التطرف في بريطانيا الحلقة (1) : لوتن مدينة 15% من سكانها مسلمون.. يستهدفهم المتطرفون

إمام جامع انتحاري استوكهولم لـ«الشرق الأوسط»: كان لطيفا مع الجميع .. وألوم نفسي لأنني لم أبقه فترة أطول لتغيير أفكاره

قدير بخش إمام جامع لوتن
TT

تستعد الحكومة البريطانية مطلع الأسبوع المقبل، للكشف عن مراجعة لخطة مكافحة الإرهاب في البلاد، بحسب ما أكد ناطق باسم وزارة الداخلية البريطانية لـ«الشرق الأوسط». وتعمل وزارة الداخلية على مراجعة الخطة التي تتعلق بالإرهاب داخل بريطانيا، منذ نحو 8 أشهر، بناء على طلب الحكومة الائتلافية الجديدة التي تسلمت السلطة في مايو (أيار) الماضي. وأكدت الحكومة أنها ستبقي على خطة مكافحة الإرهاب العامة، إلا أنها ستراجع «خطة منع» التطرف التي أدخلتها حكومة حزب العمال في عام 2007 والتي تبحث في أسباب التطرف بين المسلمين الذين يعيشون في بريطانيا، وطرق معالجتها. وتقول الحكومة الائتلافية الحالية، التي يقودها زعيم حزب المحافظين ديفيد كاميرون، إن الخطة الحالية لمنع التطرف «ليست فعالة» كما يجب، وإن عليها أن تكون أكثر تركيزا على المناطق حيث ينشط «مروجو» الإرهاب. عشية إصدار الحكومة مراجعتها لاستراتيجية مكافحة الإرهاب، جالت «الشرق الأوسط» في بلدة لوتن التي تبعد أقل من نصف ساعة عن لندن، حيث يعيش نحو 27 ألف مسلم من أصل 180 ألفا من السكان، أي يشكلون ما يعادل الـ15 في المائة من السكان، وحيث عاش آخر انتحاري استهدف في الغرب: تيمور عبد الوهاب العبدلي الذي فجر نفسه في السويد في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

شوارع لوتن الرئيسية تبدو مكتظة بنساء آسيويات محجبات، ورجال ملتحين يرتدون السراويل الباكستانية البيضاء... المحال المنتشرة في وسط البلدة، معظمها تبيع المأكولات الحلال. الكثير من اليافطات مترجم إلى الأردو، اللغة الرسمية في باكستان. أحيانا، تجد بين مطعم مأكولات آسيوية، ومتجر لحوم حلال، علم إنجليزي (ليس بريطانيا) يتدلى من نافذة شقة في الطابق الأول. فغالبا حيث يكون هناك انتشار كبير للأقليات المسلمة في بريطانيا، هناك أيضا وجود قوي لـ«الحزب البريطاني الوطني» المتهم بالعنصرية والذي يبني شعبيته على التهجم على المسلمين ومن هم من أصول مهاجرة من «غير البيض».

في وسط البلدة، ترتفع قبة جامع يبدو مختبئا خلف البيوت المحيطة به. وأبعد بقليل، يافطة مرفوعة على مبنى قديم كتب عليها: المركز الإسلامي - مسجد الغرباء. إلى هنا، كان يتردد تيمور عبد الوهاب العبدلي خلال فترة إقامته ودراسته في بريطانيا، قبل 3 سنوات من تفجير نفسه في استوكهولم. يعتقد كثيرون أن تحول العبدلي من شاب يحب الحياة عانق عادات الغرب، إلى إسلامي متطرف، حصل خلال إقامته في بريطانيا، وفي لوتن نفسها.

