رئيس وزراء الهند.. سمعة حسنة في الخارج ومشكلات لا حصر لها في الداخل

خصومه يصفونه برئيس وزراء بالوكالة لغاندي.. ومؤيدوه يشددون على نظافة يده ودوره الأساسي في الإصلاحات

مانموهان سينغ
TT

قليلون هم الزعماء الذين يحظون بتقدير عالمي يفوق ذلك الذي يحظى به رئيس الوزراء الهندي، مانموهان سينغ، الذي وصفه الرئيس الأميركي باراك أوباما بالشخصية التاريخية والصديق المقرب والمستشار العزيز (وهكذا وصفه أيضا الرئيس السابق جورج بوش). وعندما صنفت مجلة «نيوزويك» قادة العالم وضعت سينغ في المقدمة، حيث لقي الثناء على تواضعه ونظافة يده، ووصفته بأنه «الزعيم الذي يحبه بقية الزعماء».

لكن رغم الثناء الذي يلقاه في الخارج، فإن سينغ يتعرض لهجوم حاد في بلاده، حيث يلقي منتقدوه على إدارته باللائمة في التردد والتراخي في اتخاذ القرارات المصيرية، كما تحاصر حكومته انتقادات كثيرة نتيجة دعاوى الفساد واستفحال نسبة التضخم والتشاحن بين وزراء الحكومة. التزم سينغ رغم كل هذه الدعاوى الصمت وبدا متحفظا على الرغم من تصوير خصومه السياسيين له بأنه قائد ضعيف لإدارة تفتقد إلى التوجيه.

هذه الانتقادات المتزايدة لسينغ، الذي يرأس حكومة تحالف يقودها حزب المؤتمر، وصفها البعض بالضوضاء البيضاء للديمقراطية الهندية وتكرار جزئي للشكاوى القديمة، لكن التصور الشعبي لهذه الفوضى هو السبب الرئيسي وراء التعديل الجزئي الذي قام به سينغ على حكومته أمس.

ويعتقد محللون كثيرون أن على سينغ إعادة تكليف حكومته بالتعامل مع القضايا الرئيسية مثل الأمن الغذائي وإمدادات الطاقة والبنية التحتية، إضافة إلى الدفع باتجاه بدء الإصلاحات على الأرض والحكم. والأكثر من ذلك، كما يقولون، يتعين عليه اغتنام الفرصة للتعامل بشكل أوسع مع القصور المنهجي في الحكم الذي يعزز الفساد والذي يمكن أن يؤدي في النهاية إلى تقويض تطلعات الهند في أن تصبح قوة عظمى.

ويشهد الاقتصاد الهندي في الوقت الراهن نموا سنويا مطردا تبلغ نسبته 9 في المائة تقريبا. ويتوقع كثير من المحللين الاقتصاديين ازدهارا أطول مدى، يمكنه، إذا تم التعامل معه بشكل صحيح، أن يؤدي إلى تحول البلاد إلى قوة عظمى. وقد تعلمت الكثير من الشركات الهندية كيف تزدهر رغم الفساد الحكومي. لكن عددا قليلا من المحللين الاقتصاديين يعتقدون أن الهند قادرة على الانتعاش على المدى الطويل إذا حافظت الحكومة على الوضع القائم.

ويقول بهانو مهتا، رئيس مركز أبحاث السياسة، المعهد البحثي المستقل الرائد في نيودلهي: «هناك الكثير من الشكوك المحيطة بمستقبل الهند خلال السنوات الأربع إلى الخمس المقبلة، والتي إن لم يتم التعامل معها مع الحفاظ في الوقت ذاته على التقدم المطرد ستكون الأمور أكثر صعوبة خلال الأعوام القليلة الماضية. ونظرا للفرصة التاريخية التي تملكها الهند فإنهم يهدرون من بين أيديهم وقتا ثمينا».

عادة ما يسمو سينغ، الذي يعيش الآن عامه الـ78، فوق ضغائن السياسة اليومية في الهند، فقد بدأ الرجل حياته المهنية كخبير اقتصادي، ويعتبر أبا الإصلاحات الاقتصادية الهندية ويعزا إليه الانطلاقة الحالية التي شهدتها الهند. ومنذ بداية عمله كوزير للاقتصاد، بدءا من عام 1991، عمل على التخلص من العوائق التي خلفتها الحقبة الاشتراكية وأشرف على تحول الهند إلى دولة أكثر انفتاحا واقتصاد قائم على السوق. وفي أعقاب قيادة سونيا غاندي حزب المؤتمر الهندي للعودة إلى السلطة 2004 اختارت سينغ لرئاسة الوزراء.

دأب منتقدو سينغ على الاستخفاف به، معتبرين أنه رئيس وزراء بالوكالة لسونيا غاندي رئيسة حزب المؤتمر وابنها راؤول غاندي الوريث المرتقب للحزب كرئيس للوزراء. بيد أن سينغ أثبت خلاف ذلك عندما أبدى قادة حزب المؤتمر وحلفاؤه في التحالف الحاكم خلال توقيع الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة، حيث هدد سينغ بالاستقالة، ما يدعمه حزب المؤتمر بشأن الاتفاق، وهو ما فعله على الفور.

