المشنوق لـ «الشرق الأوسط»: ما يجري انقلاب إيراني على الحل العربي

قال إن حكومة برئاسة كرامي تعني اشتباكا مع المجتمع الدولي ومزيدا من الانقسامات الداخلية

نهاد المشنوق («الشرق الأوسط»)
TT

رأى النائب اللبناني، نهاد المشنوق، أن ما يحصل في لبنان حاليا هو «انقلاب إيراني على الحل العربي للأزمة اللبنانية»، معلنا أنه لا يزال «يراهن على أن تستيقظ عروبة الرئيس السوري بشار الأسد في الساعة الأخيرة، ويتدخل للحفاظ على استقرار لبنان»، معربا عن اعتقاده أن سورية تحتاج إلى مزيد من التوازن في علاقاتها بين العرب وإيران، وليس إلى مزيد من التأزم في علاقاتها العربية لمصلحة مغامرات إيرانية نعرف أين تبدأ ولا نعرف أين تنتهي.

وحذر المشنوق من أن حكومة من لون واحد «هي حكومة اشتباك، مهمتها المزيد من المواجهة مع المجتمع الدولي، والمزيد من الانقسامات الداخلية. وهذه مغامرة لا تشبه شيئا، بقدر ما تشبه المغامرات الإيرانية المنتشرة في كل مكان حول العالم، التي لم تحقق الاستقرار والأمان والتقدم للشعوب».

* ما هي السيناريوهات التي تنتظرنا قبل الموقعة الحاسمة غدا؟

- على غير السائد من التشاؤم، أنا أعتقد بوجود احتمال، ولو ضئيلا، بأن تحصل تسوية ما في الساعة الأخيرة، تستعيد من خلالها سورية وعيها العربي، وتعلم أن ما يجري في لبنان هو انقلاب ليس في مصلحة لبنان ولا سورية على الإطلاق. لأن هذه السياسة تؤدي إلى التفريط في مكتسبات كثيرة حققتها سورية في السنوات الثلاث الأخيرة من خلال الانفتاح على أوروبا والحوار مع الأميركيين والتصالح مع العرب، خاصة بعد مبادرة الملك عبد الله في الكويت، وكل هذه المكتسبات معرضة لأن تصاب بضرر شديد نتيجة الانقلاب السياسي القائم.

* انقلاب من قبل مَن على مَن؟

- أنا أرى أن ما يحصل هو انقلاب من قبل إيران على الحل العربي الإقليمي، بداية بالفتوى التي أصدرها خامنئي وأقفل من خلالها الباب على أي تسوية، ثم تصرف الرئيس الإيراني وتصريحاته التي تفيد بأنه يريد أن يحقق النصر على الولايات المتحدة في لبنان، وكأن لبنان ولاية أميركية وليس دولة عربية فيها مواطنون أكثر من إيران لا يؤيدون السياسة الأميركية. ثم كلام نائب رئيس الأركان، الجنرال جزيري، بأننا سننتصر على الولايات المتحدة، ولن نسمح لها بالتغلب على بطولات حزب الله. كل التصريحات الإيرانية تدل على أنهم يرون في لبنان منطقة أميركية يريدون أن ينتصروا فيها على أميركا كقوة مسيطرة على لبنان، في وقت أنهم قبلوا بإجراء تسوية مع الأميركيين في العراق، وكذلك تفعل الإدارة الأميركية في تصرفها السياسي تجاه لبنان، وكأنه ولاية إيرانية.

* ماذا عن التسوية التي كانت مقترحة؟

- هناك سؤال لا أجد له جوابا، وهو عن سبب بقاء هذه الورقة العربية للحل 4 أشهر في الدرج ولم يجر إبراز تحقيق ما ورد فيها من صغائر قبل الكبائر. إذا كان السيد نصر الله يعتبر أن بعض بنودها إيجابي ونحن ننظر إلى بعض النقاط الأخرى بعين إيجابية، فلماذا استغرق الكلام 4 أشهر؟ والنقاش علامَ كان يدور؟ الرئيس الحريري «ارتكب» في سبتمبر (أيلول) 2010 تصريح تبرئة سورية، والحديث عن شهود الزور في صحيفتكم؛ فماذا كان الجواب؟ وما الذي قدمته المعارضة وما الذي فعلته سورية لتنفيذ هذه الورقة؟ هناك بنود في الورقة التي أعلنت سخيفة ولم يكن ثمة ما يبرر عدم تنفيذها لإبداء حسن النية. وأنا أقول إنه في الأساس، لو عرضت هذه الورقة علينا وعلى الكثير من المعنيين بهذا الملف لما وافقوا عليها ولما اعتبروها عنصرا مؤسسا في استقرار النظام اللبناني. ومع ذلك اعتبر الرئيس الحريري أنه يفعل ذلك من أجل ما يعتقد أنه يستطيع الحصول عليه من استقرار.

