قصص فساد وفضائح تهز بريطانيا.. تتداخل فيها الصحافة والشرطة والسياسة

ضغوط على أجهزة الأمن بسبب عدم فتح تحقيقات جدية في التنصت على شخصيات.. ومساعد كاميرون أول الضحايا

أندي كولسون (إ.ب.أ)
TT

وسط أزمة اقتصادية خانقة بدأت تتداخل فيها قضايا فساد تورطت فيها الصحافة والسياسة والشرطة، يشعر الكثير من البريطانيين بأنهم استيقظوا ليجدوا أنفسهم ليس في بريطانيا، بل في بلد أشبه بإيطاليا، ولكن بطقس أسوأ.. ممطر وضبابي. فضيحة التنصت على هواتف شخصيات معروفة في لندن، تتوسع منذ أيام ككرة الثلج، وكان أول ضحاياها أندي كولسون، مسؤول الاتصالات لدى رئيس الوزراء ديفيد كاميرون الذي استقال من منصبه بـ«سبب الضغوط».

ولكن يبدو أن كولسون لن يكون إلا الضحية الأولى. إذ تتكاثر الشائعات عن أن هواتف آلاف الشخصيات المعروفة في البلاد، من ممثلين وسياسيين وأعضاء في الأسرة المالكة، تعرضت للقرصنة من قبل صحافيين يعملون في صحيفة «نيوز أوف ذا وورلد» المملوكة لإمبراطور الإعلام الأسترالي، روبرت ميردوخ، في الفترة التي كان كولسون رئيس تحريرها.

ولكن القصة لا تنتهي مع التنصت، بل تبدأ مع ما يبدو أنه تآمر الشرطة مع الصحافة على إخفاء الحقائق وعدم فتح تحقيقات جدية في الادعاءات التي يبدو أنها تطال آلاف الأشخاص. ومع تقدم المزيد من الشخصيات المعروفة في البلاد كل يوم، كان آخرهم رئيس الوزراء السابق غوردن براون، للشكوى من اشتباههم بأنه تمّت قرصنة هواتفهم، تجد الشرطة نفسها أمام ضغوط كبيرة لتبرير سبب عدم فتح تحقيق موسع وجدي بالقضية، رغم امتلاكها أدلة.

فحتى الآن، لم يعاقب إلا صحافي واحد من «نيوز أوف ذا وورلد» ومحقق يدعى غلين مالكير تعاقد مع الصحافي للتنصت على هواتف شخصيات. وبدأت القصة عام 2005، عندما اشتبه الأمير ويليام، ابن ديانا وولي العهد الأمير تشارلز، بأن أحدا يتنصت على هاتفه، بعد ظهور قصة في «نيوز أوف ذا وورلد» حول إصابة تعرض لها في ركبته. فتحت الشرطة تحقيقا، واتهم مالكير والمراسل الملكي للصحيفة، كلايف غودمان، بالتنصت على هاتف الأمير الشاب. وسجن الرجلان لمدة 6 أشهر. إلا أن الشرطة وجدت في منزل مالكير لائحة طويلة بأسماء آلاف من الشخصيات الذين يبدو أنه يستهدفهم. ولكنها لم تبلغ هؤلاء الأشخاص، ولم تفتح تحقيقا للتأكد من أنه جرى التنصت عليهم أيضا.

وعلى أثر إدانة الرجلين عام 2007، استقال كولسون من منصبه كرئيس تحرير للصحيفة، رغم تأكيده أنه لم يكن على علم بالوسائل التي اعتمدها الصحافي لجلب الأخبار، وأن الصحافي اتخذ قراره منفردا من دون العودة إليه. والتحق بعد ذلك بفريق زعيم حزب المحافظين ديفيد كاميرون. ودخل كولسون 10 داونينغ ستريت مع كاميرون عند تسلمه رئاسة الوزراء. إلا أن الصحافة اليمينية، والأخرى غير المملوكة لميردوخ، بدأت تتساءل حول صواب حكم كاميرون بضم كولسون، المقرب جدا من ميردوخ، إلى فريقه. وبدأت التكهنات تكبر حول هذا القرار، مع إعلان ميردوخ قبل فترة نيته شراء كامل أسهم تلفزيون «بي سكاي بي»، مما أثار حفيظة واستياء وسائل الإعلام البريطانية الأخرى التي تعتبر سيطرة ميردوخ الكاملة على المحطة، ستلغي المنافسة في الإعلام، خصوصا أن إمبراطور الإعلام الأسترالي يمتلك عددا من الصحف، من بينها الـ«صن» الشعبية الأكثر مبيعا في البلاد.

ويعود إلى وزير في الحكومة أن يقرر ما إذا كان يحق لميردوخ أن يشتري كامل أسهم المحطة، أم لا. ومع تسرب معلومات جديدة أمس، بأن كاميرون دعا ميردوخ وابنه جيمس الذي يرأس مجلس إدارة «بي سكاي بي»، إلى منزله في فترة أعياد الميلاد، بات كاميرون في قلب الفضيحة. وبدأت التساؤلات تكبر حول تأثير علاقة كاميرون بميردوخ، ومدى قدرة الحكومة على اتخاذ قرار عادل حيادي في مسألة شرائه لكامل أسهم المحطة.

وفوق كل ذلك، تتكاثر الشائعات حول ارتباط بعض رجال الشرطة بالصحافيين، لجهة تمرير معلومات لهم حول شخصيات، لاستعمالهما في قصص تبيع الصحف، مقابل دفعات مالية.

وعادت القضية لتتأزم، بعد تقدم شخصيات بريطانية معروفة بدعاوى ضد «نيوز أوف ذا وورلد» بتهم خرق خصوصياتهم والتنصت على هواتفهم. وأدى ذلك إلى إعادة مثول مالكير أمام المحكمة الأسبوع الماضي، حيث اعترف بأن ايان ادموندسون مساعد رئيس التحرير في «نيوز أوف ذا وورلد»، هو من أعطى أوامر التنصت على الهواتف. وتم فصل ادموندسون من منصبه إثر ذلك. ومع هذا الاعتراف، بات الكثيرون يشكون بأن كولسون بريء كما يدعي.

ولكن ما يثير العجب أيضا، وهو ما لفتت إليه القناة الرابعة في تقرير لها حول القضية بثته قبل يومين، هو عدم استغلال بقية الصحف الشعبية لقصة تستهدف صحيفة منافسة، مما فتح الباب أيضا أمام تخمينات بأن صحفا شعبية أخرى متورطة في هذه الممارسات.

وقد دفعت هذه الفوضى في قضية التنصت، باللورد باتنام، نائب مدير القناة الرابعة وعضو في مجلس إدارة مؤسسة تومسون لتدريب الصحافيين، بالتعليق: «لدي معلومات كافية حول كيفية إدارة سيلفيو برلسكوني (رئيس وزراء إيطاليا) لإيطاليا، وأعرف أنني لا أريد لبريطانيا أن تشبه إيطاليا بأي ناحية، صورة أو شكلا، باستثناء الطقس ربما».

الأيام المقبلة من المؤكد ستحمل المزيد من الفضائح، خصوصا مع استعداد مالكير للمثول أمام المحكمة مرة جديدة في القضية المقدمة ضده وضد «نيوز أوف ذا وورلد».