ليس غريبا أن تكون لوتن قبلة الإسلاميين المتطرفين الذين يسعون لنشر أفكارهم، فكثافة وتركز المسلمين فيها، ومسافتها القريبة من العاصمة لندن، تجعلها مكانا مناسبا. ويعترف قدير بخش، إمام جامع لوتن حيث كان يتردد العبدلي، بأن هذه البلدة لطالما استقطبت إسلاميين بأفكار متطرفة منذ ما بعد اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول)، ولا تزال حتى اليوم، على الرغم من أنهم باتوا يأتون بأعداد أقل. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «الآن تأتي أعداد أقل بكثير من السابق. فبعد 11 سبتمبر كان يأتي 3 أو 4 أشخاص على الأقل أسبوعيا لنشر أفكارهم. أبو قتادة وأبو حمزة كانا يأتيان إلى هنا. كلهم يرون في لوتن منطقة حامية للتجنيد، لأنها الأقرب إلى لندن وهناك عدد كبير من المسلمين فيها». ولكنه يضيف أن عدد القادمين أقل الآن بسبب الحرب على الإرهاب: «يخافون من الشرطة، يخافون أن يقولوا أمرا خطأ ويتم اعتقالهم».

بالطبع، لا يخفى على الزائر عدد المسلمين الكبير هنا. ولا يخفى أيضا تركزهم في شوارع معينة من المدينة التي تبدو منقسمة بين «المسلمين الآسيويين» و«البريطانيين البيض». كثير منهم بالكاد يتكلم الإنجليزية، خصوصا من هم في العقد السادس من العمر. ولكن هؤلاء عندما تتحدث إليهم، يبتسمون في معظمهم، ويقولون بإنجليزية مكسرة: «كل ما نريده أن نعيش هنا بسلام». ساجد، سائق سيارة أجرة في الستينات من عمره، قدم إلى بريطانيا قبل 41 عاما. يقول بالإنجليزية بلكنة قوية: «لا نريد أن نقوم بأي أمر خطأ، نحن بريطانيون مسلمون ونريد العيش بسلام». يشتكي ساجد من مجموعات تأتي إلى الجامع بعد صلاة الجمعة، لتوزيع منشورات يقول إنها تحض على العنف. ويقول وهو يرمي بين جملة وأخرى كلمات بالعربية، مثل أهلا وسهلا، وشكرا، والسلام عليكم: «بعضهم يأتي من لندن.. ولكن لا أدعهم يوزعون أمام الجامع. أقول لهم وزعوا خارج منطقة الجامع وليس هنا، لأن الناس يأتون ليصلوا هنا للسلام». ساجد ومن هم من جيله، قدموا إلى بريطانيا في الستينات بحثا عن وظائف في بلد كان بأمس الحاجة إلى اليد العاملة. عاشوا محافظين على تقاليدهم وعاداتهم التي حملوها معهم من باكستان. لم يتمكنوا من الاندماج في المجتمع البريطاني، بسبب عائق اللغة والاختلاف الكبير في العادات والتقاليد، ولكنهم عاشوا مسالمين. إلا أن الجيل الثاني والثالث، أي أولادهم وأحفادهم الذين ولدوا في بريطانيا وعاشوا ممزقين بين هويتين، هم الذين أصبحوا المشكلة اليوم. معظم الشبان الذين التقيناهم في شوارع لوتن، ممن ولدوا ودرسوا وعاشوا في بريطانيا، يتحدثون عن الولاء للإسلام قبل بريطانيا. يبررون ذلك برفضهم لسياسات بريطانيا الخارجية، وخصوصا حربي العراق وأفغانستان والقضية الفلسطينية. عبد الرحمن، شاب في 29 من العمر، يرخي لحية طويلة ويرتدي اللباس الإسلامي، قدم إلى بريطانيا عندما كان طفلا رضيعا، يقول: «أنا سأكون دائما مسلما أولا وأخيرا، وكل شيء آخر فارغ بالنسبة لي، إذا ما كنت من آسيا أو الشرق الأوسط أو بريطانيا». يتحدث بغضب عن سياسات الغرب تجاه العالم الإسلامي، ويقول: «بلير وبوش يجب أن يحاكموا لأنهم يقتلون الأبرياء المسلمين باسم الديمقراطية». لا يتردد عبد الرحمن في الكشف عن أنه كان عضوا فاعلا في جماعة «المهاجرون» المحظورة التي كان يقودها عمر بكري الممنوع من دخول بريطانيا ويعيش اليوم في بيروت. وتم حظر الجماعة التي تدعو إلى إعادة الخلافة الإسلامية، بسبب تبريرها العمليات الإرهابية وتمجيدها منفذي اعتداءات 11 سبتمبر. ولكن عبد الرحمن، الذي لا يزال حتى اليوم ناشطا في عمليات «التبشير» على الرغم من حظر جماعته، ويقول إنه يعمل كداعية بعد صلاة الجمعة، يرفض قبول أن الحزب الذي كان ينتمي إليه كان يدعو إلى العنف. ويقول: «لا ندعم العنف بمعنى قتل الجميع فقط لقتلهم.. ويجب ألا تؤخذ الأمور خارج سياقها».

