الشرطة تنضم للمتظاهرين وتعترض سيارة الرئيس المؤقت للبلاد

تزايد الضغوط على الحكومة.. والغنوشي يؤكد عزمه التخلي عن السياسة بعد الفترة الانتقالية

عناصر من مؤسسات أمنية مختلفة خلال مشاركتهم في المظاهرات في العاصمة التونسية أمس (إ.ب.أ)
TT

نزل التونسيون مجددا بأعداد كبيرة إلى الشارع، أمس، في مظاهرات اختلطت فيها المطالب الاجتماعية بدعوة الحكومة المؤقتة إلى التخلص رموز النظام السابق، وذلك رغم وعود «القطيعة» مع الماضي التي أعلنتها السلطات الانتقالية. ففي تونس، تظاهر آلاف التونسيين في تجمعات متعددة في شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة وأمام مقر الحكومة ومقر الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية).

كما انطلق المئات من التونسيين من سكان الوسط الغربي أمس باتجاه العاصمة في مسيرة أطلقوا عليها «قافلة التحرير»، للمطالبة برحيل رموز النظام السابق من الحكومة. وبدأ نحو 300 شخص مسيرتهم من بلدة منزل بوزيان (280 كم جنوب العاصمة)، وسرعان ما بدأ الموكب يتسع مع اقتراب الجمع مساء من بلدة الرقاب (وسط غرب) حيث يستعد السكان لاستقبالهم. وقالت تقارير إن عددهم بلغ 800 مساء. وأطلقت دعوات عبر المواقع الاجتماعية على الإنترنت لانضمام متظاهرين آخرين من مناطق أخرى إلى «قافلة التحرير» التي يتوقع أن تصل إلى العاصمة التونسية «خلال أربعة أو خمسة أيام»، بحسب فاضل. وأراد المشاركون في المسيرة أن يمضوا الليلة الماضية في الرقاب، حيث كان بانتظارهم أكثر من ألفين من السكان قال بعضهم إنهم ينوون الانضمام إليهم عند استئناف المسيرة صباح اليوم الأحد.

كذلك، شارك الكثير من عناصر الشرطة بالزيين الرسمي والمدني، وبعضهم كانوا على الدراجات، في المظاهرات التي شهدها وسط العاصمة أمس، مؤكدين أنهم «تونسيون مثل باقي التونسيين». وشدد عناصر من الشرطة شاركوا في المظاهرات، تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، على أنهم جزء من الشعب، وقالوا «كفانا تعليمات». وقال شرطي أمام مقر المركزية النقابية التي قامت بدور كبير في تأطير الاحتجاجات الأخيرة «لم نعد نحتمل تلقي الأوامر، ونريد التعبير عن غضبنا». وقال شرطي آخر «نحن مجندون طوال اليوم مقابل أجر زهيد» ملوحا ببطاقة راتبه الشهري الذي يبلغ 360 دينارا (نحو 200 دولار).

بدوره، قال فتحي المنصري، وهو محافظ شرطة أول، إن أهم مطلبين للمؤسسة الأمنية اليوم هما عدم تسييسها وإخراجها من التبعية لأي جهة سياسية، وثانيا تكوين نقابة تدافع عن عناصر الأمن وتتدخل لإيقاف عمليات النقل التعسفية ومراجعة جدول المرتبات والترقيات المهنية. وأضاف المنصري أن الأجهزة الأمنية فرحة اليوم لحصول تغيير سياسي في تونس. وأضاف أن الحكومة الجديدة مطالبة بإرجاع الحقوق إلى ما بين 2500 و3000 عنصر أمن تخلص منهم نظام بن علي باعتبارهم من العناصر المشوشة. وقال إن هؤلاء يطالبون اليوم بتعويض عن الضرر الذي لحق بهم. كما قال عبد الحميد البوثوري (محافظ أمن) إن معظم زملائه هم من خريجي الجامعات، وإنهم كانوا بدورهم ضحية القمع البوليسي المنفذ من قبل «شرطة الشرطة، وهو جهاز لمراقبة أجهزة الأمن التونسية». وأضاف أن عناصر الأمن لا يمكنهم رفض الأوامر لأن ذلك قد يعرضهم إلى العزل من العمل إن لم يصل الأمر إلى حد القتل.

وأخذت مظاهرات أمس أيضا طابعا اجتماعيا، حيث يطالب العاملون في البلدية مثلا بتحسين ظروف عملهم، ويطالب عمال تنظيف في بعض المؤسسات برفع رواتبهم.

وفي مدينة سيدي بوزيد مهد الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس بن علي، تظاهر نحو مائة شرطي صباح أمس في شوارع المدينة لإعلان أنهم هم أيضا «ضحايا» النظام السابق. ومنذ أطيح بالنظام السابق، يعبر المواطنون التونسيون عن مشاعر مناهضة للشرطة التي يبلغ عديد عناصرها مائة ألف، والتي كانت تشكل الأداة المفضلة للقمع في عهد النظام السابق.

