صدمة في لبنان بعد إعلان الفيصل رفع السعودية يدها عن الوساطة

«8 آذار» تربطه بـ«فيتو» أميركي... و«14 آذار» تعتبره جرس إنذار

العلم السعودي يرفرف، أمس، في الطريق الجديدة في بيروت قبالة صورة ضخمة لرئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري بعد أن أصدرت المحكمة الدولية قرارها الظني في جريمة اغتياله (رويترز)
TT

أحدث إعلان وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، أن المملكة العربية السعودية «رفعت يدها عن الوساطة التي أجرتها مع سورية لحل الأزمة في لبنان»، صدمة على الساحة اللبنانية، ولدى فريقي الأزمة على حد سواء. وتباينت تفسيرات القوى السياسية للإعلان السعودي الذي تزامن مع تحرك قطري - تركي في بيروت، انبثق عن القمة الثلاثية في دمشق. وبينما عبرت أوساط رئيس مجلس النواب نبيه بري وقوى «8 آذار» عن استغرابها لما تضمنه تصريح الفيصل وعزته إلى «الفيتو» الأميركي على دور المملكة، أكدت قوى «14 آذار» أن وزير الخارجية السعودي دق ناقوس الخطر حيال ما يجري في لبنان، لكنها جزمت بأن السعودية لن تترك لبنان وحيدا في مهب الأزمة.

وكان الأمير سعود الفيصل قد أشار أمس إلى أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز اتصل مباشرة، «رأسا برأس» بالرئيس السوري بشار الأسد، وكان الموضوع بين الرئيسين الالتزام بإنهاء المشكلة اللبنانية برمتها، «ولكن لم يحدث ذلك». وكشف الفيصل أن «الملك عبد الله رفع يده عن هذه الاتفاقات»، ووصف الوضع في لبنان بـ«الخطير»، معتبرا أنه «إذا وصلت الأمور إلى الانفصال والتقسيم، يكون لبنان انتهى كدولة تحتوي على هذا النمط من التعايش السلمي بين الأديان والقوميات والفئات المختلفة». ورأى أن غياب هذا النموذج «سيكون خسارة للأمة العربية كلها».

وسارعت أوساط رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى استغراب صدور هذا الكلام عن وزير الخارجية السعودي، وأكدت أن «رئيس وزراء قطر ووزير الخارجية التركي أكدا أثناء التشاور في اليومين الماضيين أنهما لم يتحركا إلى لبنان إلا بعد أن تقرر ذلك في قمة دمشق، وبعد إجراء اتصال مع الجانب السعودي الذي أكد القرار بالتحرك إلى لبنان، بموافقة سعودية كاملة».

وأجرى الرئيس سعد الحريري، مساء أمس، اتصالا هاتفيا بالأمير سعود الفيصل، جرى خلاله التداول في مستجدات الوضع اللبناني. وقد أطلع الرئيس الحريري الوزير الفيصل على مجريات التحركات الجارية لمعالجة الأوضاع في لبنان، والتي ترتكز في الأساس على جهود خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والمساعي السعودية - السورية . بدوره، أكد الفيصل «وقوف المملكة العربية السعودية مع أي جهد يبذل لتوفير عوامل الاستقرار في لبنان».

وفي موقف لافت، أكد مصدر مطلع في حزب الله لـ«الشرق الأوسط» أن من «مصلحة الجميع إفساح المجال أمام استكمال الاتصالات العربية والإقليمية، وخصوصا السعودية - السورية». وقال: «نحن مع فكرة أن تعود المساعي إلى التلاقي من جديد، لأنه لا مصلحة لأحد بترك البلد ينهار ويذهب إلى المجهول أكثر مما هو عليه اليوم».

واعتبر وزير السياحة في حكومة تصريف الأعمال فادي عبود (من حصة النائب ميشال عون)، في اتصال مع «الشرق الأوسط»، أن «أسبابا وراء الموقف السعودي، وهو عدم التجاوب مع بعض طروحاتها»، وقال: «لم تعودنا المملكة العربية السعودية ترك الوضع اللبناني، وهو ما عودتنا إياه إبان الحرب الأهلية وبعدها، خصوصا اتفاق الطائف الذي لا يمكن لأحد أن ينساه». وأضاف: «كنا نتمنى أن تستمر خارطة طريق الـ(س – س)، لأنها الطريق الوحيدة المفتوحة أمام الحل»، و«نأمل أن تعيد القيادة السعودية النظر في موقفها والعمل للتوصل إلى وجهة نظر ترضي جميع الأطراف». وتمنى على السعودية «أن يكون لها أذنان» بحيث «تسمع وجهة نظر المعارضة كما تسمع وجهة نظر الموالاة».

