جنبلاط حسم خياره مع سورية وحزب الله واتهم المحكمة بالابتزاز

فايد لـ«الشرق الأوسط»: ما يحصل يعيد عقارب الساعة إلى لحظة اغتيال رفيق الحريري

الزعيم الدرزي وليد جنبلاط يتحدث في مؤتمر صحافي في دارته ببيروت أمس (أ.ب)
TT

أعلن رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط اللبناني، أن الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يرأسه «ثابت في وقوفه إلى جانب سورية والمقاومة»، آملا أن «تأخذ اللعبة الديمقراطية مداها بعيدا عن الاصطفافات المذهبية والطائفية، وأن نبقى متمسكين بالحوار، وأن نحتكم إلى الدستور»، مثنيا على «ما أعلنه رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري أول من أمس وفق المنطق الديمقراطي الذي تتميز به الحياة السياسية اللبنانية، لأن اللجوء إلى الشارع من هنا وهناك يزيد التشنج ولا يخدم القضية الأساسية في الحفاظ على إنجازات المقاومة».

ونبه جنبلاط في المقابل من «الممارسات الكيدية التي اعتمدت سابقا وسببت انقسامات كبيرة وكانت نتائجها كارثية ومدمرة»، في إشارة إلى حكومة الرئيس كرامي الأخيرة في عهد الرئيس إميل لحود، مشددا على أن «أي قهر أو قهر مضاد، هو مخالف لأعراف التوافق والتقاليد اللبنانية»، لافتا إلى أن «أي محاولة إلغاء من طرف لطرف آخر مغامرة مستحيلة لا تولد إلا الانقسام والتشرذم، فمن الأفضل إفساح المجال لكي تتطور الأمور بشكل هادئ».

وفي مؤتمر صحافي عقده بعد اجتماع عقده لكتلة «اللقاء الديمقراطي» التي يرأسها، لفت إلى أنه «ومع وصول البلاد إلى مفترق ومنعطف خطير، وبعد أن أخذت المحكمة الدولية بعدا سياسيا بامتياز صار يهدد الوحدة الوطنية والأمن القومي، وصارت أداة ابتزاز وابتزاز مضاد، وبما أن المبادرة العربية نصت بشكل صريح وواضح لا يقبل أي لبس ولا يحتمل أي مراوغة على إلغاء ارتباط لبنان بالمحكمة الدولية، من خلال إلغاء بروتوكول التعاون وسحب القضاة ووقف التمويل - حاولت مع مختلف القيادات السعي للخروج من المأزق»، وأضاف: «وبعد أن أيدت المبادرة العربية مرارا وتكرارا واعتبرت أنها تشكل حلا للأزمة الراهنة وتأكدت من الموافقة المباشرة عليها من كل الأطراف المعنية، واتفقنا على الخروج من الأزمة والعمل لتثبيت المبادرة في بنود البيان الوزاري عبر النقاط الآنفة الذكر، وهذه النقاط مثبتة من قبل الرئيس الأسد والرئيس سعد الحريري وأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله والرئيس نبيه بري - حصل تزامن مشبوه ومريب بين تسليم القرار الظني وموعد الاستشارات النيابية لتسمية رئيس للحكومة».

وتابع جنبلاط قائلا: «أقول للتاريخ ولكي لا أتحمل أكثر من طاقتي واحتراما للتقاليد وللأعراف، ولأن موقفي في الوسط كان للتواصل مع بقية الأطراف، ولأن إجهاض المبادرة كان من قبل قوى سميناها سابقا، كان موقفي هذا، الذي آمل أن يشكل فرصة لاستعادة الهدوء والحوار على أساس المبادرة العربية».

ورفض جنبلاط ما قاله الرئيس الحريري بالأمس عن أنه «معرض للاغتيال السياسي»، وقال: «ما من أحد في لبنان يمكنه أن يلغي الآخر»، لافتا إلى أن الكلام عن أن «ما قبل القرار الاتهامي شيء وما بعده شيء آخر»، «كلام مرفوض أيضا لأن القرار الظني عرف بحيثياته التفصيلية من قبل صحيفة (دير شبيغل) الألمانية وقد أجمعنا على رفضه جميعا». إلى ذلك، توجه جنبلاط بـ«الشكر إلى العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الأسد ورئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، لجهودهم ومحاولتهم معالجة الأزمة السياسية في لبنان»، منوها في الوقت نفسه إلى «الجهد الجبار لرئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان، الذي سعينا وإياه حتى اللحظات الأخيرة للتوصل إلى تسوية».

لكن جنبلاط أبقى الباب مفتوحا على مزيد من التكهنات والتأويلات السياسية التي لم تطمئن حزب الله كما كان ينتظر الأخير، ولم تغضب فريق «14 آذار»، لا سيما أن الزعيم الدرزي لم يحسم الأمر بالنسبة لخيار باقي نواب كتلته غير الحزبيين وعددهم ثمانية، غير أن فريق «14 آذار» وتحديدا تيار «المستقبل» كان متفهما لتحول جنبلاط عن تسمية رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري للحكومة الجديدة بكامل أعضاء نواب «اللقاء الديمقراطي»، وقد عزا البعض موقفه هذا إلى التهديدات التي يتعرض لها من خلال الانتشار المسلح ليليا لمقاتلي حزب الله على تخوم القرى الدرزية في جبل لبنان.

