التطرف في بريطانيا الحلقة (2): قصة شابة باكستانية مسلمة في صراعها مع هويتها.. ومحاولة فهمها للتطرف في بريطانيا

زيبا مالك تروي لـ «الشرق الأوسط» تجربتها وتدعو الباكستانيين إلى التفرق «لأن حاجة التجمع انتفت»

زيبا مالك (تصوير: حاتم عويضة)
TT

* عرفت أنني مسلمة طويلا قبل أن أعرف أنني بريطانية.. وعرفت أنني باكستانية طويلا قبل أن أعرف أنني إنجليزية

* كنت أعيش حياتين: في البيت أتحدث البنجابية وآكل الكاري وأصلي.. وفي المدرسة كان علي أن أندمج مع طلاب كلهم بيض

* القدرة على الاندماج تبعدك عن أهلك.. ويصبح من السهل أن يتم جذبك إلى محيط آخر حيث يتم «غسل الدماغ»

* علينا أن نتفرق.. إذا لم نتواصل مع السكان، فكيف نتوقع منهم أن يفهمونا وأن نفهمهم؟

* ثلاثة أشهر طويلة جدا، قضتها زيبا مالك، شابة بريطانية من أصول باكستانية، كبائعة في متجر وسط بلدة «بيضاء». أرادت زيبا، الصحافية المتخفية، أن تختبر مستوى العنصرية لدى المجتمع البريطاني الأبيض. فوافقت على تصوير فيلم للقناة الرابعة، في بلدة لها تاريخ مع اليمين المتطرف.

«لم يكن يمر يوم واحد من دون أن أتعرض للإهانة أو السباب أو الرشق»، تقول زيبا وهي تتذكر تجربتها في صيف عام 2001، وتضيف: «خلال هذه الفترة، صورنا الشاب الذي رمى البيض على نافذتي، والسائق الذي ألقى بحجر على الواجهة.. والصبي الذي قال لي إنه لا يمانع السود، ولكن الباكيز (وصف عنصري للباكستانيين) تبا لهم! طالبو لجوء قذرون.. والآخرين الذي شتموني وطلبوا مني العودة إلى باكستان..».

لم تكن تتجرأ حتى على الخروج إلى الشارع، على الرغم من أن حارسا شخصيا كان بجانبها طوال الوقت. تقول: «شعرت خلال هذه الفترة بأنني لست جزءا من هذا البلد، على الرغم من أنني ولدت هنا وتعلمت هنا». كانت التجربة قاسية ومؤلمة لدرجة وضعتها طريحة الفراش، وجعلتها تكره البيض لفترة من الزمن. الأمر الوحيد الذي تشكر الله عليه في هذه التجربة، هو مغادرتها المكان قبل أسابيع قليلة من اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول).

بعد مرور 10 سنوات على تجربتها تلك، وجدت زيبا نفسها تعيش في منطقة تشيزيك الرقية في لندن، وذات أغلبية بيضاء. تعترف وهي تنقل ناظريها بين رواد المقهى الأنيق، وسط تشيزيك، وهي تتحدث لـ«الشرق الأوسط» بأنها تشتاق للوجوه الآسيوية هنا. ولكنها تضيف: «أنا اليوم فخورة بأن أقول إنني بريطانية. أشعر بأن هذا البلد قدم لي الكثير، وأنا قدمت له الكثير أيضا من خلال كتاباتي.. وبصراحة ليس هناك مكان آخر في العالم أريد أن أعيش فيه».

ولكن بين التاريخين صراع طويل عاشته زيبا، قبل أن تتصالح مع نفسها. صراع حول هويتها وانتمائها، ربما لا يزال مستمرا. ولكن الأكيد أن هذا الصراع لا يقتصر على زيبا وحدها، بل يعيشه آلاف البريطانيين من أصول آسيوية مسلمة.

هنا، تحاول زيبا من خلال روايتها لتجربتها، أن تفسر حالة الانفصام التي يعيشها البريطانيون الباكستانيون، والتي قد تكون أحد أبرز الأسباب التي تدفع بالكثير من الشبان المسلمين في بريطانيا من أصول آسيوية، إلى السير نحو التطرف.

* «كبرت وأنا أعي كم نحن مختلفون»، تقول زيبا وهي تتحدث عن طفولتها في برادفورد، وهي مدينة تقع في منطقة يوركشير شمال بريطانيا، ونحو 25 في المائة من سكانها من أصول آسيوية، معظمهم مسلمون.

