الاتحاد الأوروبي يتجه نحو تجميد الأصول المملوكة للرئيس التونسي السابق وعائلته

باريس ترصد «حركات مشبوهة» على ودائع عائلة بن علي في البنوك الفرنسية

عناصر من الجيش التونسي تحيط بالمتظاهرين أمام مقر الحزب الحاكم في العاصمة (رويترز)
TT

تقدمت 3 منظمات غير حكومية أمس بشكوى للمحاكم الفرنسية ضد الرئيس التونسي المخلوع وأفراد عائلته تتهمه بتبييض الأموال والفساد والاستيلاء على ممتلكات بصفة غير مشروعة، والمطالبة بتعيين قاض للتحقيق في هذه الاتهامات، وتجميد كل الممتلكات المنقولة وغير المنقولة وتحديدها وحصرها تمهيدا لإعادتها إلى الشعب التونسي. وذلك في وقت يتجه فيه الاتحاد الأوروبي نحو تجميد الأصول المملوكة للرئيس التونسي السابق وعائلته.

وبموازاة ذلك، أعلن وزير الخزانة فرانسوا باروان أنه تم رصد «حركة مشبوهة» على الودائع المالية لعائلة الرئيس بن علي في المصارف الفرنسية. لكن الوزير رفض إعطاء تفاصيل إضافية، كما رفض توصيف ما يحصل بأنه حركة «تهريب» لأموال عائلة بن علي من فرنسا، التي كانت أول من قرر فرض رقابة احترازية وقيود على تنقلاتها، مما يشبه التجميد إلى حد بعيد.

وتتولى خلية محاربة تبييض الأموال في وزارة الخزانة الفرنسية مهمة الرقابة. وكانت قد أرسلت تعميما للمصارف العاملة في فرنسا بضرورة إخطارها بكل «حركة مشبوهة»، بينما أعربت الحكومة عن استعدادها للتعاون مع السلطات التونسية «الجديدة» بصدد ما تطلبه بشأن هذه الودائع.

غير أن السؤال الذي يشغل الأوساط الفرنسية يتناول ثروة بن علي وعائلته الكبيرة (من جهته ومن جهة زوجته ليلى طرابلسي)، فضلا عن ممتلكاتهم في فرنسا التي هي موضع شكوى من منظمات «شيربا» و«إنترناشيونال ترانسبرينسي»، والمنظمة العربية للحقوق الإنسانية، صاحبة الدعاوى ضد بن علي أمام المحاكم الفرنسية.

وقال المحامي وليام بوردون، مؤسس المنظمة الأولى المتخصصة في محاربة تبييض الأموال والفساد، إنه يسعى إلى أن تفتح السلطات القضائية تحقيقا حول ثروة بن علي وعائلته في فرنسا. غير أنه يعتبر أنه سيكون من «الصعب» التوصل إلى الأرقام الحقيقية لهذه الثروة التي يقدر أنها تصل «إلى عدة عشرات من مليارات الدولارات» بسبب تنوعها واستخدام أسماء وهمية وتعدد هويات الأشخاص الذين يمتلكونها. ويريد مقدمو الشكوى أن تعمد السلطات الفرنسية من جهة إلى اتخاذ إجراءات احتياطية فعلية تمنع «تبخر» الأموال وخروجها من المصارف العاملة في فرنسا، وأن تسهل من جهة ثانية، إعادة الممتلكات والأموال إلى الشعب التونسي.

وتتوافر في باريس معلومات جزئية عن ممتلكات عائلة بن علي على الأراضي الفرنسية، ومنها مجموعة من الفيللات والقصور، اثنان في باريس (ساحة لي فوج وجادة هوش)، وفيللا في منتجع سان تروبيز على الشاطئ اللازوردي، وأخرى في منطقة كورشفيل الجبلية، فضلا عن مزرعة لتربية الخيول الأصيلة التي يتنافس بعضها في حلبات سباق الخيول في باريس وخارجها.

وكان عدد كبير من أبناء تونس في المهجر (في عدة دول أوروبية) قد وجهوا إلى حكومات الدول الأعضاء في التكتل الموحد، خلال وقفات احتجاجية في بروكسل وبايرن وباريس وغيرها من العواصم الأوروبية، رسالة مفادها «أموال تونس لا بد أن تعود للشعب التونسي الذي يحتاج إليها في الفترة الحالية.. الظروف صعبة ويكفي ما حدث».

ويبدو أن الرسالة وصلت وبسرعة أكبر مما كان يعتقد أبناء تونس في المهجر، حيث قررت سويسرا مؤخرا تجميد أرصدة الرئيس السابق زين العابدين بن علي.

وتقول لطيفة، وهي من سكان بروكسل: «لقد سمعنا عن تحرك أوروبي في هذا الاتجاه، بل إن دولا اتخذت قرارات فعلية في هذا الإطار.. لقد استجابوا لمطالبنا بشكل سريع».

وبالفعل شهدت الأيام الأخيرة اتصالات بين عدة عواصم أوروبية حول ملف تجميد أرصدة الرئيس التونسي السابق والمقربين منه في بنوك أوروبا، وتقود ألمانيا هذا التحرك. وقال مسؤول في وزارة الخارجية الألمانية إن الحكومة ستسعى على الصعيد الأوروبي لدعم خطوات من شأنها أن تمنع الرئيس التونسي السابق والمقربين منه من الوصول إلى أرصدتهم وأموالهم المودعة في أوروبا، وكذلك منعهم من اللجوء إلى الدول الأوروبية.

وفي غضون ذلك، قال مسؤولون بالاتحاد الأوروبي أمس إن الاتحاد يمكن أن يجمد الأصول المملوكة للرئيس التونسي السابق وعائلته بعد قيام تحركات مشابهة من جانب حكومات أوروبية. وسيلزم هذا كل دول الاتحاد وعددها 27 بتجميد أصول بن علي.

وأكدت مايا كوسانيتش، المتحدثة باسم كاثرين أشتون، منسقة السياسة الخارجية الأوروبية، أن الاتحاد الأوروبي يقوم حاليا بالتشاور داخليا من أجل الإعداد لحزمة إجراءات من أجل رسم ملامح التعامل المستقبلي مع تونس. ولم تستبعد كوسانيتش أن يتم البحث في الكثير من الاحتمالات المقترحة من بعض الدول، مثل فرض «عقوبات» على الرئيس التونسي السابق، وبعض أفراد عائلته والمقربين منه، والتعامل «بشكل جديد» مع المفاوضات الجارية حاليا من أجل منح تونس وضع شريك متقدم في إطار سياسة الجوار الأوروبية.

ورفضت كوسانيتش التعليق على إمكانات اتخاذ إجراءات محددة، ولم تستبعد أن يطرح الملف للنقاش في اجتماعات وزراء الخارجية لدول الاتحاد أواخر الشهر الحالي.