تونس: الإقامة الجبرية لاثنين من رجال بن علي.. ومذكرة بحث عن كبير مستشاريه

اعتقال مالك قناة «حنبعل» التلفزيونية بتهمة الخيانة العظمى.. وقافلة الحرية تواصل الضغط على الحكومة

TT

بينما فرضت السلطات التونسية أمس الإقامة الجبرية على كل من عبد العزيز بن ضياء (74 عاما)، المستشار الخاص للرئيس التونسي المخلوع، والناطق الرسمي باسمه، وعبد الله القلال (67 عاما)، رئيس مجلس المستشارين (الغرفة الثانية في البرلمان التونسي)، أطلقت مذكرة اعتقال في حق عبد الوهاب عبد الله (70 عاما)، المستشار السياسي للرئيس المخلوع، والمسؤول الأول عن قطاع الإعلام والصحافة في عهد بن علي.

ويعتبر بن ضياء والقلال وعبد الله، وكلهم أعضاء في حزب «التجمع الدستوري الديمقراطي» (الحاكم سابقا)، من أقدم المسؤولين السياسيين في تونس؛ إذ دخلوا عالم السياسة منذ عقد السبعينات من القرن الماضي في عهد الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، أول رئيس لتونس المستقلة.

وفي غضون ذلك، تم اعتقال العربي نصرة، مالك قناة «حنبعل» التونسية الخاصة، ونجله بتهمة «الخيانة العظمى والتآمر على أمن البلاد»، بهدف إعادة «ديكتاتورية الرئيس السابق» زين العابدين بن علي.

وذكرت وكالة «تونس أفريقيا للأنباء»، نقلا عن مصدر مطلع، أن نصرة «يعمل عن طريق القناة على إجهاض انتفاضة الشباب وبث البلبلة والتحريض على العصيان ونشر معلومات مغلوطة هدفها خلق فراغ دستوري وتقويض الاستقرار وإدخال البلاد في دوامة العنف».

وأضاف المصدر ذاته أن «هدف نصرة في ذلك هو إرجاع ديكتاتورية الرئيس السابق».

وأشار المصدر ذاته إلى أن نصرة قام بذلك بحكم علاقة المصاهرة التي تربطه مع زوجة الرئيس السابق، ليلى الطرابلسي؛ ذلك أنه متزوج من امرأة تنتمي لأسرة الطرابلسي تعمل في القناة ذاتها.

وزاد المصدر قائلا إنه «عملا بحالة الطوارئ وحرصا على سلامة الوطن وإنجاح الانتفاضة، تم الإذن باعتقال نصرة وابنه في انتظار إحالتهما إلى العدالة لمقاضاتهما بتهمة الخيانة العظمى والتآمر على أمن البلاد».

في سياق ذلك، قررت السلطات التونسية إيقاف بث قناة «حنبعل» التي تأسست في 13 فبراير (شباط) 2004 بعيد إعلان توقيف مالكها ونجله.

ويعتبر سياسيون وصحافيون وحقوقيون أن بن ضياء وعبد الله والقلال من أبرز رموز «الاستبداد والفساد» في عهد بن علي.

كان تلفزيون «نسمة» التونسي الخاص قد أعلن أن السلطات التونسية منعت يوم الأربعاء الماضي القلال وزوجته من الهرب إلى فرنسا على متن رحلة جوية متجهة إلى باريس.

وشغل القلال من 1991 إلى 1995 ومن 1999 إلى 2001 منصب وزير الداخلية. واتهم خلال هذه الفترة بتعذيب سجناء من أتباع «حركة النهضة» الإسلامية المحظورة.

وطالب حقوقيون بعد سقوط نظام بن علي بمحاكمة القلال من أجل ممارسة «التعذيب» خلال فترة إشرافه على وزارة الداخلية.

ويعتبر سياسيون وصحافيون وحقوقيون أن بن ضياء وعبد الله كانا حاجزا بين الرئيس والشعب، وأنهما كانا في خدمة عائلة ليلى الطرابلسي، زوجة الرئيس المخلوع، ويطالبون بمحاكمتهما محاكمة «علنية».

وفي أوتاوا (كندا) أفاد مصدر حكومي بأن أفرادا في عائلة الرئيس التونسي المخلوع وصلوا الجمعة إلى مونتريال، في حين أكدت الحكومة الكندية أن أقرباء بن علي «غير مرحب بهم» على أراضيها.

وأكد المصدر الحكومي لوكالة الصحافة الفرنسية معلومة نشرتها صحيفة «لوجورنال دو كيبيك» الكندية على موقعها الإلكتروني من دون إعطاء مزيد من التفاصيل.