ينفي تأييده للعمليات الانتحارية، ويقول: «لا أدعو إلى العنف ولكن أبشر بالإسلام والشريعة.. رؤيتي أنه يجب أن تكون مبنية أكثر على الحوار... نعيش تحت مراقبة أمنية». وعلى قارعة الطريق في وسط لوتن، حيث تكثر الدوريات السيارة للشرطة، يحاول عبد الرحمن أن يجادل بأن العمليات الانتحارية على الأراضي الفلسطينية مختلفة لأنها تعتبر دفاعا عن النفس. وعندما أسأله عن العمليات الانتحارية التي تنفذ في الغرب، يقول: «لا نؤيدها... على المسلمين أن يدافعوا عن أنفسهم». يعتبر أن جماعة «المهاجرون» تم حظرها لأنها «فضحت الممارسات الخاطئة للحكومة»، ويضيف: «هذا يؤكد أن لا وجود لحرية التعبير هنا، وهذا كله خبث». وإذا كانت جماعة «المهاجرون» وجماعات إسلامية متطرفة أخرى قد تم حظرها في بريطانيا، بسبب حضها على العنف بشكل علني، فلا تزال هناك جماعات أخرى ناشطة تتحدث عن ضرورة إعادة الخلافة الإسلامية والإطاحة بالحكومات العربية والإسلامية. وعلى الرغم من أنها لا تحض على العنف، فإن كثيرين يعتقدون أنها تشكل الخلفية والأرضية للتطرف والإرهاب. ولعل أكثر تلك الجماعات تأثيرا وأوسعها انتشارا هو حزب التحرير المحظور في معظم البلدان العربية، باستثناء بعض الدول مثل لبنان واليمن. إد حسين الذي كان ناشطا سابقا في حزب التحرير في التسعينات عندما تم تجنيده في الجامعة، ترك الحزب بعد أن اكتشف أنه يدفع به إلى العنف، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «حزب التحرير يؤمن الخلفية والمناخ، أي إنه يؤمن المسدس والرصاص، ولكن لا يطلب منهم الضغط على الزناد». ويضيف: «يتحدثون على الحاجة لإقامة الدولة الإسلامية... والإطاحة بكل الحكومات العربية واستبدالها بديكتاتورياتهم. هم مناهضون بشدة للغرب وبريطانيا والولايات المتحدة وبالطبع إسرائيل. يخلقون المناخ الذي يسمح للأشخاص بالتحول إلى العنف في ما بعد». ويذهب حسين إلى حد الربط بين حزب التحرير و«القاعدة»، ويقول: «(القاعدة) وحزب التحرير بالطبع لا يتفقان على طريقة تحقيق الهدف، ولكن كلاهما متفقان على أن الهدف هو إعادة الدولة الإسلامية».