ورأت مصادر في قوى «8 آذار»، مواكبة للجهود السورية – السعودية وللتحرك التركي - القطري في لبنان، في اتصال مع «الشرق الأوسط»، أن «موقف الوزير الفيصل المستجد مرتبط على ما يبدو بـ(الفيتو) الأميركي على الدور السعودي، وليس على مضمون المبادرة السعودية - السورية بحد ذاتها». واعتبرت أنه «جاء كذلك نتيجة لانسجام رئيس الحكومة سعد الحريري مع التوجه الأميركي»، منتقدة «المحاولات الأميركية الحثيثة للدخول على خط الأزمة اللبنانية».

أما لجهة قراءة قوى «14 آذار» للموقف السعودي، فقد أكد النائب في كتلة «المستقبل» أحمد فتفت، لـ«الشرق الأوسط»، أن موقف وزير الخارجية السعودي هو «جرس إنذار» من أجل أن يتحمل كل طرف مسؤولياته، لأن لبنان «بات أمام وضع خطير للغاية»، مشيرا إلى أن «الكلام السعودي واضح ويدق ناقوس الخطر قبل فوات الأوان». وقال: «إن المبادرة السعودية - السورية قامت على ثقة متبادلة بينهما، واقتضت أن يلتزم كل فريق بتنفيذ تعهداته، لكن تبين للمملكة أن ثمة طرفا لا يريد الالتزام بما تعهد به، وأراد أن يقول للجميع إنه تم تجاوز الخطوط الحمر». وإذ شدد على أن السعودية لن تترك لبنان لمصيره ويتخبط في أزماته، لفت فتفت إلى أن «ما حصل بالأمس (الأول) في أحياء بيروت أزعج كل الناس، فكيف الحال بالنسبة للذين يبذلون جهودا مضنية لحل أزمة بهذا الحجم»، واصفا ما حصل بأنه «تصرف غير مسؤول من فريق غير مسؤول».

وأبلغ نائب رئيس حزب «الكتائب» سجعان قزي، «الشرق الأوسط»، اعتقاده أنه «لا يمكن للمملكة أن ترفع يدها أو بالأحرى أن تجمد مساعيها باتجاه الأزمة اللبنانية لو لم تصل جهودها السابقة إلى الحائط المسدود، نتيجة تصلب أطراف عرب وإقليميين ولبنانيين في مواقفهم حيال الوساطة التي كانت تقودها السعودية مع أطراف مختلفة». ورأى أن «التصريح الذي أدلى به وزير الخارجية ينم عن محبة للبنان لا عن غسل أيديه من لبنان، لأن الصديق هو من صارح صديقه لا من موه عليه الحقيقة، ولا عجب من أن يتخذ سموه هذا الموقف، فلطالما اتسمت مواقفه بالصراحة والجرأة تجاه كل أزمات المنطقة وأنظمتها». وتوقع قزي أن تكون السعودية قد «لمست أن المحور السوري - الإيراني، وإن كان يرغب في لعب دور ما على صعيد معالجة الوضع اللبناني، إلا أن معالجته لا تنسجم مع النظرة السعودية لا بل مع نظرة اللبنانيين كشعب». وفي ما يتعلق بتحذيره من خطورة الوضع والتقسيم، أكد قزي أن «سموه لم يتخيل شيئا، لأن الوضع اللبناني مضطرب وما حصل في الـ48 ساعة الأخيرة ويحدث كل يوم من دون تصد صارم له يؤشر على احتمال تدهور الوضع الأمني، أما من ناحية تحذيره من التقسيم، فالقاصي والداني يعرف أن لبنان دولة معطلة من فوق ومقسمة من تحت».

إلى ذلك، رأى النائب في كتلة «المستقبل» جمال الجراح أن «السعوديين يئسوا من عدم تنفيذ الالتزامات التي أعطيت لهم مباشرة»، معتبرا أن «من يغير دفتر الشروط يعني أنه لا يريد الحل، ومن يتهم أميركا الآن بتعطيل المفاوضات كان ليقطع الطريق عليها وينفذ تعهداته». وأوضح أن «الجهود القطرية - التركية منطلقة مما كان متفق عليه في مبادرة الـ(س.س)»، مشيرا إلى أن «فريق (8 آذار) لم ينفذ تعهدات قطعها على نفسه، مما دعا السعودية إلى الشعور بالإحباط من المفاوضات». وكان وزير الدولة في حكومة تصريف الأعمال عدنان السيد حسين، أعرب عن اعتقاده أن «الضغط الدولي هو الذي أفشل المبادرة، سواء كان أميركيا أو غيره»، متمنيا «لو احتضن اللبنانيون هذا المسار سابقا». وشدد على «ضرورة الوحدة بين اللبنانيين، والتوجه إلى سياسة التوافق التي يرعاها رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وبقاء العلاقة السعودية - السورية متينة».

وشدد وزير الدولة في حكومة تصريف الأعمال وائل أبو فاعور، المحسوب على النائب وليد جنبلاط، على أنه «لا خيار أمام أي من القوى السياسية اللبنانية إلا العودة إلى روحية ومضمون الاتفاق والمسعى السعودي - السوري الذي كان قائما لحماية لبنان من ارتداداته، وللدخول في تسوية تاريخية بين اللبنانيين».