ساركوزي لـ«الشرق الأوسط»: نقول لسورية لبنان بلد مستقل ويجب أن يبقى مستقلا

الرئيس الفرنسي: نرفض استخدام لبنان لمصالح أجنبية

الرئيس الفرنسي خلال المؤتمر الصحافي أمس (إ.ب.أ)
TT

أعلن رئيس الجمهورية الفرنسية أنه لم يتخل عن مشروع إنشاء مجموعة اتصال لمواكبة الوضع اللبناني، وأنه أطلق الفكرة عقب اجتماعه بالعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز في نيويورك قبل أيام. واعتبر ساركوزي أن لبنان «ضحية جانبية» لانسداد أفق التسوية في الشرق الأوسط، مشددا على أن فرنسا «ترفض استخدام لبنان خدمة لمصالح أجنبية، وذلك كما يعرف الجميع».

جاء كلام الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في المؤتمر الصحافي الحافل الذي عقده أمس في قصر الإليزيه بحضور نحو 300 صحافي فرنسي وأجنبي، وكذلك بحضور السلك الدبلوماسي المعتمد في العاصمة الفرنسية، وهذا ما يحصل للمرة الأولى. وخصص الرئيس الفرنسي الجزء الأول والأكبر من مؤتمره للحديث عن أهداف وطموحات الرئاسة الفرنسية لمجموعة الدول الثماني الأكثر تصنيعا، وكذلك لمجموعة الدول العشرين، فيما تناول في الجزء الثاني البؤر الساخنة من تونس إلى لبنان والنزاع العربي - الإسرائيلي والإرهاب وإيران وساحل العاج.

ووجه ساركوزي، ردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول الاتصالات الفرنسية بصدد الملف اللبناني وتعقيداته وفكرة مجموعة الاتصال التي أطلقها رسالة إلى دمشق، قائلا إن بلاده «تقربت من سورية لأنها تعتبر أنه من الأساسي ضم سورية إلى مجموعة من النقاشات للخروج من عدد من الأزمات». وأضاف أن «سورية جارة للبنان، وفرنسا تعول على صداقتها (لسورية) لتقول لها إن لبنان بلد مستقل ويجب أن يبقى مستقلا، وإن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان يجب أن تكمل مهمتها حتى النهاية».

وكان مقررا أن يأتي ميقاتي إلى باريس في غضون هذا الأسبوع. غير أن احتمال تكليفه برئاسة الحكومة سيلغي على الأرجح مشروع زيارته لباريس.

وقال ساركوزي إنه «لم يتخل» عن تحقيق فكرة تكوين مجموعة اتصال، التي قال إنه اقترحها عقب اجتماعه بالعاهل السعودي الذي «أبلغني أنه يضع حدا لجهوده في التوسط بين سورية ولبنان». وعدد الرئيس الفرنسي الدول التي يريد أن تتشكل منها المجموعة، وهي إلى جانب فرنسا «والرؤساء اللبنانيين»، الولايات المتحدة الأميركية والسعودية وقطر وسورية وأضاف إليها مصر. غير أن مصدرا رئاسيا قال لـ«الشرق الأوسط» إن المقصود تركيا وليس مصر.

وقالت أمس مصادر واسعة الاطلاع في باريس لـ«الشرق الأوسط» إن اجتماعا على المستوى الوزاري لما تيسر لهذه المجموعة سيعقد في باريس في 28 الشهر الحالي دون أن تحدد بدقة الأطراف الحاضرة. وكان يفترض أن ينعقد اجتماع رباعي مساء الأحد في باريس لكنه ألغي. وفسرت باريس ذلك بـ«تضارب الأجندات».

وفي كلمة تمهيدية، أكد الرئيس الفرنسي أن بلاده «تريد أن تحافظ على التعددية الخلاقة في لبنان»، واصفا لبنان بأنه «أمل» وأنه ليس لفرنسا طموح آخر سوى «المحافظة على هذا الأمل»، مضيفا أن بلاده «تعبئ كل طاقاتها وإمكانياتها حتى لا تمزق لبنان غدا أزمة جديدة». وتؤمن باريس بأن «حق اللبنانيين أن يكون لهم بلد مستقل وهو الهدف الذي تكرس له فرنسا الكثير من الإمكانيات والوسائل والطاقات».وربط ساركوزي بين الملف اللبناني والملف الشرق أوسطي، وبرأيه أن لبنان «ضحية جانبية» للطريق المسدود الذي آلت إليه جهود السلام. غير أن ساركوزي الذي ذكر بأن شكل الدولة الفلسطينية معروف، وأن الجميع متيقن من قيامها، تجنب الإشارة إلى الجهة المسؤولة عن تعثر العملية السلمية. وشدد ساركوزي على أن بلاده «ترفض أن يكون لبنان مطية لخدمة مصالح يعرف الجميع أنها مصالح أجنبية». وأبدى الرئيس الفرنسي أسفه لكون لبنان الذي «نجحنا في إعادة السلام والوفاق إليه طيلة عامين ونصف العام» عاد وضعه إلى التأزم.

وكشفت مصادر واسعة الاطلاع في باريس عن أن وزيرة الخارجية ميشال أليو ماري التقت «صدفة» زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وذلك في القصر الرئاسي المصري في القاهرة صباح السبت الماضي، أثناء جولتها الشرق أوسطية الأولى، وأنها سألته عن «الأسباب والدوافع» التي جعلته يتخلى عن دعم ترشيح رئيس الحكومة سعد الحريري. وبحسب الأوساط المشار إليها، أشار جنبلاط إلى «ضغوط» تعرض لها من غير تحديد الجهة الضاغطة.

وتوقف ساركوزي عند جهود السلام المتعثرة فلام الأميركيين لأنهم ركزوا طاقتهم في البداية على موضوع المستوطنات، معتبرا ذلك بمثابة «خطأ» كانت نتيجته توقف المفاوضات واندلاع أزمة في لبنان. وأعرب ساركوزي عن استعداده مع الاتحاد الأوروبي لإطلاق مبادرات جديدة، ومنها الدعوة إلى عقد مؤتمر «المانحين 2» لفلسطين. غير أنه اشترط ألا يبقى دور أوروبا محصورا بالجوانب المالية وألا تستبعد عن المناقشات السياسية التي تفرد بها الأميركيون حتى الآن. وتناول ساركوزي بسرعة الأزمة الإيرانية التي رأى أن توتر الوضع في لبنان من شأنه أن يشيح الأضواء عن ملفها النووي. وأهم ما قاله عقب فشل اجتماع إسطنبول، إن باريس «متحفظة جدا إزاء مبدأ التدخل العسكري» لشل النشاط النووي الإيراني، وهي تفضل على ذلك تشديد العقوبات الاقتصادية والمالية المفروضة عليها، خصوصا أنها بدأت تعطي نتائج. وتوقف ساركوزي مطولا عند الملف التونسي للرد على الانتقادات التي وجهتها المعارضة التونسية وجمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان والأحزاب اليسارية والخضر في باريس إزاء ما اعتبرته الخط «الممالئ» لنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. واستعاد ساركوزي الحجج الرائجة، ومنها الحرص على عدم التدخل في شؤون الدولة التونسية لـ«حساسية» الموضوع باعتبار أن تونس كانت تحت الحكم الفرنسي.