«الاتحاد العام التونسي للشغل».. لاعب رئيسي في الاحتجاجات اختار الانحياز إلى الشعب

يطالب بحكومة إنقاذ وطني.. ويعد المؤسسة الأكثر تنظيما في البلاد بعد «التجمع الدستوري»

TT

برز الاتحاد العام التونسي للشغل (النقابة العمالية الوحيدة في تونس) كلاعب رئيسي في الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت بنظام الرئيس بن علي، إلى درجة أن محللين اعتبروه الجهة الوحيدة القادرة على تحريك الشارع التونسي لما يتمتع به هياكل منظمة ومنتشرة عبر كامل تراب البلاد. ويطالب الاتحاد العام للشغل، الآن، بتشكيل حكومة إنقاذ وطني، وهو يمثل المؤسسة الأكثر تنظيما في البلاد بعد الحزب الحاكم سابقا، التجمع الدستوري الديمقراطي، إلا أنه يتميز عنه بالتصاقه أكثر بالفئات الاجتماعية، ودفاعه عن القدرة الشرائية للتونسيين، ودخوله المتكرر في مفاوضات مع الحكومة وأرباب العمل لمراجعة الأجور. وبعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، سحب الاتحاد العام للشغل ممثليه الثلاثة من تلك الحكومة احتجاجا على وجود عناصر من النظام السباق، مما وفر له هامش مناورة إضافيا.

ويقول جمال العرفاوي، المحلل السياسي التونسي، إن الاتحاد العام للشغل ليست له مطامح سياسية، وهو غالبا ما يستجيب لنبض الشارع التونسي. ويضيف أن الاتحاد العام للشغل، غالبا ما أطر الاحتجاجات الاجتماعية ووجهها نحو وجهتها الصحيحة، كما أنه يحاول دائما أن يبقي على نفس المساحة بين الأطراف المختلفة أو المتجادلة حول الوضع السياسي والاجتماعي. ويرى العرفاوي أن الاتحاد سعى، خلال الاحتجاجات الأخيرة، إلى عدم التصادم مع سلطة بن علي، لعدم إيمانه بإمكانية القضاء على النظام.

يضم الاتحاد العام للشغل عدة هياكل، بينها المؤتمر الوطني (السلطة العليا للقرار) الذي ينعقد عاديا كل خمس سنوات بقرار من الهيئة الإدارية الوطنية، واستثنائيا بطلب من ثلثي أعضاء المجلس الوطني. ويعتبر المجلس سلطة القرار الثانية بعد المؤتمر، وينعقد عاديا مرة كل سنتين، واستثنائيا بطلب من أغلبية أعضائه. وللاتحاد أيضا هيئة إدارية وطنية (تمثل السلطة الثالثة في الاتحاد) تتخذ قراراتها على قاعدة التمثيل النسبي، ومكتب تنفيذي وطني يضم الكتّاب العامين للاتحادات الجهوية.

يشغل عبد السلام جراد حاليا منصب الأمين العام للاتحاد، وهو بذلك المسؤول الأول والناطق الرسمي باسم الاتحاد، وهو الذي يدير شؤون الاتحاد في الداخل والخارج، كما يرأس مجالس إدارة مؤسسات الاتحاد، ويعد المسؤول الأول عن جريدة «الشعب» الناطقة بلسان الاتحاد. ولا تقل الرتبة الحقيقية للأمين العام للاتحاد عن رتبة وزير، إذ إن أبواب الحزب الحاكم دائما مفتوحة على مصراعيها أمامه لما يتمتع به من وزن سياسي واجتماعي.

ويقول غسان القصيبي (النقابة التونسية للثقافة والإعلام) إن الدور الذي لعبه الاتحاد خلال التحركات الاجتماعية الأخيرة كان من الصعوبة والتعقيد بمكان، فهو كان مطالبا من الحكومة بفرض الانضباط على هياكله وقواعده حتى لا تجاهر بمعاداتها للنظام القائم، لكنه كان كذلك مطالبا بمساندة تحركات الشارع وعدم الاكتفاء بالبيانات والبلاغات. وتابع القصيبي «أعتقد أن الاتحاد نجح في الامتحان وتوصل إلى حل معادلة صعبة للغاية في وقت صعب للغاية، وهو الآن ما زال لاعبا رئيسيا في الأحداث، وبإمكانه توجيهها نحو انتظارات الشارع التونسي». وحول استقالة أعضائه من الحكومة المؤقتة رأى القصيبي أن الاتحاد يبتعد عموما عن المشاركة في الحكومات القائمة حتى يبقي على جانب من استقلالية قراراته.

وترى المنظمة العمالية في تاريخها الطويل أن الإضراب عن العمل «حق مشروع في النضال النقابي، وهو جزء لا يتجزأ من الحق النقابي المنصوص عليه بالدستور التونسي».

وقد تأسس الاتحاد العام التونسي للشغل في 20 يناير (كانون الثاني) 1946، وهو بذلك أقدم مؤسسة سياسية واجتماعية في البلاد بعد الحزب الاشتراكي الدستوري الذي أسسه الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة في 2 مارس (آذار) 1934.

وطوال عقدي الستينات والسبعينات مثل الاتحاد العام للشغل واحدا من أهم عناصر المحافظة على موازين القوى بين سلطة بورقيبة والشارع التونسي، وحافظ الطرفان على عنصر الشد والجذب طوال تلك الفترة في ظل غياب الأحزاب السياسية التي أقصاها بورقيبة من الساحة. وشارك الاتحاد في التحركات الاحتجاجية في 26 يناير 1978 في ما يعرف بين التونسيين بالخميس الأسود، كما شارك بفعالية في انتفاضة الخبز في 3 يناير 1984، وهو بذلك ظل على الدوام قريبا من نبض الشارع التونسي.

يشار إلى أن عبد السلام جراد الأمين العام الحالي للاتحاد عوض إسماعيل السحباني في 12 سبتمبر (أيلول) 2000 بعد توجيه تهم بالفساد ضد السحباني. وأعيد انتخاب جراد سنة 2002 ثم سنة 2006، وعرفت فترة رئاسته للاتحاد في عمومها تراجع العمل النقابي من ناحية، وتنامي سلطة القواعد النقابية في الجهات الداخلية للبلاد من ناحية أخرى. وأيد الاتحاد ترشيح بن علي للانتخابات الرئاسية في سنة 2004 ثم في سنة 2009، إلا أن القواعد النقابية العادية لم تكن راضية عن تلك القرارات.

وينادي الاتحاد اليوم في بياناته بضرورة تشكيل حكومة ائتلاف وطني تضم كل الحساسيات السياسية والفكرية والاجتماعية، وتشكيل لجان مستقلة تتولى تقصي الحقائق حول كل من ثبت تورطه في ما استهدف المواطنين من قتل بالرصاص، ومتابعة المرتشين والمتسببين في الفساد بكل أشكاله، هذا إلى جانب مراجعة الدستور وكل القوانين المتصلة بالإصلاح السياسي. كما يدعو إلى رفع الرقابة عن الإعلام وإصدار عفو تشريعي عام وحل الهياكل المهنية التابعة للحزب الحاكم المطاح برئيسه، وفصل الأحزاب عن هياكل الدولة وإقرار حق التنظم والتظاهر السلمي، وتأسيس نظام برلماني يضع قطيعة تامة مع النظام الرئاسي.