ولكن تاجي مصطفى، الناطق باسم حزب التحرير في بريطانيا، يهزأ بمن يرى أن حزبه يشكل «الأرضية» للتطرف والإرهاب. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «من السخيف أن نربط بين ما ندعو إليه والتطرف والعمليات الانتحارية التي تحصل... ليس هناك صلة بين الاثنين. نحن حركة سياسية. لا نريد تحقيق أهدافنا بالقوة بل نسعى لنشر الوعي عن الأمة الإسلامية». وعندما أسأل مصطفى، وهو بريطاني من أصل نيجيري، لمن ولاؤه لبريطانيا أم للإسلام، يقول بعد أن يحاول تحديد مفهوم الولاء: «ماذا يعني أن يكون لدى المرء ولاء للوطن؟ أن تعيش مع أشخاص ويكون لديك تواصل معهم، هذا طبيعي، التواصل مع الطبيعة والطعام.. ولكن في ما يخص القيم الأمر مختلف... بالطبع ولائي للإسلام، ولكن الإسلام يأمرني بأن أتعاطى مع الأشخاص الذين يعيشون حولي».

لا يحث حزب التحرير مؤيديه على المشاركة في الحياة السياسية في بريطانيا، أي التصويت في الانتخابات، على الرغم من تعريفه عن نفسه بأنه حزب سياسي، بسبب عدم تأييده لأي من الأحزاب الموجودة. ولكن تاجي مصطفى يجادل بأن المشاركة في الحياة السياسية لا يجب أن تتم بالضرورة عبر البرلمان والمؤسسات الدستورية. وعندما يشرح رؤية حزب التحرير للخلافة الإسلامية، يصف دولة أشبه بالمدينة الفاضلة، على الرغم من نفيه لذلك. ويقول: «لسنا نفكر في المدينة الفاضلة، لسنا ساذجين. نعرف أن العالم الإسلامي لن يكون كاملا، وإلا لما كان هناك من ضرورة لإقامة دولة. ما ينقص العالم الإسلامي اليوم ليس الرجال الطيبين، بل النظام». يتحدث عن مكان حيث يعيش كل المسلمون، شيعة وسنة بوئام، حيث تتمتع كل الطوائف غير المسلمة، من مسيحيين وحتى يهود، بحقوق مساوية وحياة كريمة. وتعيش كل الأعراق، من عرب وفرس وأتراك وآسيويين وأفارقة، بمساواة من دون تمييز. ويكرر مرات ومرات أن التاريخ هو الإثبات، وأنه «تاريخيا» عاشت تلك الشعوب معا بوئام في ظل الدولة الإسلامية، من دون أن يأخذ بعين الاعتبار التغيرات التي حصلت منذ ذلك الوقت. ويتحدث عن غياب العدالة في العالم الإسلامي، ويلوم الغرب الذي «يعتمد منطق فرِّق تسد»، على الانقسامات الحاصلة. وبرأيه، فإن الحل العادل الوحيد، هو بناء أمة إسلامية بجيش إسلامي قوي. وعندما سألته إذا كان يعتقد أن على المسيحيين والهندوس أن يفكرا في إنشاء دولتيهما أسوة بالدولة الإسلامية، رد بأن هذا شأنهما. مصطفى، مثل العبدلي الذي فجر نفسه في استوكهولم، يتحدث بمفاهيم الظلم والعدالة ويقدم حلا يبدو سلميا. لذلك، ليس مستغربا أنه يلقى آذانا مصغية خصوصا في الجامعات، بين الطلاب المسلمين المتحمسين والغاضبين. يقول الإمام بخش من جامع لوتن عن ذلك: «هناك بعض المسلمين هنا يمكن القول إنهم ضعفاء لأنهم غاضبون مما يحصل ولا يعلمون ما هي الطريقة الأفضل للتنفيس عن غضبهم بحسب التعاليم الإسلامية، ولهذا يمكن لأشخاص مثل تيمور أن يؤثروا فيهم». ويضيف: «ربما يشعرون بالتمييز ضدهم وبالغضب من السياسات الخارجية والمعايير المزدوجة، ولكن الأسوأ، وهو ما يدفعهم إلى التطرف، هو وجود شخص يقنعهم بأفكار متطرفة».

