اللبنانيون يعيشون على وقع الشائعات ويستعدون للأسوأ

الجيش اللبناني يعلن اتخاذه تدابير أمنية استثنائية لطمأنة المواطنين

TT

لا شيء يحرك الشارع اللبناني كما تحركه الشائعات في كل مرحلة حرجة يمر بها البلد، وها هي في هذه المرحلة السياسية الخطرة تتحول إلى خبز المواطنين اليومي، فيتحركون وفق ارتفاع منسوبها أو انخفاضه مع الأخذ بعين الاعتبار مصدر الخبر الذي يكسب الشائعة صدقيتها أو عدمها، ومما لا شك فيه أنه وفي هذه المرحلة بالتحديد تميل كفة هذه الصدقية لصالح فريق 8 آذار ومناصريه وعلى رأسه حزب الله الذي يعتبر المحرك الأساسي للشارع المعارض. وفي حين كانت هذه الشائعات قد بدأت تأخذ طريقها إلى بيوت اللبنانيين ومناطقهم و«طوائفهم» منذ انسحاب وزراء المعارضة من الحكومة، فإن الوضع تفاقم منذ صباح الثلاثاء الماضي حين استفاق هؤلاء على خبر انتشار عناصر حزب الله في أحياء بيروت. فكانت الانطلاقة في تحليل أسباب هذا الانتشار والخطوات التي ستلحق به مدعمة بالأخبار الصحافية التي تتحمل بدورها جزءا أساسيا من هذه الظاهرة، فتشكل مجتمعة «خلطة شائعات ومعلومات» أقل ما يقال عنها إنها تهدف إلى بث الذعر والخوف في نفوس اللبنانيين. وبين هذه وتلك أصبحت يوميات اللبنانيين معلقة على خبر يسمعونه من هنا وآخر يأتيهم من هناك، فليس غريبا مثلا أن تعبر إحدى اللبنانيات عن استيائها من الوضع المتأرجح بالقول: «أصبحنا نتوقع الأسوأ، لذا أفضل أن تقع الحرب وينتهي الأمر، بدل أن نعيش أيامنا خائفين مما قد يحدث بين لحظة وأخرى». وليس بعيدا عن الأجواء «الحربية» كانت الساعات الأخيرة مصدرا دسما لتسريب الشائعات، وكان آخرها أن تحرك حزب الله على الأرض سيبدأ في نهاية الأسبوع الحالي، لكن الأمر عاد وتعدل بعدما أعلن النائب وليد جنبلاط تأييده لمرشح المعارضة لرئاسة الحكومة، فتم تأجيل الموعد إلى الاثنين المقبل، موعد الاستشارات النيابية لتسمية رئيس للحكومة. وفي المقلب الآخر، كانت شائعة توافد أعداد كبيرة من المواطنين المصريين والأردنيين وإقامتهم في فنادق فخمة في بيروت ليشكلوا الدعم العسكري لفريق 14 آذار، التي تولاها إعلام المعارضة، أخذت بدورها تسري بين اللبنانيين ليصدر في ما بعد أحد الفنادق «المتهمة» بيانا يؤكد فيه أن وجود المواطنين العرب فيه ليس إلا بهدف تنظيم مؤتمر طبي كان مقررا منذ شهر مارس (آذار) الماضي، وتعلق إحدى اللبنانيات على هذه الشائعة بالقول «هل يمكن لانتحاريين أن يختاروا الإقامة في فنادق خمس نجوم؟». من جهتها، تقول سهى ج. التي تقطن في منطقة كورنيش المزرعة في بيروت «الإيجابية الوحيدة لهذه الشائعات هي عدم خروج اللبنانيين من بيوتهم إلا في الحالات الطارئة وبالتالي عدم وجود زحمة سير طوال النهار». وتضيف: «اشتريت كما جيراني وأقربائي أهم أساسيات مؤونة الحرب وها نحن بانتظار ما ستؤول إليه الأوضاع». وتشير سهى إلى الشائعات التي تتسرب يوميا من المناطق المجاورة، ولا سيما من منطقتي «بربور» و«بربير» حيث وجود مراكز «حركة أمل» و«جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية»، وتقول «مساء يوم الخميس الماضي، قالوا لنا إن الجيش اللبناني بدأ بالانسحاب من بيروت لأن عناصر حزب الله وحركة أمل في طريقهم لاحتلال العاصمة، فيما مسؤولو جمعية المشاريع أعطوا أوامر لعناصرهم بالتزام منازلهم، وإذ بنا نكتشف أن لا شيء تغير، الجيش في مراكزه والوضع لا يزال كما هو». كذلك وفي ظل انتشار شائعات عن تعرض عدد من النواب للتصويت ضد الحريري وقبل عقد النائب وليد جنبلاط مؤتمرا صحافيا لإعلان موقفه النهائي من الاستشارات النيابية، فقد سرت أمس شائعة مفادها أن عناصر مسلحين من حزب الله انتشروا في منطقة الشوف، الأمر الذي أدى إلى استنفار عناصر الحزب التقدمي الاشتراكي لمواجهتهم، إضافة إلى اتخاذ حزب الله قراره بوقف عمل لجنة الارتباط مع «التقدمي الاشتراكي»، واضعين الأمر في خانة التهديد من الحزب لجنبلاط لحثه على اتخاذ موقف مؤيد لهم، الأمر الذي عاد ونفاه كلا الطرفين، ليصدر بعد ذلك بيان عن قيادة الجيش اللبناني يعلن فيه «إنه وسعيا لطمأنة المواطنين في ظل ما يتداول من شائعات، اتخذت وحدات الجيش المنتشرة في المناطق اللبنانية، تدابير أمنية استثنائية شملت إقامة حواجز ثابتة ومتحركة وتسيير دوريات مؤللة وراجلة، إضافة إلى تركيز نقاط رصد ومراقبة».

ولأن أحداث السابع من مايو (أيار) 2007 التي كانت انطلاقتها بإقفال الطرقات وإحراق الإطارات، لا تمحى من ذاكرة اللبنانيين، فهناك شائعة لا تزال سارية المفعول، وهي «إن الطلب في الفترة الأخيرة زاد وبشكل ملحوظ على شراء الإطارات المستعملة». وفي غمرة «الشائعات الحربية» لا بد للنكتة أن تجد مكانا لها في أوساط اللبنانيين ساخرين من الوضع الذي يعيشونه، فتقول جنى التي تعمل معلمة في إحدى المدارس: «إذا قرروا أن يشتبكوا، فليبدأوا على الأقل في بداية الأسبوع وليس في نهايته، حتى نستفيد من العطلة أطول وقت ممكن». كذلك، كان للوضع التونسي لمساته على الأزمة اللبنانية، فما كان لمناصري 14 آذار إلا أن يتداولوا نكتة مفادها «إنه وبعد إعلان رئيس تكتل التغيير والإصلاح ميشال عون ترشحه للرئاسة في تونس عادت المظاهرات لتعم المناطق التونسية مطالبة بعودة زين العابدين بن علي للرئاسة».