وخلال انتخابات عام 2009 وصفه زعماء المعارضة في حزب بهاراتيا جاناتا بأنه أضعف رئيس للوزراء شهدته الهند، لكن الناخبين أعادوا انتخاب حكومة التحالف التقدمي المتحد الذي يقوده حزب المؤتمر، وعندما تولت الحكومة الجديدة مهامها الرسمية كانت التوقعات كبيرة بشأنها.

الآن وبعد 20 شهرا في السلطة، واجه حزب المؤتمر الهندي عددا من الانتكاسات في الانتخابات التي جرت في ولاية بيهار حيث أثرت على شعبية فضائح الفساد المرتبطة بألعاب الكومنولث، ومنح الحكومة تراخيص لشبكات اتصالات من الجيل الثاني وعدد آخر من حالات فساد المسؤولين. ومن المؤكد أن سينغ يعمل تحت وطأة قصور سياسات التحالف الهندية، لكن مجلسه الوزاري شهد الكثير من الأزمات المتكررة بين أعضائه، بل إن رئيس الوزراء نفسه بدا بطيئا في التعامل مع أزمات بعينها، على حسب قول منتقديه. فعندما اندلعت الاضطرابات والمظاهرات في كشمير الصيف الماضي، انتظر سينغ طويلا ليتدخل بقوة، وعلى الرغم من عدم ارتباطه بأي من الفضائح، فإن الانتقادات وجهت إليه بعدم قدرته أو عدم رغبته في اتخاذ موقف حاسم ضد الفساد والتقدم باتجاه الإصلاح. وتقول نيرمالا ثيزارامان، المتحدثة باسم حزب بهاراتيا جاناتا: «على الرغم من نظافة يده فإنه يقود حكومة مسؤولة عن كم هائل من الخسائر في ميزانية الدولة».

من جانبه رد سانجايا بارو، المتحدث الأسبق باسم رئيس الوزراء أن الفضائح وقعت في الوقت الذي بدا فيه تأثير سينغ على مجلس الوزراء يتلاشى بالفعل. فقد أجبر على التراجع عن عرض تحسين العلاقات مع باكستان التي بدا أنها تجاوزت إملاءات قادة حزب المؤتمر الآخرين. وقد تمت المصادقة على أبرز إنجازاته - الاتفاق النووي - بوضع شرط مسؤولية ربما تمنع الكثير من مزودي الخدمة النووية من بناء منشآت للطاقة في الهند.

وعلى مدار أسابيع امتلأت طاحونة الشائعات السياسية في الهند بالتخمينات من أن سينغ قد يدفع خارج الحكومة على الرغم من عدم اعتقاد غالبية المحللين باحتمالية هذا الأمر بالنظر إلى المكانة العالمية التي يتمتع بها سينغ ومكانته في البلاد. ويسود اعتقاد واسع النطاق أن السيدة غاندي تعد ابنها ليكون مرشحا لرئاسة وزراء الحزب في عام 2014، لكن ثقتها في سينغ تبدو غير مهتزة حتى الوقت الحالي. وعلاوة على ذلك، فإن حلفاء رئيس الوزراء يرفضون أي اقتراح بإمكانية إبعاد سينغ. ويقول جايرام راميش، وزير البيئة: «ربما يبدو ضعيفا من الخارج، لكنه من الداخل، في غاية الوضوح بالنسبة لما يفعله». من جانبه وصف هاريش خاري، المتحدث باسم رئيس الوزراء هذه الانتقادات بأنها «ضجيج ديمقراطي»، مشيرا إلى أن النظام البرلماني الهندي، إضافة إلى تقاليد حزب المؤتمر الهندي تمنع رئيس الوزراء من العمل منفردا. وقال: «اتخاذ القرار عملية جماعية، والأفراد يتوقعون من رئيس الوزراء أن يكون رئيسا على النموذج الرئاسي للولايات المتحدة، لكن ذلك ليس أسلوب سينغ، فهو يعتمد على القيادة الهادئة».

بيد أن غالبية المحللين يرون أن على حكومة سينغ أن تستعيد مصداقيتها لدى الشارع الهندي. ففي يوم الاثنين الماضي نشر عدد من رجال الأعمال والشخصيات البارزة في المجتمع الهندي رسالة مفتوحة يطالبون فيها من سموهم «قادتنا» إلى مواجهة الفساد والبدء في عمليات الإصلاح والمحاسبة. وأشار بارو، المتحدث السابق باسم رئيس الوزراء إلى أن التغيير الوزاري ربما يكون الخطوة الأولى لذلك. وقال بارو: «الآن، الجميع يقولون إنه لا يقوم بشيء ما، وهذه أزمة حقيقية، فهو بحاجة إلى فريق جديد وأجندة جديدة ليؤكد أنه عاد إلى السلطة من جديد».

* خدمة «نيويورك تايمز»