المجموعة الفنية الراديكالية تلعب لعبة القط والفأر في مواجهة المخالب الروسية

أطلقت أكثر مشاريعها جرأة وهو «ثورة القصر» لمحاربة فساد السلطة

TT

لقد أصبح من الصعب تحديد موقع أليكزي بلاستر سارنو. وفي الوقت الذي تضيق فيه حملات الشرطة الخناق على «فوينا»، المجموعة الفنية الروسية الراديكالية التي ينتمي إليها، امتنع بلاستر عن استخدام الهاتف الجوال خشية أن تعرف الشرطة مكانه، واستعاض عنه ببرنامج «سكايبي»، وأحيانا الخطابات التي يسلمها الوسطاء باليد.

عندما ازداد ضغط الشرطة على بلاستر سارنو، حاول أن لا يقضي ليلتين متتاليتين في المكان نفسه، وعمل على تشتيتهم مرة من خلال عمل مقابلات كثيرة يصرح فيها بأنه في أستونيا في الوقت الذي ينشر فيه رسائل متزامنة على مدونة من تل أبيب وهو مكان آخر لا يوجد فيه.

تطلب عمل مقابلة مع بلاستر سارنو الشهر الحالي انتظار شابة ترتدي معطفا أزرق عند تمثال فيلسوف أوكراني من فلاسفة القرن الثامن عشر، وفحصت الشابة جوازات السفر وقادتهم إلى مكانه. لم يذكر أحد هذه المعلومة حينذاك، إلا أن الفيلسوف هو ريهوري سكوفورودا ومكتوب على قاعدة تمثاله «حاول العالم الإمساك بي، لكنه لم ينجح».

إن كان الأمر يبدو وكأنه لعبة، فلهذا سبب مقنع، حيث تلعب مجموعة «فوينا»، التي تعني الحرب، لمدة 3 سنوات لعبة القط والفأر مع سلطات تطبيق القانون الروسية شهدت أحداثا لم يلق بعضها شهرة مثل إلقاء قطط حية على موظفي الخزينة في ماكدونالدز.

وأطلقت مجموعة «فوينا» في سبتمبر (أيلول) الماضي أكثر مشاريعها جرأة وهو «ثورة القصر»، الذي تضمن الجري إلى سيارات شرطة متوقفة وقلبها رأسا على عقب ردا على فساد الشرطة، كما أوضحت المجموعة. وقد تعاملت السلطات الروسية في السابق مع هذه المجموعة باعتبارها مصدر إزعاج. وقال جوزيف غابونيا، أحد محامي المجموعة، إن الغرامة التي تم تحديدها عقابا على واقعة الجسر بلغت 2000 روبل أو 67 دولارا. لكن تواجه المجموعة تهما جديدة غرضها القضاء عليها، حيث تم حبس اثنين من قادة المجموعة احتياطيا، ويواجهان حكما قد يصل إلى 7 أعوام، بينما يخشى ثالث أن يفقد حضانته لابنه.

ويعني هذا أن بلاستر سارنو هو آخر قادة المجموعة الذي ما زال لديه حرية عمل مقابلات مع صحافيين، وهو من قال عنه إنه آمن فقط خارج حدود روسيا. لا يبدو بلاستر سارنو الذي يبلغ الثامنة والأربعين من العمر أستاذا بل شخصا مطاردا ومن النوع الذي يظل مستيقظا حتى الفجر يتجادل في النظرية التفسيرية ويشرب صندوقا من النبيذ. وقضى جانبا كبيرا من حياته المهنية داخل دائرة الضوء بشكل أو بآخر. إنه مؤلف «قاموس الشتائم الروسية» الذي يقع في عدة أجزاء، وكذلك قدم البرنامج التلفزيوني الحواري «المربع الأسود» الذي وصفه بأنه «52 دقيقة من الجدل الفلسفي المزعج الذي تتعالى فيه الأصوات والمشاجرات». لكن هذه الحياة انهارت، ففي اليوم الذي تم القبض فيه على زملائه، ذهب بلاستر سارنو لرؤية والدته في موسكو للمرة الأخيرة لإدراكه أن زيارتها في شقتها بعد ذلك سيتضمن مخاطرة كبيرة. وقال إن المحققين قد هددوا باتهامه بالضلوع في تنظيم تشكيل عصابي إجرامي مما قد يؤدي إلى الحكم عليه بالسجن لمدة تصل إلى 20 عاما. وأوضح قائلا: «لقد كان من الواضح أنه سيتم القبض على أحد ما إن آجلا أم عاجلا». وقال في إشارة إلى أوليغ فوروتنيكوف، أحد قادة المجموعة الذين تم القبض عليهم: «يبدو أن تقدير أوليغ للمخاطر كان قليلا، في حين أنني بالغت في تقديرها، حيث لم أقض ليلة واحدة في المكان نفسه مرتين». وعندما سئل بلاستر ما إذا كان هذا النمط من الحياة يمثل عبئا عليه، أجاب وابتسامة عريضة تعلو وجهه قائلا إنه يحب هذا النمط كثيرا. وقد كان الشعور بالاشمئزاز هو السبب في ظهور «فوينا». وفي منتصف العقد الماضي، كانت موسكو تزخر بالمال، واختفت التعبيرية الراديكالية تقريبا من الحياة العامة. وكانت التجمعات المعارضة محدودة، لدرجة أن الصحافيين الغربيين لم يعدوا يظهرون. وكان الفنانون يحصلون على دخل جيد داخل صالات العرض التي يدعمها مليارديرات لهم علاقات مع الحكومة.