واعتبر عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل» راشد فايد، أن «النائب وليد جنبلاط حسم أمره بشكل نهائي كحزب تقدمي اشتراكي، بالوقوف مع سورية وحزب الله في الاستشارات النيابية، لكن هذا لا يعني أن النواب غير الحزبيين سيصوتون لـ(مرشح المعارضة رئيس الحكومة الأسبق) عمر كرامي»، ورأى فايد في اتصال مع «الشرق الأوسط»، أن «عدم نجاح تكليف كرامي لا يزال قائما، لأن باقي نواب اللقاء الديمقراطي لم يعلنوا صراحة وقوفهم مع مرشح سورية وحزب الله حتى الآن»، وتوقف عند «أهمية ما قاله جنبلاط، وتحذيره من المضي في نهج حزب الله، من خلال التجني والتخوين واتباع الكيدية التي سادت في مرحلة حكم (رئيس الجمهورية السابق) إميل لحود»، وإذ شدد على «استمرار كتلة (المستقبل) ونواب (14 آذار) في ترشيح الرئيس سعد الحريري، لترؤس الحكومة الجديدة»، قال: «في حال نجح الفريق الآخر في تكليف عمر كرامي، فإننا لن نشارك في الحكومة التي سيشكلونها، وسنذهب إلى تطبيق الديمقراطية الحقيقية، التي تقول إن الأكثرية تحكم والأقلية تعارض، وما فرض علينا في السابق (إصرار حزب الله على المشاركة في حكومة الحريري المستقيلة) لن يعود من خلال الثلث المعطل، الذي بالفعل عطل الحكومة وحملنا مسؤولية فشل الحكومة»، وأكد فايد أن «ما يحصل الآن يغير صورة لبنان، ويعيد عقارب الساعة إلى الوراء، وتحديدا إلى الساعة الواحدة إلا خمس دقائق من 14 شباط (فبراير) 2005، (وقت اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري)، وليس مصادفة أن يصر الفريق الآخر على اتهام 60 في المائة من اللبنانيين (فريق 14 آذار) بأنهم خونة وعملاء، ثم يقول لهم أنا شريككم في السلطة وفي المسؤولية».

بدوره، لفت عضو كتلة «الكتائب» النائب إيلي ماروني، إلى أن «انتقال النائب جنبلاط للوقوف مع سورية وحزب الله، فرضه منطق التهديد والترويع الذي يحصل من خلال الانتشار المسلح ليليا لمسلحي حزب الله ما بين بلدتي القماطية وعالية (المناطق الدرزية)، وما تركه ذلك من تهويل نفسي على اللبنانيين نتيجة الخوف من السلاح»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لقد برر جنبلاط وسطيته عندما قال إنه كان موفقا عندما انتقل إلى الوسط، لكنه لم يكن حاسما إلا بالنسبة لنوابه الحزبيين»، وأكد أن «التهديد ومنطق التخويف هو الذي أثر على التبدل في موقفه، فيوم الاثنين الماضي كانت الأجواء تشير إلى أنه (جنبلاط) سيسمي الرئيس سعد الحريري في الاستشارات، أما الآن فأعلن وقوفه إلى جانب سورية، فهل هذا الوقت القصير كان كافيا ليعيد قراءته ويبدل موقفه؟». وأوضح ماروني أن «النواب (14 آذار) مهددون وكل نائب يرى نفسه مشروع شهيد، ومن هنا يأتي أهمية تمسكنا بالمحكمة الدولية»، وشدد على أن «فريق (14 آذار) متمسك بتكليف الرئيس سعد الحريري رئاسة الحكومة، وفي السياسة تبقى الاحتمالات مفتوحة حتى الدقيقة الأخيرة».

ورأى عضو كتلة «المستقبل» النائب أحمد فتفت، أن «ذهاب رئيس (اللقاء الديمقراطي) وليد جنبلاط في الخط الآخر، فهذا نتيجة التهديدات بأحداث في الجبل، من هنا رضخ للأمر الواقع»، مشيرا إلى أن «هناك نوابا من (اللقاء الديمقراطي) يؤيدون علنا سعد الحريري، كالنائبين مروان حمادة ومحمد الحجار، وحتى الآن نحن مطمئنون إلى أننا نشكل أكثرية نيابية تساعدنا على تسمية الحريري لرئاسة الحكومة المقبلة»، مشيرا إلى أن «من يلعب دور رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري اليوم هو النائب جنبلاط، ومن هنا يتعرض لضغط كبير».

وتعليقا على المؤتمر الصحافي لجنبلاط الذي أعلن فيه «وقوف الحزب التقدمي الاشتراكي إلى جانب سورية والمقاومة»، دعا عضو تكتل «لبنان أولا» النائب عقاب صقر، إلى «وجوب انتظار الموقف النهائي للنائب وليد جنبلاط الذي سيعلنه من قصر بعبدا بعد الاستشارات النيابية، حيث سيحدد مرشحه لرئاسة الحكومة العتيدة». وأشار إلى أن «جنبلاط يخشى على السلم الأهلي ويحرص على العيش المشترك، ولهذا كان موقفه، لكن لا أعرف إذا ما كان كافة أعضاء اللقاء سيصوتون إلى جانب المعارضة أم فقط النواب الحزبيين، كونه ترك الباب مواربا ربما على أمل وصول المساعي إلى نتائج جيدة». ورأى أن «هناك إشارات في كلام جنبلاط إلى رفض عزل طائفة وتهميش أحد وإلغاء أي طرف للطرف الآخر، بينما كانت قوى (8 آذار) تقول إنها تريد منع سعد الحريري من الوصول إلى الحكومة». وإذ اعتبر أن «هناك متسعا من الوقت أمام الجميع لإعادة حساباتهم»، وقال: «نحن مع جنبلاط في هواجسه، ونؤكد أنه آن الأوان لاعتماد الآليات الدستورية».