هذه الورقة وضعت في الدرج 4 أشهر لأن هناك طرفين التقيا على رفضها. الأميركيون لم يكونوا يريدونها، وأنا أبلغت مباشرة من قبل مسؤولين أميركيين باعتراضهم على مبدأ التسوية. والإيرانيون لم يوافقوا عليها، لأنهم يريدون الاستمرار في المفاوضة على ورقة الاستقرار في لبنان. أنا لا أستطيع أن أقبل بأن سورية كانت موافقة على هذه الورقة ولم تستطع تنفيذها، ولا أفهم مطلقا أن سورية تريد إحداث انقلاب لصالح التشدد الإيراني في لبنان.

أنا أعتقد أن سورية تحتاج إلى مزيد من التوازن في علاقاتها بين العرب وإيران، وليس إلى مزيد من التأزم في علاقاتها العربية لمصلحة مغامرات إيرانية نعرف أين تبدأ ولا نعرف أين تنتهي. هناك انتشار سياسي إيراني خارجي، نحن نتهرب من مناقشته ونحاول اعتباره انتشارا «سلميا»، والحقيقة غير ذلك. فهذا الانتشار لا يتسبب إلا في الحكم بمزيد من الانقسامات في المجتمعات العربية، ومزيد من مفهوم الانتماء إلى غير الدولة الوطنية التي يقيم فيها المواطن العربي أيا كان انتماؤه السياسي؛ فكل نظريات الانتماء السياسي قائمة على الولاء الديني والسياسي.

* ماذا لو شُكلت الحكومة اللبنانية بالطريقة التي يتم تداولها؟

- ستتسبب بالتأكيد في المزيد من الانقسام الحاد، والمزيد من المذهبية والطائفية في لبنان.

* حكومة بـ«النصف زائد واحد» هل هي قابلة للتنفيذ؟

- أنا لا أرى ذلك، لكن هناك من يقنع المعارضة بذلك. ما زلت أراهن على أن الرئيس السوري سيتدخل في اللحظة الأخيرة، وعلى عكس ما يشاع عن تصلبه وحدته الشخصية والسياسية، وتنتصر عروبة سورية لمفهوم تحقيق الاستقرار في لبنان.

* هناك عامل آخر يتهدد الاستقرار، وهو القرار الظني، وقد شهدنا نموذجا عن هذه التحركات في شوارع بيروت الأسبوع الماضي.

- الاستعراض الذي قام به حزب الله في شوارع بيروت هو رسالة تهديد للناس، وللمعنيين بالاستقرار العام. لكن هذا لا يعني أنهم يستطيعون أن يحققوا من خلالها نتائج سياسية، لولا استعادة وليد جنبلاط لمخاوف الأقلية، بعد إقامة طويلة داخل الاطمئنان الأكثري، والأكثري هنا هو الاطمئنان العربي، وليس وفق تقسيمات «8آذار» و«14آذار».

* تستبعد العمل العسكري؟

- لا مبرر له، لأنه لا يمكن استثماره سياسيا. هم يخوضون اللعبة ضمن الأطر الدستورية المتبعة. لكن هذه الأطر تناقض مبدأ العيش المشترك. وعلى الرغم من احترامي للرئيس عمر كرامي وعراقة بيته السياسي وعروبة هذا البيت الأكيدة. لكن بالمبدأ، لا أستطيع أن أقبل بمرشح ساقط في الانتخابات النيابية رئيسا للحكومة، بصرف النظر عن مدى تمثيله لطائفته، مع العلم بأن استطلاعا للرأي جرى في الأسبوع الماضي أعطاه اثنين في المائة من التصويت المسلم السني، بينما نال الحريري 74 في المائة وثلثي المسيحيين من المستفتين و11 في المائة من المسلمين الشيعة. هناك مجموعة من النواب، هم 27 نائبا سنيا في البرلمان، بينهم 24 نائبا يؤيدون الرئيس الحريري، و20 منهم أعضاء في كتلة المستقبل التي يرأسها، فضلا عن تنوع تمثيل الكتلة الطائفي. والقفز فوق هذه الاعتبارات هو دخول في المجهول، وليست انتصارا، إلا لمنطق الحدة التي عبرت عنها القيادات الإيرانية أخيرا.

* ماذا عن التسوية التي قرأنا تفاصيلها اليوم؟

- كل الحديث الدائر هو أن الرئيس الحريري موافق شخصيا على تسوية ما بخصوص المحكمة، بغض النظر عن الموقف منها، فالرئيس الحريري لم يبحثها لا مع أعضاء كتلته ولا مع حلفائه. لكن موافقة الرئيس الحريري أتت على شرط أن لا تكون التسوية مسبقة، وأن لا تكون مجانية. بمعنى أن الثمن هو تثبيت طبائع النظام وركائز الدولة. وأنا أرى أن الورقة ضعيفة، وكان يجب أن تؤكد أكثر على مفهوم ومظاهر الدولة، وما زلت أعتقد أن المحكمة الدولية هي مفصل تاريخي يجب الاستفادة منه لاستعادة ركائز ثابتة وواضحة ومحددة لمفهوم الدولة.

