أكاديميون سعوديون: تطوير المناهج يراعي التسامح مع الآخر.. ونرفض أي إملاءات خارجية

ردا على تقارير صحافية انتقدت المناهج الدراسية السعودية

تنتظر الأوساط التعليمية تطويرا يطرأ على المناهج الدراسية بما يأخذ بعين الاعتبار التسامح مع الآخر الذي يعد أحد تعاليم الشريعة (تصوير: خالد الخميس)
TT

طالب خبراء في السعودية بضرورة تطوير المناهج في المراحل الدراسية مع دخول العام الدراسي الحالي، بما يراعي «التسامح مع الآخر» الذي يعتبر أحد ضوابط الشريعة الإسلامية في العلاقة مع الآخر والتعامل معه في الوقت ذاته، أيا كانت ديانته، مع الحفاظ على الثوابت وعدم فرض ما وصفوها بـ«إسملاءات خارجية».

وتأتي مطالبات الخبراء تلك، لمواجهة حملة تبنتها قناة الـ«بي بي سي» خلال الشهرين الماضيين، وصفت المناهج السعودية بـ«غير المتسامحة مع الآخر».

تلك الحملة، قادت الدكتور زهير الحارثي، عضو مجلس الشورى السعودي، إلى الإفصاح عن رؤيته الخاصة في ما يتعلق بالمناهج، والتي تطالب بتغيير من منطلق من قاعدة التغيير، كمفهوم في فلسفة الحياة، وباعتبار كل شي يحتاج إلى تغيير وتطوير وتحسين.

الحارثي قال في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «المسألة العقلية التي تقوم بالتطوير، وبوضع المنهج، فهذه هي النقطة المفصلية في مسألة التطوير، وليس التطوير في حد ذاته، باعتبارها قاعدة أساسية، وبالتالي المناهج السعودية ينطبق عليها مثل هذا الكلام، مع ضرورة استيعاب ماذا يمكن أن نطور، ومن يقوم بمسألة التطوير».

الحارثي استرسل في الحديث عن المنهاج في بلاده بالقول: «في مرحلة من المراحل في مناهج السعودية، اتضح أنه تم توثيق بعض النقاط التي لا تتماشى مع خط الدولة، ومنهجها المعتدل الوسطي، ومسألة التفسيرات أو توظيف بعض النصوص الدينية، هذا الأمر أعطى انطباعا، حول بعض المناهج التي ربما خرجت عن الخط الذي تستند إليه الدولة، والذي نشأت عليه، فنحن نتعامل مع جيل ونشء يحتاج إلى معلومة، فالمسألة لا تتعلق فقط بالخطاب الديني، ولكن الحديث ينطبق على مواكبة العصر، وطبيعة المناهج، وكيفية التعامل مع المتغيرات، وكيفية أن تكون المناهج تسامحية، وتعايشية، تقبل الرأي الآخر، وليس لديها تمييز عنصري، أو مذهبي، ومناطقي، هذه العناصر لا بد أن تتوافر في الإطار العام للمنهج الدراسي المحكم لأي دولة».

وعن ما يطرح من قبل النقاد بوجوب التغيير في سياسة المناهج المطروحة للتعلم الآن، علق الدكتور الحارثي في قوله: «إن ما يطرح في بعض الأحيان حول المناهج السعودية من قبل كتاب المقالات وغيرهم، والأمثلة التي يضربونها في كتاباتهم، ومن خلال متابعتي لتلك الملاحظات أجدها صحيحة، فبعض المناهج الدينية في الصف الرابع، أو الخامس، هناك أمور لا يستطيع النشء أن يتفهمها، وهو صغير السن، فكيف يتفهم أمورا تدخل في صميم الفقه الإسلامي، تلك الأمور تحتاج إلى عقلية لها قدرة على التمييز، وعلى الإدراك، وعلى فهم البعد العميق للنص الديني، فمسألة التعاطي مع الديانات الأخرى مثلا، ووصف من يدينون بمذهب آخر بأنهم خارج الملة، أو كفار، عندما تغذى هذه العقليات بهذا التوجه وأنت في مجتمع لديك من يعتنق هذا المذهب، فأنت ستدخل في إشكالية كبيرة، تؤثر حتى مفهوم الوحدة الوطنية».

ويعتقد الحارثي أن «هذا دور يناط بالقائمين على مسألة التعاطي مع المناهج السعودية، فمسألة التطوير لا تعني خلق معلومات جديدة، وإنما فهم ما هو أسلوب الحياة الذي نبحث عنه ضمن هذا العالم، وليس منعزلين أو متقوقعين عنه».

