تونس: استقالة 5 وزراء من الحزب الحاكم السابق وإقرار مشروع قانون عفو عام يشمل الإسلاميين

تنحي وزير مقرب من بن علي.. والجيش يطلق النار في الهواء لمنع الهجوم على مقر «التجمع»

تونسيون يحتجون أمام مقر الحزب الحاكم بينما وقف عنصر من الجيش يراقب الوضع (إ.ب.أ)
TT

واصل الآلاف من التونسيين أمس مسيراتهم الاحتجاجية الداعية إلى إقصاء التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم سابقا من الحياة السياسية. وشارك في المسيرات مثقفون ونقابيون وحقوقيون ومناضلون من مختلف الحساسيات الحزبية والفكرية وممثلي مكونات المجتمع المدني، وذلك في وقت أعلن فيه التجمع الدستوري في بيان حل مكتبه السياسي بسبب استقالة العديد من أعضائه.

وقال التجمع إنه «بسبب استقالة بعض أعضاء المكتب السياسي تبين أن هذه الهيئة باتت فعلا منحلة، وكلف الأمين العام محمد الغرياني مؤقتا بإدارة الشؤون العادية للحزب».

ويحتج الشارع التونسي وقسم من المعارضة بشدة على تولي ثمانية من أعضاء الحزب الحاكم سابقا مناصب وزارية مهمة في الحكومة الانتقالية التي تشكلت الاثنين، والتي يتولون فيها الحقائب السيادية.

ونقل المتظاهرون أمس فضاء الاحتجاج في العاصمة من شارع الحبيب بورقيبة إلى شارع محمد الخامس، حيث يقع مقر التجمع الدستوري الديمقراطي، فيما راقبت قوات الجيش في البداية الوضعية، واضطرت بعد ذلك إلى إطلاق الرصاص في الهواء لتحذير المتظاهرين من مغبة اقتحام مقر الحزب الحاكم السابق. وتحت ضغط الأعداد المتزايدة من المحتجين الذين قدر عددهم حسب بعض الأوساط النقابية بأكثر من خمسة آلاف محتج، أعطت قوات الجيش الأوامر لإنزال اللافتات العملاقة للتجمع من أعلى بنايته المكونة من 17 طابقا. وشوهد عمال في سطح البناية وهم ينتزعون اسم التجمع الدستوري الديمقراطي المكتوب باللون الأحمر، ويلقون بأجزاء منه على الأرض وسط هتافات المحتجين. وواصل المتظاهرون مطالبتهم بانتزاع اسم الحزب من الفضاء الأمامي لمقر الحزب إلا أن الاسم المكتوب بلون أصفر ذهبي، كان على علو شاهق مما اضطر قوات الجيش إلى الاستعانة بسلالم طويلة لم تستطع بدورها الوصول إلى العلامة المميزة للحزب. لكنها تمكنت من إسقاط اللوحة بالحبال الغليظة ورميها أرضا وسط صياح الحاضرين، والتقاط الصور للذكرى أمام المبنى المحاصر من قوات الجيش، التي حافظت على مبدأ الحياد تجاه ما يحصل من أحداث.

وشارك المنصف المرزوقي، رئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية في مسيرات بمدينة صفاقس (350 كلم جنوب العاصمة التونسية)، وعبر المتظاهرون عن رفض أي مظهر من مظاهر النظام السابق في مختلف دواليب تسيير وتصريف شؤون الدولة. وطالت الاحتجاجات ولايات (محافظات) عديدة مثل بنزرت وقابس وسيدي بوزيد ومدنين والكاف، طالبت في معظمها بحل التجمع الدستوري الديمقراطي وتشكيل حكومة إنقاذ وطني ووضع دستور جديد للبلاد.

وفي غضون ذلك، أعلن زهير المظفر، الوزير لدى رئيس الوزراء المكلف التنمية الإدارية استقالته من الحكومة الجديدة، وهو المعروف بدفاعه المستميت عن الحزب الحاكم. وقال المظفر في بيان وزعه على وسائل الإعلام، إنه راعى المصلحة العليا للوطن، وأدرك دقة المرحلة، ورغب في المساهمة في تخليص البلاد من الوضع الذي تردت فيه، وفي تحقيق الانتقال الديمقراطي.

ويعتبر المظفر أحد منظري القانون الدستوري والانتخابي في تونس وله عدد من المؤلفات في هذا الصدد مثل كتاب «مدخل إلى القانون الدستوري» 1994، و«جمهورية الغد:الأسس والأبعاد» 2002.