وفي حدث لافت، اعترضت عناصر غاضبة من الشرطة أمس سيارة الرئيس المؤقت للبلاد، فؤاد المبزع (77 عاما)، ومنعوها لدقائق من الوصول إلى قصر الحكومة بالقصبة (وسط العاصمة)، قبل أن تتدخل عناصر أخرى وتفسح لها الطريق. ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن شهود عيان قولهم إن نحو 300 رجل أمن بأزياء مدنية ورسمية اعترضوا سيارة المبزع ومنعوها لدقائق من الوصول إلى قصر الحكومة مرددين شعارات ضد الرئيس المخلوع والمدير السابق للأمن الرئاسي الجنرال علي السرياطي (موقوف حاليا لدى السلطات). وأوضحت المصادر أن عناصر أخرى من الشرطة في زي رسمي تدخلوا بهدوء وأفسحوا المجال لسيارة المبزع (الذي بدت عليه علامات الإحباط) بعد أن أقنعوا زملاءهم المحتجين بضرورة أن يكون الشرطي أول من يحترم القانون في البلد.

وأمام استمرار المظاهرات، باتت أمام حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة تحديات عدة، فهي مهددة من الداخل بانسحاب عناصر من تركيبتها، كما أنها تستفيق مطلع كل يوم على هتافات الشارع المطالب بحلها بسبب وجود عناصر من النظام السابق داخلها. وفي محاولة لتهدئة الشارع الذي يخشى سرقة انتفاضته من قبل حكومة يهيمن عليها وزراء من الفريق الحكومي السابق، تعهد رئيس الوزراء محمد الغنوشي، مساء أول من أمس، بأنه سيتخلى عن كل نشاط سياسي بعد الفترة الانتقالية. وأعلن في مقابلة بثها التلفزيون أنه سيتم إلغاء كل القوانين غير الديمقراطية، وبينها قانون الصحافة والقانون الانتخابي وقانون مكافحة الإرهاب. كما تعهد بالحفاظ على المكاسب الحداثية والاجتماعية، وبينها بالخصوص حرية المرأة ومجانية التعليم والصحة.

وأكد الغنوشي، الذي عمل منذ 1999 رئيس وزراء النظام السابق، أنه كان «خائفا مثل كل التونسيين» في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي الذي فر قبل أسبوع من البلاد بفعل انتفاضة شعبية لا سابق لها. وقال ردا على سؤال «هل كنت تشعر بأنك كنت رهينة مثل باقي التونسيين في عهد بن علي؟»: «أنا (كنت) أعيش مثل التونسيين، وأفكر مثل التونسيين، وخائف مثل التونسيين». وأشار في المقابلة التي غلبه التأثر خلالها ثلاث مرات حتى كاد يبكي، إلى أنه كان يضع باستمرار في ركن من مكتبه أوراقه الشخصية مستعدا للرحيل من السلطة.

وقال الأمين العام للتكتل الديمقراطي للعمل والحريات الذي كان استقال من عضوية الحكومة «هناك رغبة في الخروج من الأزمة، لكن مع استمرار عدم فهم قوة الرفض الشعبي لكل رموز النظام السابق».

في هذه الأثناء، أعلنت ثمانية تنظيمات سياسية يسارية وقومية عربية في تونس تشكيل «جبهة 14 يناير»، وذلك بهدف تحقيق أهداف الانتفاضة والتصدي «للقوى المضادة» لها، والعمل بالخصوص على «صياغة دستور ديمقراطي جديد»، بحسب بيان نشر أمس.

من جهة أخرى، قالت صحيفة «الشروق» اليومية الخاصة إن ثلاثة من أعضاء المجلس التأسيسي لسنة 1955، هم أحمد المستيري وأحمد بن صالح ومصطفى الفيلالي، توجهوا إلى الرئيس المؤقت فؤاد المبزع وأعلموه أنهم كونوا «مجلسا وطنيا للثورة» يتألف من كل الأحزاب والتيارات والمنظمات التونسية، مطالبين بـ«تشكيل حكومة إنقاذ وطني، مع أولوية إعداد الدستور (الجديد) والاستفتاء عليه، ذلك أن عملية الاستفتاء على الدستور تمكن من كسب الوقت، ثم تأتي بعدها مرحلة الانتخابات».

وفي سويسرا، تم حجز طائرة تابعة لمقربين من بن علي في مطار جنيف، بعد قرار سويسرا تجميد ممتلكات الرئيس السابق والمقربين منه. وأعلن العملاق السويسري «نستله» أمس أن منصف الماطري، والد صخر الماطري صهر بن علي، الرئيس الشرفي للمؤسسة في تونس، أقيل من مهامه، وذلك بعد أن أدرج اسمه ضمن لائحة المقربين من بن علي، وتم تجميد أرصدته المحتملة.