وحسب المصدر ذاته فإن أحد أشقاء زوجة بن علي وصل برفقة زوجته وولديهما ومدبرة منزلهما صباح الجمعة على متن طائرة خاصة إلى مطار مونتريال ترودو الدولي.

وردا على سؤال لوكالة الصحافة الفرنسية، أكدت وزارة المواطنة والهجرة أن «الرئيس التونسي المخلوع، وأفراد النظام السابق المطرودين من السلطة وأقاربهم، غير مرحب بهم في كندا».

وأضاف المتحدث باسم الوزارة، دوغلاس كيلام، أنه «بسبب قانون حماية الحياة الخاصة، لا يمكنني التعليق على حالة بعينها».

وذكر أن التونسيين الراغبين بدخول كندا عليهم أن يستحصلوا أولا على تأشيرة دخول، وأن الموظف الكندي الذي يمنح هذه التأشيرة لا يفعل ذلك إلا إذا كان متأكدا أن طالبها سيغادر كندا قبل انتهاء صلاحية التأشيرة.

وأضاف: «نظرا إلى أن أفراد النظام التونسي السابق لا يمكنهم العودة إلى تونس، فإن هذا سيكون صعبا جدا»، أي حصولهم على تأشيرة دخول.

ولم تستطع الصحيفة تحديد هوية أفراد العائلة، وذلك لأن لليلى الطرابلسي، زوجة بن علي، أشقاء كثرا.ويعتقد أن هؤلاء الأفراد من عائلة الرئيس التونسي المخلوع نزلوا في فندق غرب مونتريال.

ويملك صهر الرئيس المخلوع، رجل الأعمال محمد صخر الماطري، فيلا فخمة في شارع راق في ويستماونت اشتراها قبل عامين بمبلغ 2.5 مليون دولار كندي.

وحسب تحقيق لوكالة الصحافة الفرنسية من المكان، فإن هذا المسكن الفخم غير مأهول حاليا، ويشهد ورشة أعمال جزئية.

ونددت رابطة التضامن التونسية في مونتريال، التي سبق لها أن نظمت تظاهرات عدة مناهضة لحكم بن علي، السبت، بدخول أفراد من عائلة الرئيس المخلوع كندا، ولكن من دون أن يكون في مقدور الرابطة أن تتأكد من مصادرها الخاصة من صحة هذه المعلومة.وقالت سونيا جليدي، المتحدثة باسم الرابطة، في ختام اجتماع شارك فيه نحو مائة شخص: «إن هؤلاء الناس عليهم أن يدفعوا ثمن ما قاموا به أمام التونسيين، في تونس».

وفي تطور ذي صلة، ذكرت صحيفة «نويه زيورخر تسايتونغ» (إن زد زد)، السويسرية الصادرة في زيوريخ أمس، أنه «ثبت العثور على أول دليل لأصول مملوكة لبن علي وعائلته في حسابات في بعض المصارف الكبرى». ولم توضح الصحيفة، التي أشارت إلى الخطوة التي اتخذتها الحكومة السويسرية الأسبوع الماضي بتجميد حسابات مملوكة لبن علي ورئيس ساحل العاج لوران غباغبو، حجم الأصول التي عثر عليها أو نوعها، لكنها نقلت عن رسالة حكومية قولها إنه «ثبت أن الأصول المملوكة لبن علي وعائلته مودعة لدى مصرف (إتش إس بي سي برايفت بنك)، ومصرف (سيتي بنك)، ومصرف (كريديت سويس في جنيف)».

وفي تونس العاصمة، تظاهر صباح أمس نحو ألف متظاهر قدموا من وسط جنوب تونس للمطالبة باستقالة الحكومة الانتقالية، ورفع المتظاهرون شعارات تطالب باستقالة الحكومة وإسقاط نظام بن علي.وشكل الشباب غالبية المتظاهرين، الذين انطلقوا، أول من أمس، من الوسط التونسي، وتقدموا نحو تونس العاصمة، تارة مشيا وتارة باستخدام الشاحنات والسيارات.

وقال رجل مسن اتشح بعلم تونسي: «جئنا من منزل بوزيان ومن سيدي بوزيد والرقاب لإسقاط بقايا الديكتاتورية».

وشكلت هذه المناطق أبرز معاقل الاحتجاج في الوسط الغربي الفقير الذي شكل مهد «انتفاضة الياسمين».

ووصل المتظاهرون إلى العاصمة التونسية صباحا، ودخلوا شارع الحبيب بورقيبة، الذي يشهد تظاهرات يومية قبل أن يتجمعوا أمام وزارة الداخلية؛ حيث رفعوا صورة ضخمة لمحمد البوعزيزي، الذي أطلق الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل للإطاحة بالرئيس بن علي.

