لبنان: السنة يراهنون على جهود السعودية للحفاظ على موقعهم في السلطة

شخصية ممثل الطائفة وقوة الفريق الآخر والخوف على الأرزاق أبرز هواجسهم

TT

تستقبل بيروت زائريها في هذه الأيام باللافتات المؤيدة لرئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري. البيروتيون يعلنون «البيعة» لـ«زعيم الأكثرية»، ويدعمون «مسيرة النضال لإحقاق الحق»، ويرفضون «المساومة على دم الرئيس الشهيد رفيق الحريري».

وإذ غابت تلك الشعارات من الشوارع البيروتية قبل استقالة وزراء المعارضة من الحكومة، فإنها عادت لتظهر خلال الأسبوع الفائت بالتزامن مع إعلان أطراف المعارضة رفضهم تسمية الرئيس الحريري لرئاسة الحكومة الجديدة، وهي خطوة ينظر إليها أبناء الطائفة السنية في لبنان على أنها «استهداف للموقع السني، ومحاولة لفرض رئيس لا يمثل الطائفة، ولا يقوى على مواجهة المحاور الإقليمية».

وتشغل أبناء الطائفة السنية هواجس كثيرة، تتمثل في مصير الطائفة من خلال ممثليها في السلطة، وفرض منطق القوة على خياراتها الاستراتيجية، والخوف على الأرزاق نتيجة أعمال عنف قد تندلع إذا لم يساوم أقطاب 14 آذار على حقوقهم. وارتفعت وتيرة الخوف في الأيام القليلة الماضية، نتيجة انتشار مجموعات منظمة من الأطراف الداعمة لحزب الله في أحياء بيروت، مما أوحى بأن «الضربة آتية لا محالة»، على حد وصف أحد أبناء حي الزيدانية في العاصمة.

في محيط منطقة البربير، يلعب عجوزان طاولة الزهر على الرصيف. لم يغب عنهما الحديث السياسي، واستحقاقات المرحلة المقبلة. يبدو العجوزان عقلانيين، إذ يعولان على جهود المملكة العربية السعودية «لمساندة الطائفة». «دفعنا أثمانا غالية طوال فترة الحرب، وما بعدها. لم نعد قادرين على تقديم خسائر»، يقول أحدهما، مذكرا بفترة الاجتياح الإسرائيلي التي اختبرها، ومرحلة «القصف العشوائي الذي طال مناطقنا خلال الحرب»، معتبرا أن ما يجري «من تهويل على الطائفة، ليس الأول من نوعه ولن يكون الأخير، لكننا صامدون بدعم المملكة التي لن تسمح لأحد بالمساس بموقعنا». يوافقه الرأي خصمه في اللعبة، ويسأله: «هل كنت مقتنعا أيام الحرب بالجهود الدبلوماسية؟» سؤال استدعى التأكيد بأن العقلانية «عندما يعتدي عليك شخص آخر أو يريد حرمانك من حقك، لن تجدي»، كما يقول، مجددا الطلب من المملكة «التدخل للحفاظ على موقعنا في بلد تتقاسم فيه الطوائف مواقع السلطة».

وإذا كان كبار السن يراهنون على مساعي المملكة للحفاظ على «مكتسبات السلم»، فإن الشباب لا يعيرون اهتماما للتسويات. «قوة الفريق الآخر» تشغل بالهم، مسترجعين مشهد 7 مايو (أيار) عام 2008 حين «احتلت القوة شوارعنا وأجبرنا على السكوت عن حقنا». يقول طارق (طالب جامعي) إن «موقع الرئاسة الثالثة يحتاج إلى قوة تحميه، فإذا دخل إلينا المسلحون، قد نرغم على القبول برئيس لا يمثل الأكثرية السنة»، لافتا إلى أن الأولوية في هذا الوقت هي «للدفاع عن أنفسنا»، مشيرا إلى أنه يعبر عن رأي جميع أترابه في منطقة الطريق الجديدة.

في هذه المنطقة التي «صمدت خلال أحداث السابع من أيار»، يشعل شابان نرجيلتيهما أمام متجر يبيع إكسسوارات الهاتف الجوال، ويتابعان كلمة الرئيس الحريري من بيت الوسط. يثنيان على «الشيخ سعد» لـ«صموده»، ويثنيان على تأكيده الاحتكام للدستور، «لكننا لن نتفرج على من يهددنا»، و«سندافع عنه بكل ما أوتينا من قوة». يبدو الشبان متحمسين لمنطق القوة «ضد من يحاولون تهميش الطائفة، ويهولون علينا بقوتهم إذا بقينا متمسكين بالمحكمة الدولية». هنا، لا يعتبر شباب الطائفة أن استبعاد الرئيس الحريري من الحكومة انتقاصا من موقعه «بل انتقاص من موقع الطائفة»، معتبرين أن «أي شخص يرضى بأن يكون رئيسا للحكومة عوضا عن الحريري، سيكون ضعيفا، ولن يعبر عن الشارع السني».

بعيدا عن بيروت، يحتفظ كل زعيم سني بجمهور آخر يدعمه، ويتقاسم المؤيدين مع تيار المستقبل، سواء في البقاع الغربي والأوسط، أم في طرابلس وصيدا. حتى داخل بيروت، هناك من ينتقد سياسة إظهار القوة، ويعتبرها «انفعالات شباب»، ويعولون على الوساطات العربية «للحفاظ على هيبة الطائفة»، لا سيما من المملكة العربية السعودية بوصفها «أم الصبي». وإذ يهيب بعضهم بمواقف الرئيس الحريري تجاه الوساطات، لا يكترثون لمواقف باقي قيادات 14 آذار «النارية»، لأن «من يده في الماء لا يشعر بمن يده بالنار»، في إشارة إلى أرزاقهم المهددة نتيجة أعمال عنف قد تضرب العاصمة. ويخاف هؤلاء على مصالحهم وتجارتهم، ويعولون على المساعي الحميدة «للخروج من المأزق من غير أن نتنازل عن مواقفنا تجاه المحكمة».

بشكل عام، لا يبدو الشريط التلفزيوني الذي بثته قناة «الجديد» لاعترافات الرئيس الحريري أمام المحقق الدولي مؤثرا في الشارع السني. لا يوليه أبناء الطائفة أي اهتمام «لأنه موقف طبيعي قد يتخذه كل من فقد عزيزا». وذهب آخرون إلى اعتباره «ابتزازا للرئيس الحريري عشية تسميته رئيسا للحكومة المقبلة».

مخاوف الطائفة، تتخطى تسمية الحريري «لأن التنازلات لن تنتهي». هم خائفون على موقعهم في السلطة «الذي بدأ الآخرون في استهدافه بدءا من استهداف مدير عام قوى الأمن الداخلي أشرف ريفي، والوزيرة ريا الحسن، والمحكمة الدولية، وأخيرا الرئيس سعد الحريري».