سورية ترفض السير في مشروع ساركوزي لتسوية الأزمة اللبنانية

TT

على الرغم من تأكيدات وزارة الخارجية الفرنسية ومصادر الإليزيه حول التحضير لمؤتمر قريب لـ«مجموعة الاتصال» التي تسعى فرنسا لتشكيلها من أجل مواكبة الأزمة السياسية اللبنانية الراهنة بشقيها؛ وهما ملء الفراغ الحكومي من جهة، ومسألة المحكمة الدولية من جهة أخرى، فإن المساعي الفرنسية تصطدم بعقبة كبيرة سببها رفض سورية السير في العملية.

وقالت مصادر دبلوماسية واسعة الاطلاع في باريس لـ«الشرق الأوسط» إن جهود باريس لإقناع دمشق بالسير في موضوع مجموعة الاتصال «لم تلاق أصداء إيجابية» من الجانب السوري. وتفسر باريس موقف سورية السلبي بـ«عدم رغبة دمشق في التفريط بالأوراق التي تمتلكها، وتفادي ما تعتبره تدويلا» للملف اللبناني في الوقت الذي تبدو فيه الطرف الأقوى والقادر على التأثير على «الوجهة» التي يمكن أن تسلكها الأوضاع في لبنان.

ويبين الرفض السوري أن قدرة باريس في التأثير على دمشق، وفق هذه المصادر، «محدودة للغاية» بحيث إن العلاقات الناشئة بينها وبين دمشق «لا تكفي» لحمل الجانب السوري على التزام مواقف تراعي فيها رغبات فرنسا وتصورها لكيفية إدارة الملف اللبناني. كذلك لم يجدِ مع دمشق «إغفال» بيان قصر الإليزيه، ليل الأحد - الاثنين الماضي، إدراج مصر ضمن «مجموعة الاتصال» على الرغم من أن هذا «الإغفال» اعتبر «هدية» فرنسية لدمشق لحفزها على قبول مبادرتها.

وتشكك المصادر الدبلوماسية في إمكانية تشكيل مجموعة الاتصال من غير مشاركة الطرف السوري فيها باعتباره «الوحيد» القادر على التأثير إن لم يكن «الضغط» على المعارضة اللبنانية مثلثة الأضلاع (حزب الله و«أمل» وتيار العماد عون)، وبالتالي، فإن أي «مبادرة» يمكن أن تقوم بها لجنة الاتصال في حال أنشئت واجتمعت «لن تكون ذات جدوى إن لم تقبلها سورية». وحتى تاريخه، لم يعرف مستوى لجنة الاتصال التي يسعى إليها الرئيس ساركوزي الذي يجد نفسه أمام خيارين: إما المستوى الرئاسي، أو المستوى الوزاري (وزراء الخارجية). والسؤال الذي تواجهه باريس في حال استقر الرأي على المستوى الوزاري هو: من سيمثل لبنان؟ كون حكومته مستقيلة وأطراف الحكم منقسمين حول كل شيء، وبالتالي لا يعرف ما إذا كانت كل الأطراف تقبل بأن يمثل لبنان وزير خارجية حكومة تصريف الأعمال علي الشامي، لأن الموضوع الذي سيطرح سيتناول المواقف التي يدافع عنها والتي تتعارض مع مواقف الأفرقاء الآخرين.

وكان التصور الأول لمجموعة الاتصال يفترض عضوية الولايات المتحدة الأميركية والسعودية وتركيا وقطر وسورية لها بالإضافة إلى فرنسا ولبنان.

وترى المصادر الدبلوماسية أن اجتماعا للمجموعة العتيدة «لا يجوز أن يعقد من غير لبنان» رغم سابقة قمة دمشق الثلاثية التي عقدت وسط غياب لبناني؛ إذ إن باريس كما تقول مصادرها وكما تؤكد باستمرار «حريصة على تفعيل وتقوية المؤسسات اللبنانية»، وبالتالي، فإن أي اجتماع دولي يلتئم من غير لبنان وللبحث في الشؤون اللبنانية «يأتي بعكس ما تدعو إليه فرنسا». وفي أي حال، ترى هذه المصادر أن ثمة حاجة لتكون فرنسا اليوم على «تواصل مع الفرقاء كافة وأن لا تقف إلى جانب فريق من دون آخر، لأن من شأن ذلك أن ينزع منها الورقة التي تتسلح بها وهي قدرتها على التحاور في الداخل مع الجميع بمن فيهم حزب الله» ومع الأطراف المؤثرة في الخارج باستثناء إيران. وثمة رأي فرنسي ذائع قوامه أن الحوار مع دمشق «يغني» عن الحوار مع طهران.

وقالت الخارجية الفرنسية أمس إن باريس «تدعم السلطات اللبنانية، وما زالت متمسكة باحترام المؤسسات وبالإطار الذي حددته اتفاقيات الطائف، فضلا عن احترام مبادئ الديمقراطية واستقرار وسيادة واستقلال لبنان». ودعت باريس إلى «توحيد جهود اللاعبين المهمين» في المنطقة من أجل مساعدة اللبنانيين وممثلي المؤسسات اللبنانية على تشكيل حكومة جديدة والتوصل إلى حلول للأزمة الراهنة عبر الحوار.

ولم تؤكد الخارجية أمس خبر إمكانية توجه «الوسيطين» اللذين يقومان حاليا بمساع للوساطة وهما رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها الشيخ حمد بن جاسم ووزير خارجية تركيا أحمد أوغلو، إلى باريس. وأفادت مصادر مطلعة في باريس أن المملكة العربية السعودية وافقت على تشكيل مجموعة الاتصال التي وافقت عليها كذلك تركيا وقطر.

واليوم تبدأ وزيرة خارجية فرنسا ميشيل أليو ماري التي اتصلت مرتين بنظيرها التركي للاطلاع منه على سير الوساطة وعلى نتائج قمة دمشق، جولة شرق أوسطية تقودها تباعا إلى أراضي السلطة الفلسطينية وإسرائيل وغزة والأردن ومصر. وسيكون الملف اللبناني موضع تباحث إلى جانب ملف مفاوضات السلام المتوقفة.