تروي زيبا في كتاب مذكراتها «نحن مسلم.. رجاء»، وهو عنوان يحمل أخطاء نحوية عن قصد، لأنه مقتبس من جملة كانت تستعملها والدتها التي بالكاد تتكلم بعض الإنجليزية، كيف كبرت في بيت باكستاني تقليدي، وسط بلدة إنجليزية تقليدية تحولت رويدا رويدا إلى بلدة باكستانية؟ تقول: «عرفت أنني مسلمة طويلا قبل أن أعرف أنني بريطانية، وعرفت أنني باكستانية طويلا قبل أن أعرف أنني إنجليزية. هذا الأمر بالكاد مستغرب. فأمي كانت تجعلني أردد من حين لآخر منذ أن كان عمري 4 سنوات: نحن باكستانيون، الأطفال الباكستانيون أطفال جيدون، نحن مسلمون، الأطفال المسلمون أطفال جيدون».

عائلتها انتقلت إلى بريطانيا في الستينات بحثا عن وظائف، وكان والدها يعمل بمعدل عشر ساعات يوميا في معمل للمنسوجات، بينما تفرغت والدتها لتربية أولادها الأربعة (بنتان وولدان). شيئا فشيئا تحولت برادفورد إلى مكان مليء بالعائلات المقبلة من باكستان. ظل المجتمع الباكستاني يتوسع في برادفورد، في ظل استمرار تكاثر الطلب على اليد العاملة، حتى استحقت المدينة تسمية «برادستان». وكان المقبلون يحملون معهم عاداتهم وثقافاتهم من باكستان.

ففي منزل زيبا مثلا، كان الجميع يتحدث البنجابية. الجميع حتى الأطفال، كانوا يرتدون اللباس الباكستاني التقليدي. الطعام كان دائما يعد من وصفات الكاري الباكستانية. ديكور المنزل الذي قد يبدو من الخارج منزلا قديما يعود للعصر الفيكتوري، مليء من الداخل بزخرفات إسلامية، ومفروش على طريقة بيوت البنجاب. ومع تمركز الباكستانيين في مجتمعاتهم الجديدة، بدأت مطاعم الكاري وملاحم الحلال وغيرها تفتح في المنطقة لتلبي حاجات السكان. تكتب زيبا عن ذلك: «طعامنا كان طعمه ورائحته مختلفين جدا عن طعام الشعب الإنجليزي، كنا نأكل بأيدينا بينما هم يأكلون بالشوكة والسكينة. حتى الأماكن حيث كنا نتبضع كانت مختلفة؛ لم نكن نذهب إلى السوبر ماركت، بل إلى اللحام الحلال.. ».

ولكن الحياة لم تكن بهذا البساطة؛ ففي وقت كانت تقضي فيه النساء أوقاتهن بالتسوق والعمل داخل المنزل وتمرير الوقت برفقة بعضهن، والرجال منشغلون بين العمل والصلاة في الجامع، كان على الأولاد الذين بدأوا يرتادون المدارس، أن يتأقلموا مع العيش بين البريطانيين البيض على الرغم من جهلهم بهم.

كانت زيبا من الفتيات المحظوظات في برادفورد، لأن والدها قرر إرسالها إلى المدرسة هي وشقيقتها، ولم يتمسك فقط بتعليم ولديه، كما كان سائدا. تقول اليوم وهي تتذكر: «كان هناك قليلون جدا في برادفورد من مجتمعاتنا يرسلون بناتهم للدراسة، وهذا ما أحترمه كثيرا في والدي، لم يميز بين الأولاد والبنات، وهذا كان فريدا في ذلك الحين». وتضيف: «والدي علم نفسه اللغة الإنجليزية، ولذلك كان يفهم قيمة العلم. كان يقول إنه هنا لا يمكن أن نحقق شيئا من دون شهادة».

والداها أراداها أن تصبح محامية، وهي من المهن «المحترمة» في المجتمع الباكستاني. وعلى الرغم من أنها درست الحقوق في الجامعة، فإنها لم تمارسها، بل تحولت إلى العمل الصحافي. تقول: «أحيانا أشعر بأنني خيبت ظن والدي؛ لأنه أرادني أن أصبح محامية.. عندما قلت له أريد أن أصبح صحافية، لم يتكلم معي لأكثر من عام. وظل يقول لأصدقائه إنني محامية، حتى عندما كنت على التلفزيون على الـ(بي بي سي) والقناة الرابعة».