لا يخفي الإمام بخش، استياءه من نفسه. يقول بصوت خفيف على غير عادة، إنه يلوم نفسه نوعا ما، لأنه لم يبق العبدلي لفترة أطول تحت مراقبته. فبعد نحو 3 أسابيع على بدء الشاب العراقي السويدي التردد على الجامع، طرده بخش بسبب الترويج لأفكار متطرفة بين المصلين. «كان لديه كاريزما وكان محبوبا جدا، كان يعرض المساعدة دائما... ولهذا، كان من السهل عليه أن يجعل الآخرين يستمعون إليه»، يقول بخش. لكن خلف شخصيته المرحة، كان تيمور العبدلي يخبئ شخصا آخر، أكثر قتامة، شخصا متأثرا بأفكار أبو قتادة الذي وصف في السابق بأنه الساعد الأيمن لأسامة بن لادن في أوروبا، وبأبي حمزة المسجون بسبب حضه المسلمين على كراهية غير المسلمين. يروي إمام جامع لوتن، الذي ولد في بريطانيا لأبوين قدما من باكستان في الستينات، أنه واجه الشاب السويدي من أصل عراقي، بعد أن اشتكى له بعض المصلين بأنه يروج لأفكار متطرفة. ويقول: «كان يروج أن كل القادة المسلمين في العالم الإسلامي ليسوا مسلمين حقيقيين... وإذا أقنع الناس بذلك، فهذا يعني أنه تبرير للتمرد ضد الحكام في البلدان المسلمة. وكان يروج أيضا لفكرة التكفير، إذ يقول إن كل العلماء المسلمين في العالم الإسلامي لا يمكن الاستماع إليهم لأنهم جميعهم في جيوب زعمائهم، وهم غير مسلمين ويجب التمرد عليهم...» ويضيف: «كان يعلم أن الجهاد هو أول الواجبات التي على المسلم القيام بها، أهم من الدعوة والصلاة والصيام».

حاول بخش ثلاث مرات، إقناع العبدلي بالتخلي عن أفكاره المتطرفة، من خلال نقاشات دينية كانت كل واحدة منها تطول إلى 4 ساعات. في نهاية الجلستين الأولى والثانية، بدا أنه اقتنع. ولكن، كان يعاود الحديث بالمنطق نفسه. في النهاية، لم يترك الخيار لإمام الجامع الذي ارتأى أن السبيل الأفضل لوضع حد لما يحصل، هو بفضح العبدلي بعد صلاة الجمعة أمام الجميع. يقول: «فضحته أمام المصلين لأننا لا نعرف من تمت عدواه منهم، فقلت من دون أن أسميه إن هناك من ينشر هذه الأفكار السامة وهي، لهذه الأسباب والحجج، خاطئة». وقف العبدلي من بين المصلين وغادر الجامع. كانت المرة الأخيرة التي يراه فيه بخش... قبل أن يفجر نفسه.

ولكن على الرغم من جهود إمام لوتن لإقناع العبدلي بالتخلي عن أفكاره، فقد وجه له كثيرون اللوم لاحقا لأنه لم يبلغ الشرطة بوجود شخص يحرض على التطرف. ولكن بخش يرفض هذا المنطق، ويقول: «لم يكن يحرض على العنف... كان يتحدث عن الخلافة الإسلامية وأمور أخرى، ونقاشاتنا بقيت في إطار الدين... أواجه الكثير من أمثاله ونتناقش في أمور دينية ولا يفجر أحد نفسه، بل ينتهي الأمر عند حد النقاش والاختلاف في الرأي». يصر بخش على أن العبدلي كان حالة فردية. ويقول إن الكثير من أمثاله قدموا، ولا يزالون، وحاولوا أن ينشروا أفكارهم المتطرفة، وغادر بعضهم مقتنعا منه وبعضهم غير مقتنع بالتغيير، «ولكن، لم يفجر أحد نفسه». لا بل يوجه هو اللوم إلى المخابرات البريطانية والسويدية التي فشلت في تعقبه في السنوات الثلاث التي سبقت تفجير نفسه، ولحقت مغادرته لوتن. يقول: «بعد ثلاث سنوات، ذهب وفجر نفسه. لا نعرف ما الذي جرى خلال هذه الفترة...».