وأقرت الحكومة التونسية الانتقالية أمس في أول اجتماع لها مشروع قانون عفو عام، يشمل إسلاميي حزب النهضة. وهو قانون ستحيله على البرلمان لإقراره، كما أعلن وزير التنمية الجهوية أحمد نجيب الشابي. وبموازاة ذلك، تم الإعلان عن تعيين الطيب البكوش، وزير التربية ومدير المعهد العربي لحقوق الإنسان، الذي يوجد مقره في تونس، ناطقا رسميا باسم حكومة الوحدة الوطنية، وذلك خلفا لسمير العبيدي، الذي عين في الأيام الأخيرة للرئيس بن علي، وزيرا للاتصال (الإعلام)، وهي الوزارة التي تم إلغاؤها لاحقا، وأضيفت له بعد أيام مهمة الناطق الرسمي باسم الحكومة، وهي المهمة التي لم تكن موجودة في عهد الرئيس المخلوع. إلى ذلك، قدم خمسة من أعضاء حكومة الوحدة الوطنية المنتمون للحزب الحاكم في عهد بن علي استقالتهم من مسؤولياتهم الحزبية. ويتعلق الأمر بكل من كمال مرجان وزير الخارجية، ورضا قريرة، وزير الدفاع الوطني، وأحمد فريعة، وزير الداخلية، ومنصر الرويسي، وزير الشؤون الاجتماعية، وزهير المظفر، وزير لدى رئيس الوزراء مكلف التنمية الإدارية الذي استقال أيضا من الحكومة. فيما أعلن عن توقيف عبد الله القلال، رئيس مجلس المستشارين، حينما كان يعتزم السفر إلى فرنسا. وعلى صعيد ذي صلة، حددت مية الجريبي، الأمينة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي ثلاث أولويات للخروج من الوضع الراهن في تونس. وقالت في تصريحات أدلت بها لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن الخطوة الأولى تتمثل في المضي قدما باتجاه طرح كل الإعلانات والوعود موضع التنفيذ العملي، ثم العمل على توسيع المشاورات من أجل أن تكون الحكومة أكثر انفتاحا، وأن تكون تركيبتها من عناصر تمثل الطيف السياسي ومختلف الحساسيات الثقافية والفكرية. وقالت الجريبي إن الخطوة الثالثة تتمثل في إعادة الاستقرار الذي يبقى مرهونا بقضايا أمنية. ووصفت الجريبي المشهد الراهن في تونس بأنه مسار سياسي منطلق لتأمين ممر لحمل تونس إلى وضعية ديمقراطية مؤسساتية مهمتها إنقاذ البلاد عبر إرساء إصلاحات سياسية والتحفيز لانتخابات حرة ونزيهة. كما اعتبرت الجريبي، وهي إحدى أبرز وجوه المعارضة التي طالما تعرضت للإقصاء والتغييب طوال السنوات الماضية، أن الشارع يواصل التحرك، وأن المعارضة تؤكد على اجتثاث رموز النظام السابق، محذرة من خطر الالتفاف على ما حققته الانتفاضة. ولاحظت الجريبي أن الوضع الأمني سائر نحو العودة إلى طبيعته «رغم أننا لا نزال نسمع أصوات الرصاص بين الحين والآخر»، وهو ما يعني أن المجموعات المسلحة لا تزال موجودة، وهي تشكل خطرا حقيقيا، ولا تزال تحلم بعودة العهد السابق وتنفيذ سياسة الأرض المحروقة. وبشأن احتمالات محاكمة رموز النظام السابق المتورطين في مصادرة ثروة الشعب، قالت الجريبي إن المحاكمة أمر ضروري إلا أنها شددت على التصدي للفوضى والرغبة في الانتقام وعلى ضرورة الوقوف مع قانون عادل يحاكم كل من استبدوا واستولوا على مقدرات الشعب بصفة عامة، وهو ما يفترض وجود منظومة لا يرقى إليها شك، ويتطلب لجنة تقصي حقائق تقوم بالمهنة على قاعدة وقائع واضحة. على صعيد آخر، أعلن توفيق بن بريك (50 عاما) الصحافي المعارض لنظام الرئيس التونسي السابق أنه سيترشّح لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة.

وقال بن بريك في اتصال هاتفي مع وكالة الأنباء الألمانية: «قررت الترشّح إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة، وبرنامجي الرئاسي كتبته في مقال نشرته صحيفة «لوموند» الفرنسية يوم 13 يناير (كانون الثاني) الحالي.

وأضاف بن بريك: «كتبت خلال فترة حكم الرئيس المخلوع 11 كتابا ضد بن علي، إضافة إلى كثير من المقالات في وسائل الإعلام الدولية وكنت الصحافي التونسي الأوّل الذي لعب دورا هاما في الإطاحة به وتخليص الشعب منه، لذلك فأنا أحق من غيري في الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة».

وفي معرض إجابته عن سؤال حول حظوظه في الانتخابات الرئاسية المرتقبة، قال بن بريك إن حظوظه «قويّة» لأنه «شخصية معروفة في البلاد»، وأن لديه «شعبيّة، رغم أنه لا ينتمي إلى أي حزب سياسي» وأن الناس «يعرفونه أكثر مما يعرفون زعماء أحزاب المعارضة في تونس».

ويقول مراقبون إن بن بريك برز كمعارض «شرس» أمام بن علي منذ سنة 2000 عندما دخل في إضراب عن الطعام استمر نحو 40 يوما، وحظي بتغطية إعلامية واسعة في وسائل الإعلام الدولية، احتجاجا على قمع الحريات في عهد الرئيس السابق. واحترف بن بريك منذ ذلك التاريخ الكتابة ضد نظام بن علي في وسائل إعلام أجنبية، وخاصة الفرنسية.

وأصدرت محكمة تونسية يوم 26 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي حكما بسجن الصحافي بن بريك لمدة ستة أشهر نافذة (قضّاها كاملة) بتهمة الاعتداء بالضرب على سيدة في الشارع، وهي تهمة نفاها بن بريك بشدة، وقال إنها جاءت انتقاما منه إثر كتابته مقالات شديدة الانتقاد للرئيس السابق في الصحافة الفرنسية. يذكر أن بن بريك هو الثاني الذي يعلن ترشحه لخوض الانتخابات الرئاسية المرتقبة بعد منصف المرزوقي، زعيم حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية»، الذي يعتبر من أشد رموز معارضي نظام الرئيس السابق.