محمد حراث: نجري مشاورات مع قيادات التيار الإسلامي لتشكيل حزب سياسي

قال إن استضافة السعودية للرئيس المخلوع جنبت الشارع التونسي حمام دم

محمد حراث
TT

بدت الشبكات الاجتماعية والمنتديات على شبكة الإنترنت مهتمة كثيرا بمستقبل الإسلاميين في تونس، على خلفية المستجدات التي بات يشهدها البلد العربي بعد رحيل الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. ويلاحظ المتابع أن أكثر النقاشات أخذت تدور حول عودة القيادات الإسلامية التي كانت تعيش في الخارج، إذ يبدو أن قيادات حركة النهضة بزعامة الشيخ راشد الغنوشي ليسوا وحدهم من يستعد إلى العودة لتونس، بل ربما يشاركهم إسلاميون كثيرون من انتماءات شتى، كان قد فرض عليهم لسنين طويلة ألا تطأ أقدامهم هذه البلاد.

«الشرق الأوسط» توجهت إلى محمد علي حراث، الأمين العام للجبهة الإسلامية التونسية مدير محطة «إسلام شانيل» الفضائية، الذي تحث عن لقائه بالسفير التونسي حاتم عطا الله، أمس، وأكد أن قيادات الجبهة في مشاورات داخلية منذ سقوط بن علي، وتبحث حاليا التحول إلى حزب سياسي. وقال حراث (47 عاما) إنه أبرز المؤسسين للجبهة الإسلامية التونسية عام 1986، قبل أن يفر إلى لندن عام 1990 هربا من حملة مداهمات لاعتقاله وتصفية رموز الجبهة من الإسلاميين، وكذلك أعضاء التيار السلفي. وأكد حراث أن قواعد الجبهة ما زالت موجودة في الداخل، رغم وجود المئات من أنصار الجبهة في السجون التونسية. وكشف عن فرار العشرات من الإسلاميين منذ أيام من السجون التونسية عقب سقوط الرئيس المخلوع بسبب الاضطراب في إدارة تلك السجون أو بسبب اتفاقيات خاصة مع مسؤولي تلك السجون. وأوضح حراث أن أعضاء الجبهة الإسلامية التونسية هم بخير، والحمد لله، ومنتشرون في كافة المدن التونسية. وتحدث حراث عن الظروف المأساوية التي مر بها حتى يصل إلى لندن فرارا على القدمين إلى الحدود الجزائرية، ثم السفر إلى باكستان ومنها إلى يوغوسلافيا وألمانيا قبل أن يستقر به المقام في العاصمة البريطانية. وقال: «هرب معي نحو 200 من قيادات الجبهة الإسلامية معظمهم موجودون في الدول الأوروبية، لكن أنصارنا بالآلاف ما زالوا موجودين في الداخل التونسي».

وتوقع الإسلامي التونسي، محمد حراث، انتشارا إسلاميا كبيرا على الأرض في تونس التي وصفها بأنها بلد إسلامي 100 في المائة، سنية 100 في المائة، تؤمن بالمذهب المالكي 100 في المائة، وتعتبر المذهب المالكي هو القاعدة الشرعية للتيار السلفي، وهو تيار متصاعد في المجالات الدعوية التي يغلبها دائما على العمل السياسي. وقال إنه أقنع قيادات الجبهة عام 1986 بعد عودته الدراسية من إيران بجدوى العمل التنظيمي لأن ذلك لا يتعارض مع القواعد الشرعية.

وعن مبادئ الجبهة الإسلامية التونسية قال أمينها العام حراث: «نشر الاعتقاد الصحيح عن منهاج الكتاب والسنة المحمدية، كذلك ندعو للمشاركة السياسية العامة لتقليل الشر وتكريس الخير في البلاد ولدى النظام الحاكم، ونعتبر في منهاجنا أن الإسلام هو حل لمشكلات الشعب باعتباره دين جاء ليطبق في ربوع الأرض والدنيا». وقال حراث: «نريد ونأمل من الله عز وجل أن يشع الإسلام من تونس من جديد، كما كانت في الماضي قاعدة لنشر الإسلام إلى أفريقيا وقلب أوروبا». إلا أنه أكد أن الإسلام الذي تتبناه الجبهة التونسية هو الإسلام المتسامح الوسطي البعيد عن نهج العنف والتطرف وقال نحن كإسلاميين تونسيين نعتبر أنفسنا «مبشرين غير منفرين»، ونريد أن نغير الصورة السيئة التي رسمتها بعض وسائل الإعلام وبعض تصرفات المنسوبين للعمل الإسلامي، نريد أن نصحح الصورة عن الإسلام، نريد أن نفك الاشتباك، ونغير الصورة النمطية التي تقول إن الإسلام ضد حرية الفكر وضد حرية المعتقد للآخر. وعن الخطوة التي اتخذتها السعودية في استضافة الرئيس المخلوع، قال حراث: «إنها تنبع من عرف عربي وإسلامي أصيل، وهي ليست المرة الأولى فهناك العشرات من المعارضين التونسيين وكذلك من (الإخوان المسلمين) يعيشون في أمن وأمان في أرض الحرمين الشريفين». وقال إنه يعرف شخصيا أن السعودية تعرضت لضغوط لتسليم المعارضين التونسيين، ولكنها رفضت كل ذلك بشدة ولم تتعرض لأحد، وهو شخصيا كان معارضا لنظام بن علي، وسنويا كان يذهب لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام، ولم يوقفه أو يتعرض له أحد، وأكد أن السعودية مشت على نهجها الذي تبنته منذ زمن بعيد ولا أعتقد فيه أي مساس بالشعب التونسي وإرادة الشعب التونسي ولا فيه أي تدخل في الشؤون الداخلية، مشيرا إلى أن استضافة السعودية للرئيس المخلوع هو أمر سيادي سعودي جنب الشارع التونسي حمام دم لو تمسك واستمات بالسلطة ورفض مغادرة البلاد.