اللوم الوحيد الذي يتقبله بخش هو عدم تمسكه بتيمور لفترة أطول، «ربما مراقبته أفضل من تركه يذهب إلى المجهول». فقد تعلم، بعد حادثة تفجير العبدلي لنفسه، أن يحاول إبقاء القادمين في المستقبل حاملين أفكارا متطرفة، لأطول وقت ممكن تحت مراقبته، وبذل جهود أكبر لإقناعهم بالتخلي عن أفكارهم. ولكنه لا يزال مصرا على عدم «إبلاغ» الشرطة عن ضيوفه المتطرفين. يقول: «ليس هناك تبادل معلومات مع الاستخبارات والشرطة، لأنهم يقومون بعملهم لأهداف مختلفة. هناك سياسة خارجية يتبعونها، يريدون غزو العراق وأفغانستان وهذا ما نعارضه نحن بشدة. أما هدفنا فهو أن يكون هناك مجتمع مسالم حيث المسلمون يمارسون ديانتهم، ويحترمون البلد الذي يستضيفهم». ويضيف: «لا شك في أن الشرطة والمخابرات تراقبنا دائما، ونحن لا نعارض ذلك، هم يقومون بعملهم». وكشف أن المخابرات البريطانية طلبت إليه في السابق العمل معها، ولكنه رفض. ويقول: «رفضت لأننا نؤمن بأن لدينا مصداقية، ونحن نشكل خط دفاع في وجه الإرهاب، ويمكننا أن نوقف المتطرفين من خلال الحديث معهم وإقناعهم استنادا إلى الحجج الدينية».

يصر بخش على أن نشاط هؤلاء هدأ قليلا الآن، ولكنه يؤكد أنهم عندما يصادف أحدهم يشجعه على الحديث والمجاهرة بأفكاره، لكي يحاول إقناعه بالتخلي عنها. «نشجعهم على أن يتحدثوا بأفكارهم، ونقول لهم تعالوا تحدثوا ونحن سنناقشهم فيها ونقنعكم ونغيركم، ولن نبلغ الشرطة عنكم»، يقول بخش. ولكنه يضيف أنه يتعاون مع الشرطة في حالة واحدة، إذا توافرت لديه معلومات بأن أحدهم يخطط للقيام بأعمال إجرامية.

يرفض الإمام الحديث عن مشكلة اندماج المسلمين في بريطانيا، وإعادة ذلك إلى تطرف بعضهم. ويشير إلى أن معظم منفذي اعتداءات 7 يوليو (تموز) 2005 في لندن، كانوا مندمجين بشكل تام في المجتمع. ويصر على أن المسلمين في بريطانيا لديهم ولاء للبلد بمعنى «احترام القوانين وليس دعم حروب غير قانونية». ويقول: «كل مسلم سيدافع عن هذا البلد إذا تمت مهاجمته، لأننا نعيش هنا ومصالحنا هنا. ولكن أن ننضم إلى الجيش البريطاني ونحارب في العراق وأفغانستان، فالإجابة لا، لأن هذه حروب غير عادلة، وغير قانونية. نأخذ جيشا لسرقة مصادر بلدان أخرى».

ولكن، قد يكون تفسير إد حسين لشعور المسلمين البريطانيين، هو الأدق والأكثر تعبيرا عن أسباب سهولة انقياد بعضهم خلف التطرف. يقول حسين: «هناك صراع في عقول الشبان البريطانيين المسلمين حول هويتهم، على الرغم من أنهم لا يتعرضون للتمييز هنا كغيرهم في البلدان الأخرى، ولكن هذا لا يعني أنهم مقبولون. هناك مشكلة انتماء ولا أدري كيف نحلها... لقد واجهتها أنا عندما قررت الانضمام إلى حزب التحرير، واعتقد أن معظم المسلمين في بريطانيا يواجهونها».