وتروي زيبا في كتابها كيف كانت تعيش انفصاما بين حياتين؛ الأولى في المنزل والثانية في المدرسة. في الأولى، كان تصلي وتعيش حياة المسلم الورع، وتتحدث اللغة البنجابية.. وفي الثانية، كانت تتحدث الإنجليزية وكان عليها أن تختلط برفيقاتها في مدرسة، كان كل الطلاب فيها باستثنائها وحدها، من البيض. كانت مختلفة، ولم تتمكن من تخطي اختلافها. تروي كيف كان والدها يجبرها على ارتداء البنطال الباكستاني التقليدي الملون تحت تنورة المدرسة. وكيف صارت تختبئ خلف شجرة خارج المدرسة لانتزاعه قبل دخولها الصف، بعد أن تعبت من الرد على الأسئلة عن سبب ارتدائها البنطال تحت التنورة.

حتى إن والدها كتب لمديرة المدرس يطلب إليها أن تعفي ابنته من حضور دروس الصلوات الدينية المسيحية لأنها مسلمة. وكتب إليها أيضا يطلب منها أن تسمح لابنتها بأن تغيب عن الصفوف أيام عيدي الأضحى والفطر. وتتذكر كيف كانت الفتيات يأتين إلى المدرسة بعد العطل الصيفية مع قصص مغامراتهن وسفراتهن إلى الخارج، بينما هي لم يكن لديها أي مغامرات. عائلتها لم تكن تملك الكثير من المال، وكانت تقضي معظم وقتها داخل المنزل أو في زيارات لمن تدعوهم العمات والأعمام، أي أصدقاء والديها من الباكستانيين.

وصل بها الأمر في النهاية إلى بدء اختراع قصص و«فبركة» رحلات خيالية إلى الولايات المتحدة أو بلدان أوروبية مع عائلتها، في محاولة للمشاركة بالحديث. ولكن هذه الخدعة لم تكن تنجح. كان دائما يتم اكتشاف كذبتها.

ومما تكتبه زيبا عن أيامها في المدرسة: «بدأت مرحلة الدراسة الثانوية في مدرسة برادفورد للبنات، وأنا أحمل آمالا كبيرة للمستقبل. أردت أن أصبح طبيبة.. ولكن في الواقع لم يتحقق ذلك. لم أصبح أبدا جراحة، لأن اندماجي بين الطلاب كان أهم من جمع العلامات الجيدة.. كنت أحاول أن أوازي بين حياتي في البيت وحياتي في المدرسة. وفي الوقت نفسه كنت في عمر أحاول فيه أن أتوصل إلى من أنا، إلى جانب كوني طالبة مدرسة باكستانية مسلمة.. لم يكن الأمر سهلا».

أصبحت الموازاة بين الحياتين معقدة لدرجة توقفت زيبا في يوم من الأيام فجأة عن الكلام. وبقيت صامتة لمدة عام من الزمن عندما كانت في الخامسة عشرة من العمر. وتكتب عن ذلك: «في خريف عام 1984، كنت على وشك أن أكمل الـ15 عاما، توقفت عن الكلام. لم أخطط لذلك. ولم أقصد ذلك. فقد حدث الأمر، وكلما طال توقفي عن الكلام، كان من الصعب أن أتكلم من جديد.. بعد عطلة الصيف الطويلة التي استمرت 6 أسابيع عدت إلى المدرسة لأستمع إلى ما فعله الجميع في العطلة؛ سافروا حول أوروبا، اشتروا فرسا جديدا، أقاموا علاقة عاطفية قصيرة.. عطلتي لم تكن أبدا شبيهة بأي من عطلات الفتيات، في الواقع بالكاد غادرت شارع منزلي طوال الصيف، وفي الوقت الذي عدت فيه إلى المدرسة كنت قد اكتشفت أمرا عظميا. أدركت أن روديارد كيبلينغ كان محقا: (الشرق هو الشرق والغرب هو الغرب، ولن يلتقي الاثنان أبدا). وهكذا بدأت عام الصمت».

ولكن المؤسف أكثر من صمتها، كان عدم إدراك أحد في المدرسة أنها نذرت الصمت، تقول: «كان الأمر سهلا في المدرسة لأن معظم الطلاب تجاهلوني أصلا، وأنا كنت هادئة جدا لدرجة لم يتنبه الأساتذة إلى أنني نذرت الصمت. ولكن في المنزل، بعد أسابيع قليلة، تسبب الأمر في كثير من الأسى لعائلتي المسكينة».

