مصادر في النجف وقم لـ «الشرق الأوسط»: الصدر عاد سرا إلى إيران وسيبقى لفترة طويلة

قالت إن زعيم التيار الصدري هرب من تهديدات «عصائب أهل الحق».. وخشية الاعتقال

TT

كشفت مصادر عراقية موثوقة في مدينتي النجف العراقية، وقم الإيرانية، أن مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، الذي غادر العراق قبل يومين، بصورة سرية، إلى إيران، هرب من تهديدات جماعة «عصائب أهل الحق»، وخشية أن يتم تنفيذ مذكرة اعتقال بحقه على خلفية مقتل رجل الدين الشيعي عبد المجيد الخوئي، الأمين العام السابق لمؤسسة الأمام الخوئي بلندن في أبريل (نيسان) 2003.

مصادر مطلعة وموثوق بها في مدينة النجف الشيعية، قالت لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف، أمس: إن «المراقبين للأحداث كانوا يتوقعون عدم بقاء الصدر في مدينة النجف طويلا بسبب ما تردد هنا من تهديدات جدية من قبل (عصائب أهل الحق)، التي يقال إنها أهدرت دم مقتدى الصدر عبر بيان كان قد وزع على بعض النجفيين لإبلاغ زعيم التيار الصدري بفحواه»، مشيرة إلى أن «مقربين من الصدر أبلغوه خشيتهم من أن تستغل أطراف حكومية، في إشارة إلى نوري المالكي، مذكرة قضائية، صادرة عن قاضي تحقيق النجف نهاية عام 2003 تقضي بإلقاء القبض عليه لاتهامه بمقتل الخوئي».

ويشير المراقبون إلى أن «عصائب أهل الحق»، التي تمثل خلاصة العناصر المتخصصة بالاغتيالات والتفجيرات والاختطاف، كانت تابعة لجيش المهدي، وتحت إمرة الصدر نفسه، الذي وجهها للقيام ببعض العمليات ضد منافسيه، إلا أنها انشقت عنه بعد أن قامت إيران بدعمها ماديا ولوجيستيا مباشرة. وتتلقى هذه المجموعة التدريبات في معسكرات إيرانية قريبة من العراق، وهي اليوم تحت إمرة قاسمي سليماني، الضابط الكبير في فيلق القدس المتخصص بالشؤون العراقية. وأوضحت أن هناك خلافات حول المرجعية الشيعية التي يتقلدها كل من الصدر وقيس الخزعلي، زعيم العصائب، مشيرة إلى أن «قيس الخزعلي وسيد عون، هما قادة هذه الميليشيا التي صار لها نفوذ مسلح قوي في بغداد ومحافظات الفرات الأوسط، بينها كربلاء والنجف، ومحافظات الجنوب، وأبرزها البصرة». وأشارت هذه المصادر إلى أن «قيس الخزعلي هو أحد المتهمين الرئيسيين بمقتل الخوئي وكان الذراع اليمنى لمقتدى الصدر، وهو المسؤول عن اختطاف خمسة بريطانيين من مبنى وزارة المالية وسط بغداد في مايو (أيار) 2007 بتواطؤ من مسؤولين حكوميين وأمنيين واحتجازهم في أراض إيرانية قرب البصرة».

يذكر أن حكومة المالكي كانت قد أفرجت عن الخزعلي الذي كان رهن الاعتقال ضمن صفقة أطلقت خلالها «عصائب أهل الحق» سراح الرهينة البريطاني بيتر مور، وهو أحد المختطفين الخمسة، في ديسمبر (كانون الأول) 2009.

المصادر النجفية، أكدت أن «مقتدى الصدر ترك مدينة النجف سرا بعد أن كان قد وصلها في الخامس من الشهر الحالي على متن نفس الطائرة التي أقلت من طهران وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي، الذي قام بأول زيارة له إلى العراق»، مشيرة إلى أن «خبر سفره بقي سرا حتى غادر النجف جوا، وأن حتى قياديي تياره لم يعرفوا بموضوع سفره بسبب جدية التهديدات التي وجهتها (عصائب أهل الحق) للصدر التي أوجبت حماية مكثفة على بيته في حي الحنانة، إضافة إلى محدودية زائريه، إذ إن قياديين في التيار الصدري لم يتمكنوا من مقابلته».

وكان بهاء الأعرجي، القيادي في التيار الصدري وعضو البرلمان العراقي عن التحالف الوطني، قد أكد لـ«الشرق الأوسط» أول من أمس، صحة التقارير المتعلقة بشأن العودة المفاجئة لزعيم التيار الصدري إلى مدينة قم الإيرانية بعد أسبوعين من عودته منها إلى النجف.

وقال الأعرجي في تصريح نشرته «الشرق الأوسط» أمس: إن «الصدر قرر البدء بجولة إقليمية كانت مقررة مسبقا قبل عودته إلى العراق من إيران»، مشيرا إلى أن «الصدر اختار أن يبدأ جولته من إيران، لكنه رفض الكشف عن أسماء الدول التي سوف تشملها زيارة الصدر أو المدة التي سوف تستغرقها».

لكن مصادر عراقية موثوقة في مدينة قم الإيرانية، أكدت لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من هناك، أمس، أن «الصدر عاد إلى منزله القريب من مبنى مديرية أمن قم، في حي (سالارية) الراقي، الذي له فيه دار ضيافة يلتقي فيه زواره المهمون»، مشيرة إلى أن «البيت الذي يقيم فيه الصدر ودار ضيافته تابعين لمديرية أمن قم، وله مكتب باسم الشهيد الصدر في منطقة (صفائية) وسط قم».

وأضافت المصادر من مدينة قم أن «حركة حماية مقتدى الصدر، وكلهم من العراقيين، وسياراته الفاخرة نوع (بيجو بيرشا) شوهدت قرب بيته في (سالارية) وأنه لم يلتق منذ وصوله أيا من الضيوف أو المسؤولين الإيرانيين»، نافية أن يكون الصدر «يقوم بجولة إقليمية بل إنه عاد ليبقى فترة طويلة وقد يزور العراق بصورة متقطعة وسرية».

وأشارت هذه المصادر إلى أن زعيم التيار الصدري «كان يخطط للإقامة في لبنان كاختيار ثان بعد العراق، لأنه لا يرتاح كثيرا في قم بسبب الضغوط التي تمارس عليه من قبل المسؤولين الإيرانيين».

وحول جدية التهديدات التي وجهتها «عصائب أهل الحق» للصدر، قالت هذه المصادر: «إن هذه التهديدات جادة، ولكن العصائب لا يستطيعون التحرك في إيران، كما أن المسؤولين الإيرانيين لا يريدون مشكلات أمنية فوق أراضيهم، فهم يدعمون الصدر سياسيا لكنهم يدعمون الخزعلي ماديا ولوجيستيا، وأن الجهتين الداعمتين مختلفتان»، منبهة إلى أن «هناك خلافا فقهيا يتعلق بالمرجعيات، فبينما يتبع (يقلد) الصدر كاظم الحائري كمرجع ديني، فإن الخزعلي يتبع محمود الهاشمي، وهو نجفي يحمل الجنسية الإيرانية وكان قاضي القضاة في إيران».