كان من المقرر أن تتقدم القافلة مشيا إلى العاصمة لتصلها خلال 4 أو 5 أيام، غير أن المتظاهرين قالوا أمس إنه «يجب إسقاط الحكومة في أسرع وقت ممكن».

وقال شهود عيان: إن التظاهرة بدأت عفوية وبمبادرة من شباب المنطقة قبل أن ينضم إليها نقابيون وناشطون في مجال حقوق الإنسان. وانطلقت القافلة مساء السبت من مدينة منزل بوزيان، الواقعة في ولاية (محافظة) سيدي بوزيد، وعرفت مشاركة متظاهرين من ولايات صفاقس وباجة والقصرين وقفصة. ومرت القافلة بالمدن التي عاشت أولى شرارات الانتفاضة الاجتماعية على غرار المكناسي وبني عون والرقاب؛ حيث استقبلها الأهالي بالحفاوة والترحاب.

وقال عبد السلام الحيدوري، الناشط النقابي في بلدة منزل بوزيان: إن القافلة تطالب، بالخصوص، بتفكيك حزب التجمع، وإخراج ما سماها «رموز الفساد» من الوزارات السيادية. وأضاف أن القافلة نجحت في استقطاب اهتمام الشارع التونسي، ووفر لها سكان الأحياء الشعبية بالعاصمة التونسية على غرار حي التضامن وحي الزهور وبن عروس المؤنة الضرورية، ودعا بعض سكانها إخوانهم المشاركين في القافلة للنزول ضيوفا عليهم خلال فترة الاعتصام بساحة الحكومة بحي القصبة. وبينما تواصل الحكومة عملها تحت ضغط الشارع التونسي، دعت كل من النقابة العامة للتعليم الابتدائي والنقابة العامة للتعليم الثانوي إلى إضراب كوادر قطاع التعليم الابتدائي والثانوي، غدا الثلاثاء.

وقالت الكوادر النقابية ذاتها: إن الإضراب كان مقررا منذ عهد الرئيس المخلوع، ويروم الدفاع عن مطالب المدرسين، في حين اعتبر بعض السياسيين أن الرجوع إلى التهديد بالإضراب في مثل هذه الظروف مضر بالوضع الأمني وبالمؤسسات التربوية المعطلة منذ 11 يناير (كانون الثاني) الحالي.

وفي أول اجتماع حزبي يعقده أحمد إبراهيم، الأمين العام لحركة التجديد المعارضة بعد تعيينه وزيرا للتعليم العالي والبحث العلمي، قال إبراهيم إن لديه تحفظات حول تشكيلة الحكومة، وحول طريقة تعيين بعض أعضائها وتوزيع الحقائب الوزارية، بيد أنه أوضح أنه مع استمرار هذه الحكومة في العمل لضمان الحد الأدنى من الاستقرار.

وقال إبراهيم: «لا يكفي إسقاط رأس الأفعى، ولكن على التونسيين الانتباه إلى محاولات الارتداد والالتفاف على مطالب الشعب». وأضاف إبراهيم، في اجتماع مع مناصري حزبه: إن الحكومة ستنطلق بداية من اليوم (الاثنين) في تغيير الولاة والمعتمدين (المحافظين)، داعيا التونسيين إلى تجنب الفوضى حتى لا يختلط المجرم مع البريء، على حد قوله.

وفي شارع بورقيبة بالعاصمة، تواصلت أمس المسيرات السلمية، نظم إحداها عمال البلدية الذين طالبوا بتحسين أوضاعهم المهنية. وحرص بعضهم على إطلاع الصحافيين على كشف مرتباتهم؛ حيث لا يتجاوز مرتب عون التنظيف 180 دينارا تونسيا (نحو 140 دولارا).

من جهته، أعلن المنصف المرزوقي، رئيس التكتل من أجل الجمهورية، نيته الترشح للانتخابات الرئاسية «إذا استكملت الانتفاضة الشعبية شروطها وتوافر مناخ الحرية والديمقراطية وقانون دستوري ملائم ومجلس تأسيسي يلبي طموحات الشعب التونسي».

واقترح المرزوقي تحويل مقر التجمع الحاكم السابق، الواقع في شارع محمد الخامس بالعاصمة، إلى مقر للأحزاب والمنظمات والجمعيات. وطالب محمد الغنوشي، رئيس الوزراء، وحكومته بالرحيل؛ لأنهم لا يتوافرون على شرعية، ولأن الشعب يرفضهم، وحملهم مسؤولية عدم الاستقرار الذي تعيشه تونس هذه الأيام.