ولكن الأسوأ في عام الصمت، تروي زيبا، «لم يكن عدم الكلام، بل كان شعوري الرهيب بأنني لا أنتمي لأمي وأبي».

وبهذا، بدأت تتحول الأمور بالنسبة للباكستانيين في بريطانيا. الستينات والسبعينات، كانت الفترة التي شهدت انتقال الباكستانيين إلى هنا بحثا عن الوظائف. ولذلك كان همهم العمل ولا شيء آخر. ولكن الأمر بدا يختلف مع أولادهم الذين ولدوا في بريطانيا، وهم من حاملي الجنسية البريطانية، لغتهم الأم باتت الإنجليزية، وليس لغة أهاليهم. وبدأ الشعور بالاستياء يكبر من ظروف معيشتهم والتمييز الذين يشعرون به.

تقول زيبا عن ذلك: «كان كل همّ والدي، ومعظم الذين قدموا في الستينات بحثا عن العمل، كسب لقمة العيش من دون التسبب في مشكلات.. صحيح أن الحكومة البريطانية كانت تشجع الآسيويين للقدوم إلى هنا والعمل، ولكن عندها كانوا يظنون أن الأمر مؤقت، ولكن تبين أن الأمر غير ذلك. قدمت زوجاتهن، وأصبح لهن أولاد، ولم يعد هناك سبيل للعودة، لأن ذلك يعني انتزاع الأولاد من المدرسة والعودة إلى أين؟ إلى قرية في باكستان؟ كان لدينا خدمات الصحة المجانية وتعليم للأولاد».

تكتب وهي تحاول شرح أول مرحلة من تحول المجمعات الباكستانية من جماعات سلمية إلى «مشاغبة»: «أصبحنا بريطانيين. نحمل جوازات بريطانية. جئنا لنبقى. وبدأنا نفكر لماذا علينا أن نتحمل كل ذلك؟ المسيرات اليمينية المتطرفة، والاعتداءات العنصرية، المعاشات المنخفضة، ظروف السكن السيئة، دائرة الهجرة، وحشية الشرطة. ندفع ضرائب كبيرة ومع ذلك لا يزالون يضايقوننا. حان الوقت للتصرف. حان الوقت للتنظيم. لا وقت للكسل»، وهكذا بدأت المجتمعات الآسيوية تنظم نفسها في ظل حركات اجتماعية أشبه بحزبية، ورفعت شعارات، مثل: «نحن هنا لنبقى. نحن هنا لنقاتل». وانتهت فترة وجودهم السلمية.

تقول في محاولة لتفسير توجه مسلمي بريطانيا إلى التطرف: «المجتمعات أحيانا تعزل نفسها. ولكن أيضا، أغلبية المجتمع البريطاني لم تبذل جهدا لكي تعرف الكثير عن المسلمين»، وتضيف: «هناك عدة نظريات حول أسباب التطرف، منها اجتماعية واقتصادية حيث يتوجه من هم في وضع اقتصادي واجتماعي سيئ إلى التطرف، ولكن لا أوافق على ذلك، لأن معظم الذين ارتكبوا تفجيرات لندن كانت أوضاعهم جيدة».

ولكن انطلاقا من تجربتها، تقول إن عدم قدرة المرء على الاندماج في مجتمعه «صعب». وتضيف: «عدم القدرة على الاندماج يبعدك عن أهلك، لأنهم من جيل مختلف ولا يعرفون ما الذي تمر به، كما تبعدك عن زملائك في المدرسة لأنهم مختلفون. وهنا أعتقد أنه من السهل أن يتم جذبك إلى محيط آخر حيث يتم غسل الدماغ، وحيث يتم إعادة تفسير القرآن بطريقة خاطئة ومختلفة، أكثر عنفا وأكثر عزلا. ولذلك عموما يتم استهداف من هم في عمر الشباب لغسل أدمغتهم لأنهم في عمر حساس».

قد لا تكون هناك إجابة بسيطة أو واضحة لمعالجة هذا الصراع في الانتماء، ولكن زيبا تقترح على البريطانيين الباكستانيين أن يبدأوا بالخروج من تجمعاتهم والاختلاط أكثر بالبريطانيين البيض. وعلى الرغم من أنها لا تنتقد تجمعهم في برادفورد في كتابها، فإنها تقول إن الأمور تغيرت اليوم. تقول: «أفهم أنه من الطبيعي للناس أن يتجمعوا بهذه الطريقة لأسباب تتعلق بالسلامة. عندما لا تتحدث والدتك الإنجليزية ماذا ستفعل؟ تريد أن تتمكن من أن تتكلم مع الطبيب بلغتها أو سائق الحافلة بلغتها لتحصل على إرشادات».

