهم الأمر إلى التعرض لمشكلات إضافية في التركيز لأنهم يتعرضون لتشتت الانتباه بشكل مستمر.

وقال مايكل بارنيز، أخصائي علم النفس في مختبر أبحاث الجيش الأميركي بمدينة أبيردين في ولاية ميريلاند، الذي استشهد بالكثير من الدراسات الجامعية التي أجريت حول هذا الموضوع: «بالنسبة للجندي الذي كان يستخدم الحاسبات الآلية والهواتف طوال حياته.. قد تكون للمهام المتعددة آثار سلبية بالفعل».

وفي اختبارات أجريت في قاعدة بمدينة أورلاندو، توصلت مجموعة بارنيز إلى أنه عندما يشغل الجنود دبابة أثناء مراقبة لقطات فيديو بعيدة، فإنهم يفشلون غالبا في رؤية أهداف موجودة حولهم.

وقال بارنيز: «الجنود يمكن أن يتم تدريبهم على استخدام تكنولوجيا جديدة، ولكننا لن نحسن من قدراتهم العصبية».

وعلى الجانب الآخر، ذكر بارنيز بأن الجيش يجب أن لا يمتنع عن تحسين تدفق البيانات في الأعمال القتالية. وقال: «سوف يشبه هذا القول أننا يجب أن لا نمتلك سيارات لأن لدينا 40000 شخص يموتون على الطرق كل عام. والميزات الإضافية للتكنولوجيا عظيمة جدا».

ويجرب الجيش طرقا جديدة لمساعدة الجنود على التركيز. وفي قاعدة عسكرية تابعة للجيش في مدينة أواهو بهاواي، يدرب الباحثون عقول الجنود على برنامج يسمى: «تدريب اللياقة الذهنية المعتمد على صفاء الذهن». ويطلب هذا التدريب من الجنود التركيز على جزء من جسمهم، والشعور بوضع قدم على الأرض أو الجلوس على كرسي، وبعد ذلك الانتقال إلى تركيز آخر، مثل الاستماع إلى طنين المكيف أو صوت السيارات المارة.

وقالت إحدى الباحثات، وهي إليزابيث إيه ستانلي، الأستاذة المساعدة للدراسات الأمنية في جامعة جورج تاون: «السؤال الإجمالي الذي نطرحه هو ما إذا كان بمقدورنا أن نعيد تركيب أداء نظام الانتباه من خلال صفاء الذهن». وفي الآونة الأخيرة، حصلت ستانلي على تمويل من أجل تطبيق التدريب في قاعدة بحرية، وتوصلت النتائج الأولية لدراسة تجريبية مرتبطة أجرتها مع أميشي جها، أستاذة طب الأعصاب في جامعة ميامي، إلى أن هذا التدريب ساعد جنود فرقة مشاة البحرية الأميركية على التركيز.

وحتى في ظل شعوره بالقلق بشأن الحمولة الرقمية الزائدة، يعترف الجيش بأن التكنولوجيا يمكن أن تكون الطريقة الأفضل لتعليم هذا الجيل الجديد من الجنود، بشكل خاص، تقنية جديدة موجودة في جيوبهم بالفعل. وفي تدريب أساسي للجيش، يمكن للمجندين الجدد الحصول على توجيه من تطبيقات هاتف «آي فون» على عينة بحث متغيرة مثل الإسعافات الأولية والقيم العسكرية.

وفي إطار نظام التدريب الأساسي المحدث، يتم إجبار المجندين بالفعل على تحمل مجموعة كبيرة من المعلومات، على سبيل المثال، لاختبار مهارات الإسعافات الأولية مع الخضوع لدورة تدريبية على تحمل العوائق.

وقال الليفتنانت جنرال مارك هيرتلينغ، الذي يشرف على التدريب الأولي لكل جندي: «إنها الطريقة التي يتعلم بها هذا الجيل. إنه جيل متعدد المهام. لذا؛ فإذا كانت الأشياء متعددة المهام ومترابطة، فهذه هي الطريقة التي يجب أن يتدربوا بها».

* خدمة «نيويورك تايمز»