إلى ذلك تتحدث أوساط المتابعين للشأن التونسي عن «تيار سلفي» استطاع أن ينمو في البلاد على الرغم من سياسة «تجفيف المنابع» التي اتبعها النظام السابق منذ أوائل تسعينات القرن الماضي.

ظل هذا التيار يزحف في «صمت» في ظل أجواء معادية لكل ما هو إسلامي. وهو تيار لم يكن عابرا على المجتمع التونسي كما ردد البعض، بل إن المعطيات تؤكد أننا أمام «حالة ثقافية دينية سلوكية يتبناها وينافح عنها بكل ثقة فئات من المجتمع، وخاصة الشباب»، على حد قول سامي إبراهيم، في دراسته «السلفية في مناخ تونسي».

وقد ظلت السلفية - كحال باقي الإسلاميين - تمثل هاجسا كبيرا للنظام السابق، الذي اتبعت أجهزته طرقا كثيرة في محاربتها، بعضها إعلامي وثقافي وبعضها أمني انتهى بمحاكمة وسجن عدة آلاف من الشباب، بحسب إحصائيات منظمة العفو الدولية. وشهد كل من عامي 2008 و2009 تحركات ملحوظة لوزارة الشؤون الدينية (الأوقاف) بإصدار كتب ومطبوعات تدعو إلى التصدي للفكر السلفي الذي تصفه بـ«الدخيل».

وعقب سقوط نظامه، نشرت وسائل الإعلام وثيقة لوزارة الداخلية في عهد بن علي، بتاريخ 2008، تؤكد تشديد الرقابة على الإسلاميين ومن يتواصل معهم، إلى جانب مراقبة مقاهي الإنترنت، وإحكام الرقابة على المترددين عليها، والنساء المحجبات والمترددين على المساجد. وفي فقرة منها يطلب التعميم «مواصلة الاهتمام بالعناصر النسائية المرتدية للزي الطائفي»، يقصد النقاب و«تعميق التحريات» عنهن.

أما حركة النهضة فهي الأكثر تمثيلا للتيار الإسلامي في تونس، لكنها تنفي ذلك منذ كان اسمها «حركة الاتجاه الإسلامي».. فهي تقول إنها لا تحتكر الإسلام في تونس وتقر بحق جميع التونسيين في التعامل مع الدين.

وغيرت اسمها من «الاتجاه الإسلامي» إلى حركة «النهضة» في عهد بن علي، حتى تتكيف مع قانون الأحزاب الذي يرفض أي حزب يتخذ الدين مرجعية له، لكن ذلك لم يكن كافيا للحصول على الاعتراف القانوني. لم تعد حركة النهضة حاليا بنفس قوتها في الماضي بسبب هجرتها الطويلة والقمع الذي تعرضت له طوال سنوات حكم بن علي، بل إنها تبدو حاليا كما يقول خبراء معنيون بالشأن التونسي مبتورة الصلة بالواقع والمجتمع. وتواجه حاليا على الصعيد الديني حال عودتها للأضواء وللنشاط داخل تونس منافسة من تيار صاعد وهو التيار السلفي الذي لا يعرف أحد حجمه الحقيقي، والذي قد يرشحه الانفتاح الجديد للتحول إلى قوة سياسية. لكن تظل حركة النهضة الطرف الأول المنظم داخل الساحة الإسلامية التونسية، وظلت تطالب طوال السنوات الأخيرة بالإصلاح السياسي، ويقول قادتها إنهم مع تغيير سلمي ومتدرج نحو نظام تعددي وديمقراطي، ويرون أنهم جزء من تحالفات أوسع، تضم عددا من الأحزاب الديمقراطية المؤمنة بالإصلاح.