ويتساءل بلاستر سارنو: «من هم الفنانون الراديكاليون الباقون الآخرون؟»، «هم الأفراد الذين يسافرون إلى الغرب ويحصلون على منح ويشاركون في مؤتمرات ويقرأون تقارير عن الثورة والماركسية والظروف الصعبة للطبقة العمالية داخل روسيا. ومن يحضر؟ زوجات القلة الحاكمة». وعلى ضوء ذلك انضم إلى فوروتنيكوف، مؤسس «فوينا»، الذي درس الفلسفة في جامعة موسكو الحكومية. وكانت «فوينا» قد أقامت الكثير من الفعاليات، ولكنها كانت ترغب في جذب المزيد من الانتباه. وكان ذلك تخصص بلاستر سارنو. وقدمت المجموعة حملتها الجديدة في متحف الأحياء الحكومي، وجعله مثل تعليق على الحملة الانتخابية التي جاءت بديمتري ميدفيديف إلى سدة الحكم.

وكان رد الفعل داخل عالم الفن في موسكو باردا، في معظم الوقت. وكان من بين منتقدي المجموعة أناتولي أوسمولوفسكي، وهي ضمن فناني الشوارع الرواد داخل روسيا. وكتب أوسمولوفسكي، الذي يشتهر حاليا بأعماله النحتية المترفة، عن مجموعة «فوينا» قائلا: «تظهرهم رغبتهم في ربط بعض السياق السياسي المبهم إلى إشاراتهم الخاصة وكأنهم فنانون يفتقرون بدرجة كبيرة إلى الخبرة.. وجبناء».

ولكن لم تكن «فوينا» في حاجة إلى علاقات داخل عالم الفن، فقد مكنهم موقع «يوتيوب» و«لايف جورنال» و«تويتر» من الوصول إلى روس شباب لديهم نفس اللمسة الساخرة التي لدى المجموعة، كما يشاركونهم في غضبهم من الشرطة. وسرعان من أصبحت خططهم أكبر، ولكنها اتخذت منحى أكثر خطورة. وقبل رسم «ذكر الرجل» على الجسر في يونيو (حزيران) الماضي، مارست المجموعة الأمر لشهر قبل أن تنتهي إلى أن 9 أفراد يمكنهم القيام بهذا الأمر خلال 30 ثانية. وكما تبين، فقد جرى الحراس وراءهم ولم يكن قد استغرقوا سوى 23 ثانية. وبقي الرسم لساعات قليلة قبل أن تقوم السلطات بغسله، ولكنه حينها كان قد انتشر على شبكة الإنترنت. ويقول بلاستر سارنو إنه كان أفضل عمل لـ«فوينا». وأضاف: «يتوافق ذلك تحديد ما رأي في ما يجب أن يكون عليه الفن. إنه عمل احتجاجي بطولي ورومانسي ويبقى في الذاكرة، وراديكالي يساري. إنه عمل فني وليس مجرد ذكر». ولم يظهر عمل جديد منذ إلقاء القبض على فوروتنيكوف وليونيد نيكولايف، وهو قيادي آخر. ويرى بعض المعجبين أن عمليات إلقاء القبض هي تطور طبيعي بالنسبة لـ«فوينا». ويقول أندريه بيلزهو، وهو رسام كاريكاتير خصص مجموعة من الرسومات حول المجموعة: «الشخص الراغب في الصعود إلى قمة جبل يفهم أن هناك احتمالية سقوطه في سفح الجبل». وأضاف قائلا: «يموت متسلقو الجبال بهذه الصورة، ولذا فهي رياضة خطيرة. وما قاموا به عبارة عن شكل مفرط من العمل الفني». ولكن يقول ديفيد ريف، وهو ناقد فني في موسكو، إن عمليات إلقاء القبض تلحق أضرارا دائما بمجموعة من الفنانين تكمن جاذبيتهم في هروبهم المتكرر المفاجئ.

* خدمة (نيويورك تايمز)