ولكنها ترى أنه لم يعد هناك أسباب اليوم للتجمع كما كان في الماضي. تقول زيبا التي كانت من القلائل الذين غادروا برادفورد للعيش في مكان آخر: «ليس هناك من يريد أذيتنا ولا من يهددنا. نحن بحاجة إلى التفرق، ليس فقط في برادفورد، بل في كل المناطق حيث هناك تجمعات كهذه».

تروي كيف ذهبت مرة إلى جزء من آيرلندا الجنوبية، وكان السكان يتجمعون نحوها للمس بشرتها، لأنهم لم يروا شخصا داكن اللون من قبل. تقول: «لا تزال هناك مناطق كهذه هنا. وإذا لم نتواصل مع السكان، فكيف نتوقع منهم أن يفهمونا وأن نفهمهم؟ أعتقد أن أكثر ما هو مفيد التواصل».

تتحدث زيبا بشغف اليوم عن ديانتها، على الرغم من أنها توقفت عن ممارستها لعدة سنوات عندما كانت في المدرسة وأيام الجامعة. ولكنها تفسر ذلك بأنها كانت تواجه معركة يومية، ولم يكن من السهل عليها ممارسة دينها في مجتمع علماني. تقول: «حين كنت في المدرسة كنت أدفع باتجاه أن أكون شخصا، وفي المنزل كنت أدفع بالاتجاه المعاكس لأكون شخصا آخر. عندما تكبرين في مجتمع علماني، فمن الصعب أن تمارسي دينك بالشكل الكامل، خصوصا أن الإسلام يتطلب ممارسة واضحة، صلاة (5 مرات) وصياما، كان من الصعب علي أن أقوم بذلك، لذلك وضعت ديني جانبا لبعض الوقت لكي أتأقلم مع المجتمع».

ولكنها اليوم استردت تعلقها بالإسلام «الدين المتسامح المسالم كما علمني والدي». وتؤكد أن هدف كتابها هو تفسير حالة المسلمين الآسيويين في بريطانيا، أكثر من إيجاد الحلول، لأن الحلول تأتي بعد فهم الأوضاع.

تقول: «أردت أن يرى الناس ديانتي كما أراها أنا، بشكل إيجابي، في وقت تصور اليوم بشكل سلبي. حصلت إساءات كثيرة لديانتي التي بات يُنظر إليها على أنها عنيفة وضد النساء وكل ذلك، وهذا غير صحيح فأنا أعرف عمق ديانتي»، وتضيف: «كمواطنة في هذا البلد، أشعر بأن لدي واجبات علي أن أمارسها. عندما يأتي المسلمون ليعيشوا هنا، يقول الإسلام إن عليهم واجب أن يصبحوا مواطنين في هذا البلد. وهذا لا يعني بالنسبة لي فقط احترام قوانين البلد، بل يعني التواصل مع شعب البلد واحترام عاداته وثقافته، كما أتوقع منهم أن يحترموا ثقافتي».

تعترف بأنه لطالما كان هناك نوع من العزلة لدى المجتمعات الباكستانية هنا، ولكنها تصر على ضرورة بذل جهد لاحترام المكان والشعب، عبر الاختلاط والحوار، من دون التخلي عن الجذور. تقول: «استغرقني وقت طويل لكي أتوقف عن تحديد نفسي بهوية واحدة، باكستانية أو مسلمة أو بريطانية، أشعر بأنني مباركة لأن لدي الكثير من الهويات. يجب أن نبدأ بالنظر إلى قضية الهويات بصورة إيجابية».

على الرغم من أن تجربتها كبائعة في متجر وسط بلدة معروفة بيمينها المتطرف، كانت صعبة ومؤلمة، فإنها تصر أنها تعلمت منها الكثير. تقول: «كان يأتي إلي أشخاص ويقولون: لم أدرك أبدا أن امرأة باكستانية يمكنها أن تكون مثلك، أن تشارك في أحاديث وتسأل كيف حالك وما إلى ذلك. هذه الأمور الصغيرة التي يمكن القيام بها تساعد الكثير. على المجتمعات أن تكون أكثر انفتاحا».