الشارع اللبناني مضطرب ويعد العدة للأسوأ.. والمؤشر فقدان المواد الغذائية

بعد استعراض حزب الله عضلاته في بيروت

TT

يبدو أن حزب الله حقق مراده من تحركه في الشارع مع الإعلان عن صدور القرار الظني من المدعي العام الدولي القاضي دانيال بلمار، وبالتالي بدء مرحلة ما سماها بـ«ما بعد القرار الاتهامي».

ويبدو أنه توخى «هز العصا» للداخل والخارج معا، ليذكر أنه الأقوى عسكريا على الأرض وأن خيار الشارع يبقى متاحا وجاهزا للاختبار في أي لحظة. وقد تكون إثارة الرعب والهلع في نفوس اللبنانيين جزءا من اللعبة الكبرى للضغط على المعنيين بهدف القبول بشروط حزب الله ومطالبه للتسوية، فالصدمة التي عاشها المواطن اللبناني المتجه إلى عمله صباح يوم الثلاثاء الماضي كانت أكبر من أن تنحسر مع خروج عناصر قوى 8 آذار من الشارع، فهي طبعت يومياته وحتى أصغر تفاصيل حياته اليومية.

بالأمس، فقدت المواد الغذائية الأساسية في المحال التجارية مع اقتناع اللبنانيين بأن ما حصل ليس إلا «بروفة» لما هو مقبل. وها هو أبو وديع (56 عاما) يشتري الحليب والزيت والسمنة والأرز، فإمكاناته لم تسمح له بالتمادي في شراء المونة ويقول: «لقد باغتتنا الأزمة ونحن في منتصف الشهر، أي إن الراتب قد صرف لا بل استدنا لنكمل ما تبقى منه»، هو يتوجه بعد شراء حاجاته إلى أقرب محطة وقود لتخزين ما أمكن من بنزين، في ظل ما يشاع عن إمكانية وقف إدخال المواد النفطية إلى لبنان.

صونيا ميلاد (40 عاما) تتردد يوميا في إرسال أطفالها إلى المدرسة، هي تستيقظ كل يوم فتتجه مباشرة إلى شاشة التلفزيون للاطلاع على آخر المستجدات، فإن راقها ما سمعت وشاهدت أيقظت أطفالها الثلاثة وجهزتهم للخروج، وفي حال راودها أدنى شك في احتمال تدهور الوضع الأمني فهي لا تجازف بحياة أطفالها الذين تبعد مدرستهم نحو نصف الساعة عن المنزل وتقول: «لا شيء يدفعني للمجازفة بحياة أطفالي، فما عشته منذ يومين فور شيوع خبر انتشار عناصر حزب الله في الشارع لم أعشه في حياتي. خرجت من منزلي كالمجنونة باتجاه المدرسة لأعيد أطفالي، وعندما لم أجدهم هناك فقدت أعصابي تماما».

حالة صونيا المأساوية تبقى أقل حدة من حالة كثير من الأهالي، خاصة أنها تعيش في «المنطقة المسيحية»، حيث يبدو أن الوضع ممسوك لأن أي تحركات مقبلة يتوقع أن تطال المنطقة «المسلمة المقابلة». ويقول رأفت (60 عاما): «نحن نتحضر للأسوأ، بالأمس أعلنت المملكة العربية السعودية سحب يدها من الملف اللبناني، مما يعني أن الوضع مترد إلى أبعد الدرجات وأن خيارات المواجهة والحرب غلبت خيارات الحوار والتسوية». رأفت لم يقم بأية تحضيرات استثنائية لمواجهة المرحلة المقبلة بعكس عفت (38 عاما) التي توجهت لتخزين ما أمكنها من خبر وطحين وهي تقول: «»لماذا ندع الانفجار يباغتنا... قررت أن أباغته..».

ولعل تراجع حركة السير، وعدد المتسوقين الذين كانوا ينتظرون وبفارغ الصبر فترة التخفيضات على الأسعار، أكبر دليل على أن اللبنانيين يستشعرون خطر الانفجار. كما أن جولة سريعة على المجمعات التجارية الكبرى التي كانت تشهد يوميا في فصل الشتاء حركة غير اعتيادية، تؤكد أن الأزمة بلغت كل طبقات المجتمع اللبناني الذي بات يترقب ما ستنتجه المساعي الخارجية بعد جزمه بعدم قدرة زعمائه على انتشال بلدهم مما يتخبط به.

ولعل العنصر الوحيد الطريف في هذا الموضوع هو ترقب الصغار صدور القرار الظني، فمحمد (5 سنوات) يسأل والده يوميا عند رجوعه مساء إلى المنزل إذا حمل معه القرار الظني، حتى إنه يفتش جيوبه للتأكد من الموضوع. كما أن بعض الأهالي جعلوا من القرار المنتظر «فزاعة» لتهديد أولادهم، فأم وليد تهدد ابنتها الصغرى فاطمة (6 سنوات) يوميا بأن القاضي بلمار قد يصدر قرارا بحقها فيأتي رجال الأمن لإلقاء القبض عليها وسجنها في زنزانة مظلمة، في حال لم تقم بما يترتب عليها من واجبات مدرسية.

وتكثر التوقعات وحتى المراهنات، وخاصة بين كبار السن الذين يتجمعون يوميا على كورنيش المنارة للعب الطاولة، ففي وقت يؤكد قسم منهم أن الأزمة لن تحل هذه المرة إلا بعد معركة يجزم القسم الآخر أن الوضع لن ينزلق لحرب أهلية وسيبقى ممسوكا إلى حد ما حتى ولو تخلله بعض المناوشات في الشارع. ويبقى لأبو حسن (77 عاما) رأي آخر في الموضوع ويقول: «حزب الله أنذر وكما يقال أعذر من أنذر، لذلك فليفهموا الرسالة ويرضخوا لمطالبنا وإلا فالآتي أعظم».