وعن الحكمة حال الاستماع إلى نصائح الغير، أو التفاعل مع الطرح الإعلامي في وسائل الإعلام الأجنبية، يواجه الحارثي «الإملاءات الخارجية، فنحن لا بد أن نعترف بأن لدينا أخطاء أو إشكالات، وهذا نصف الحل، والأمر الآخر لا يعنينا شي سواء انتقدنا من الخارج أو لم ننتقد، نحن نرفض الإملاءات ونرفض التدخل الخارجي أي كان نوعه عسكريا، أو سياسيا أو حتى مجتمعيا، هذه هي طبيعتنا، فلدينا ثقافة ولدينا مرجعية دينية،ولدينا طرح وسطي معتدل ولدينا رؤية، وعلماء الكثير منهم مستنير، ولدينا خط سياسي معروف، ولدينا جيل يتجاوز 65 في المائة من المجتمع السعودي شباب، وبالتالي نحتاج إلى طرح عصري يتوافق مع الثوابت الدينية، ويواكب لغة العصر، بغض النظر عن الإملاءات الخارجية، وهذا لا يعنينا شيئا».

وتساءل الدكتور زهير عن لجنة تطوير المناهج في وزارة التعليم، لماذا لم تفعل حتى الآن، على الرغم من إنشائها منذ سنوات طويلة، مطالبا بأن تفعل وتسعى جاهدة في تطوير المناهج وفق الخطوط الدينية، ومواكبة للعصر الحديث.

وحول تفسيره لمفهوم بعض التيارات في السعودية التي ترى في التطوير استمرارا لمسلسل الاختزال، يتوقع الحارثي «أن هذا خلل في التفكير، وعدم ثقة بالنفس، وعدم احترام المؤسسات التعليمية والتربوية في الدولة، فالسعودية تطبق الشريعة في النظام الأساسي للحكم، ودستورها الكتاب والسنة، هذه أمور واضحة، ولا تحتاج إلى مزايدات، أو من يخرج علينا ويقول إن هذا خارج المفهوم الشرعي، وعليهم أن يعودوا، ولذلك أنا طالبت بأن من يطرح عملية التطوير أناس مختصون، لهم رؤية تواكب العصر، وتنتهج الخطوط الرئيسية للثوابت الدينية، ولهم عقلية مستنيرة».

من جهته، قال الدكتور محمود كسناوي، أستاذ علم الاجتماع في جامعة أم القرى، إن «مصادر الإعلام في التعليم ترتكز إلى أربعة أركان، فالأول الأساسي العقيدة الإسلامية، والركن الثاني هو الأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية للمجتمع، والثالث مطالب النمو بالنسبة للطلاب، أما الركن الرابع والأخير مستجدات العصر ومتطلباته التقنية والحضارية، وفي ضوء هذه الأركان الأربعة، التي تعتبر كمصدر لأهداف التعليم في السعودية، فيتوجب على المسؤولين في التربية والتعليم، أن يتم تطوير المناهج بين فترة وأخرى، من منطلق أن مستجدات العصر في تطور مستمر، فلكي نواكب التقدم والتطور العالمي لا بد نأخذ بالمستجدات العصرية المتطورة عالميا، وهذا - بلا شك - يتطلب منا أن نطور في مناهجنا، وفق الأصالة والتجديد، وأقصد بالأصالة أن نحافظ على العقيدة الإسلامية، أما التجديد فهو أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تتطور دائما، والمستجدات تتطور دائما، لذا نحن بحاجة إلى أن نطور في المناهج إلى الأفضل والأحسن».

وحول إفرازات التعليم الحاصلة الآن وهل يتطلب ذلك التدخل في التطوير، أجاب كسناوي: «نعم، فالذي يحدث من تطور من أوضاع اقتصادية واجتماعية في السعودية، بلا شك يحتاج إلى أن يواكبه تطور في المناهج الدراسية، حتى نربي الأبناء ونعلمهم وفقا للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتجددة، خاصة أن الوضع الاجتماعي الحالي الذي هو عبارة عن ارتباطه بالأوضاع الاجتماعية، وما أتى إلينا من غزو فكري، وغزو ثقافي، يتطلب منا أن تكون هنالك مواجهة لهذه المتغيرات، بحيث تكون المناهج الدراسية حاضرة لمواجهة ما قد يطرأ من متغيرات فكرية وثقافية».

وطالب كسناوي بتغيير المناهج لتحقيق ما سماه «تتغير ثقافة المجتمع وتتحول من مجتمع مستهلك إلى مجتمع منتج، هذا الأمر يحتاج إلى إعادة تنظيم نظام التعليم وما يرتبط به من المناهج، بحيث تغذى بما يرتبط بالعلوم التقنية، والصناعية، وما يرتبط بطلاب ينخرطون في المجالات الصناعية، والتقنية، لنكون منتجين أكثر من أن نكون مستهلكين، والأمر الآخر لا بد أن تكون هنالك مرونة في المناهج، وفي طرق تقديمها، بحيث تتلاءم مع روح العصر، ومع أساسيات الحوار مع الآخرين، لتنطبق عليها المبادئ التي حث عليها الإسلام، (وهي الوسطية والاعتدال)، ولا بد أن تكون مناهجنا توجه طلاب العلم، إلى كيفية التفاهم والتحاور مع الآخرين، وكيفية احترامهم، وفقا لتوجيهات الشريعة الإسلامية، وبما لا يفقد الأمة الإسلامية هويتها، ومبادئها الأساسية، نريد تطوير المناهج لنكون أكثر تسامحا، واعتدالا في تعاملنا، مع أصحاب الاتجاهات الأخرى».