العطلات الدينية غير الرسمية تثير جدلا في العراق

«الشرق الأوسط» ترصد آراء شخصيات شيعية

موكب شيعي يغادر بغداد أمس سيرا على الأقدام إلى كربلاء للمشاركة في إحياء أربعينية الحسين (أ.ف.ب)
TT

يتجه الملايين من شيعة العراق، ومن جميع مدنه، مشيا على الأقدام إلى مدينة كربلاء لأداء شعيرة زيارة أربعينية الإمام الحسين. وتستقطب هذه المناسبة فئات مختلفة من أبناء المذهب الشيعي، بينهم الجامعي والأمي والموظف والعاطل عن العمل، والسياسي، من النساء والرجال.

وتسمى هذه الشعيرة بـ«البيادة» وهي كلمة فارسية تعني السير على الأقدام، إذ يستغرق وصول الأشخاص المشاركين بهذه الشعيرة من البصرة إلى كربلاء أكثر من أسبوعين، ومن بغداد أكثر من أسبوع، ومن النجف أربعة أيام.

وقال علي عبد الحسين، وهو أحد المشاركين في الذهاب مشيا على الأقدام من حي العامل ببغداد إلى كربلاء، إن «المشاركة في هذا الطقس مهمة جدا بالنسبة لي، فأنا أمشي للمرة السابعة بعدما كنا في عهد النظام السابق محرومين من أداء طقوسنا الشيعية». وأضاف قائلا لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف وهو بالقرب من مدينة المحمودية، جنوب بغداد، أمس «أنا وعائلتي في طريقنا الآن إلى كربلاء ونحن لا نشعر بالتعب، فقد هيأ الخيرون لنا الماء والطعام ومحطات الاستراحة بما فيها النارجيلة والشاي على طول الطريق وذلك على حساب تبرعات الأغنياء التي تبلغ ملايين الدولارات سنويا»، مشيرا إلى أن «هناك موجات بشرية يزدحم بها الطريق متوجهة لزيارة ضريح الإمام الحسين في مدينة كربلاء».

وقال عضو في مجلس النواب العراقي، إن «زيارة الأربعينية التي تصادف الـ24 من الشهر الحالي، شلت عمل الدولة والبرلمان والدراسة، حيث تعطل مجلس النواب لـ12 يوما، كما تم تأجيل امتحانات نصف السنة في جميع المراحل الدراسية، واتجه بعض الوزراء وأعضاء مجلس النواب للمشاركة في هذه الزيارة»، مشيرا إلى أن «كل المواعيد الرسمية مؤجلة إلى ما بعد الزيارة». وأضاف النائب الذي فضل عدم نشر اسمه، قائلا لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من بغداد، أمس، «أنا شيعي أيضا لكنني من دعاة بناء دولة مدنية لا دينية ولا طائفية، ونحن بحاجة لأن نستغل الوقت لأداء مهماتنا البرلمانية بعدما تأخرنا لأكثر من 8 أشهر في سجالات سياسية أضرت كثيرا بالبلد والناس».

واستغرب الكاتب والباحث الإسلامي العراقي، غانم جواد، المستشار الثقافي لمؤسسة الحوار الإسلامي في لندن تعطيل البرلمان والدولة، وقال «نحن نأمل في العراق الجديد بناء دولة مدنية لا تتعطل لمناسبة دينية ولا تقف هذه المناسبة في طريق بناء مؤسساتها». وأضاف أن «مثل هذه المناسبة غير موجودة في جداول العطل الرسمية في القانون العراقي، وإذا كان لا بد من اعتبارها عطلة فليكن يوما واحدا»، منبها إلى أن «مثل هذه الممارسات سوف تفرق وتعزل بقية مكونات الشعب العراقي التي لا تدخل مثل هذه المناسبة ضمن قومياتها أو أديانها أو مذاهبها».

بدوره، قال الباحث ورجل الدين الشيعي جواد الخوئي، الأمين العام المساعد لمؤسسة الإمام الخوئي الخيرية في لندن، والمسؤول عن نشاطات المؤسسة في العراق، إن «موضوع تخصيص عدد من الأيام كعطلة رسمية بهذه المناسبة أو تلك هي من مسؤولية مجالس المحافظات وليست من مسؤولية رجال الدين أو المؤسسة الدينية سواء كانت شيعية أو سنية، وهو إجراء قانوني ودستوري حسب صلاحيات هذه المجالس التي تعد بمثابة حكومات محلية»، مشيرا إلى أن «ما يتعلق بموضوع تخصيص البرلمان عطلة لأعضائه أو أن يتم تأجيل الامتحانات فهذه مسؤولية البرلمان والحكومة ولم نسمع أن المرجعية اقترحت أو أعطت عطلة لدوائر الدولة أو مؤسسات البرلمان». وقال الخوئي، وهو حفيد أشهر مراجع الشيعة في العالم، إن «هناك فتوى من جميع المراجع الكرام، وعلى رأسهم السيد السيستاني، تقول إن مخالفة القانون والنظام حرام، حتى لو كان المسلم في بلد غير إسلامي، إذ تعد مخالفة إشارة المرور حرام، فكيف إذا كان الموضوع يتعلق بالمصلحة العامة، مع أن رجال الدين يقرون بأن زيارة ضريح الإمام الحسين مستحبة، لكن هذه الزيارة إذا تتسبب في إضرار بالمصلحة العامة أو تحدث اضطرابا في البلد فتترك ويجب تطبيق النظام». وأسند الخوئي، مسؤولية تأجيل الامتحانات أو تعطيل البرلمان إلى «الحكومة ومجلس النواب وكان عليهم أن يتحلوا بالجرأة ويصروا على أن تؤدى الامتحانات في موعدها وأن لا يعطل البرلمان، فهم من يشرعون القوانين والدولة من تطبقها».

ويرى منتصر الإمارة، رئيس اتحاد البرلمانيين العراقيين، أن «موضوع الشعائر الحسينية لا ينشأ بقرار ولا ينتهي بقرار سواء من البرلمان أو الحكومة، وهناك تجربة عندما تم منع الشيعة من ممارسة شعائرهم في عهد صدام حسين فإن رد فعلهم بعد تغيير النظام جاءت على شكل مشاركة الملايين بهذه الشعائر لشعورهم بالظلم سابقا». وقال عبر الهاتف من البصرة أمس «إن أي قرار بمنع هذه الشعائر سوف يتسبب بمشكلات كثيرة وسيكون هناك رد فعل قوي من الناس التي تجد في هذه الممارسات متنفسا للأوضاع التي يعيشونها».