* كيف ستتعاطون مع الحكومة المقبلة إذا ألفتها المعارضة؟

- هي حكومة اشتباك، مهمتها المزيد من المواجهة مع المجتمع الدولي، والمزيد من المواجهة مع العالم العربي، والمزيد من الانقسامات الداخلية. هذه مغامرة لا تشبه شيئا، بقدر ما تشبه المغامرات الإيرانية المنتشرة في كل مكان حول العالم، التي لم تحقق الاستقرار والأمان للشعوب.

* ألا تعتقد أن حكومة مماثلة تستطيع استهداف المحكمة في ظل موافقة الحريري المسبقة على التسوية بشأنها؟

- لا أعتقد أن المجتمع الدولي، ولا المجموعة العربية سيتقبلون قرارات من هذا النوع، بنفس الطريقة التي كانوا سيتقبلونها من حكومة تمثل مختلف القوى السياسية والأطراف اللبنانية بشكل عادل ومتساوٍ وهادئ. الفجاجة التي تصرفت بها قيادات المعارضة مع المسعى التركي - القطري الذي يحظى بالرعاية السعودية والموافقة السورية، تدل على وجود قرار بإبعاد الحل العربي والإقليمي عن لبنان. وهذا قرار تلتقي فيه المصالح الأميركية - الإيرانية، سواء عن قصد أو من دون قصد.

* ستنتقلون إلى المعارضة إذا لم يؤلف الحريري الحكومة المقبلة؟

- سنتصرف وفقا للدستور. هناك مجموعة قررت التفرد بلبنان، ونحن سنعارض هذه المجموعة بكل السبل الدستورية والقانونية الممكنة، التي لا تعرض حياة الناس ولا استقرارهم ولا أمنهم للخطر. لكننا لا نستطيع أن نعد الناس بترك هذه الحكومة تفعل ما يخالف طبائع النظام اللبناني.

* إذن نحن أمام تجربة جديدة؟

- إننا أمام تجربة غير مسبوقة تصيب أسس النظام وإمكانات التعايش. هناك فرق بين تداول السلطة الذي هو جزء طبيعي من ضمانات النظام اللبناني، لكن ما يجري الآن هو عملية انتحارية، وأشير في هذا الإطار إلى مقال نشر في صحيفة «نيويورك تايمز»، وصف فيه ما يجري بأنه «آخر عملية انتحارية لحزب الله في لبنان».

على كل حال، أنا أريد أن أؤكد أن الحل في لبنان لا يمكن إلا أن يكون عربيا، وأرفض أي تدخل غير عربي في لبنان. ومن حق لبنان على العرب أن يتجاوزوا خلافاتهم من أجله. ومن يدافع عن الأمن والسلم في لبنان، إنما يدافع عن الأمن والنظام والاستقرار في كل العالم العربي.

* هل تراهنون على الدعم الدولي والعربي؟

- لا نراهن على المجتمع الدولي. لبنان يجب أن يكون متفاهما مع المجتمع الدولي لا أن يعتمد عليه. ولبنان بتركيبته لا يمكن إلا أن يكون متفاهما مع المجتمع الدولي. لبنان يجب أن يكون جزءا من المجموعة العربية التي يحرص عليها وتحرص عليه، أي كلام آخر هو خارج سياق الاستقرار في لبنان.

* ماذا عن وضع النائب وليد جنبلاط؟ ألم يكن بالإمكان تفهم مواقفه بعدما خذله الغرب؟

- إن جزءا «كبيرا» من «المستقبل» وجمهور رفيق الحريري يؤكدون على اهتمامهم بالعلاقة مع سورية. وأن يكون لبنان الضامن للأمن القومي السوري. وفي هذه النقطة وليد جنبلاط ليس أمامنا، بل خلفنا. كما أن جزءا كبيرا من الجمهور ومن نواب الكتلة يعتبرون أن المقاومة عنوان ضروري وأساسي لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية. والتعديل الوحيد الذي نادوا به خلال السنوات الـ3 الماضية، هو أن تكون هذه المقاومة من ضمن إطار التفاهم مع الدولة، بحيث لا يكون هناك أي ازدواج في القرارين العسكري والسياسي. لكن هذا لا يعني أن أحدا منا تخلى عن قناعاته، أو أنه يريد أن يكون لبنان جزءا من التعرض للأمن القومي السوري.

في السنوات الثلاث الأخيرة، استعاد جمهور الرئيس الحريري العوامل التي كانت تجعل المقاومة ضد إسرائيل جزءا من تراثه وفخره وتاريخه.