ضرائب على الحدود الإسبانية تهدد التقارب مع جبل طارق

مدينة تابعة لـ«الصخرة» البريطانية تتخلى عن اتفاق سابق وتريد تغريم 10 ملايين سيارة تعبر أراضيها سنويا

بيتر كاريوانا
TT

بدا لبعض الوقت أن هذه المنطقة البريطانية بصخرتها الشهيرة تستعد لانفراجة في أزمتها السياسية مع جيرانها الإسبان في الشمال. في صيف عام 2009، استقبلت المنطقة وزير الخارجية الإسباني، وكانت تلك المرة الأولى التي يزور فيها مسؤول إسباني رفيع المستوى المنطقة منذ تخلي إسبانيا عنها لصالح بريطانيا بموجب معاهدة أوتريخت عام 1713.

لم تتخل إسبانيا، بطبيعة الحال، عن مزاعمها في هذه المنطقة الصغيرة - التي تقل مساحتها عن 3 أميال مربعة غالبيتها منطقة صخرية – التي تقع على رأس شبه الجزيرة الأيبيرية، لكن الكثير من النزاعات القديمة تمت تسويتها خلال السنوات الأخيرة، فتم توقيع اتفاق يتيح لإسبانيا الوصول إلى مطار جبل طارق، الذي لا يزال يسمح للمركبات بعبور ممراته في الأوقات التي لا تحط فيها الطائرات على المدرج.

بيد أن الأمور لم تسِر على ما يرام خلال الآونة الأخيرة؛ حيث يثير أليخاندرو سانشيز، عمدة مدينة لا لينيا دي لا كونسبسيون، المدينة المتعثرة ماليا على الجانب الإسباني من الحدود، خلافا على عدة جبهات؛ إذ لم يقتنع عمدة المدينة باتفاق المطار، مشيرا إلى أن لا لينيا لم تتقاض من الحكومة الإسبانية مقابل الأرض المطلوبة لبناء مدخل إسباني لمدرج المطار.

وفي إطار مساعيه للحصول على مزيد من الأموال، يهدد العمدة بفرض ضريبة في لا لينيا، على أكثر من 10 ملايين سيارة تعبر المدينة كل عام تتجه غالبيتها إلى التسوق من الشوارع المكتظة في جبل طارق. ويؤكد سانشيز أن هذه الضرائب تأتي إثر ارتفاع التأثيرات البيئية لعوادم السيارات والمنظر غير السار لصفوف السيارات التي تنتظر الوصول إلى جبل طارق؛ حيث يتوجه المتسوقون لشراء التبغ والكحول والعطور والشوكولاته. ويقول سانشيز: «لدينا أكثر القرى تلوثا في الأندلس، فقد اختفى الشاطئ بالنسبة للسياحة بسبب كل هذه السيارات المتجهة إلى جبل طارق، كما اختفى خط الماء بسبب الطريق الضخم المقام هناك.. ومن ثم سنفرض رسم ازدحام».

ووصف رئيس وزراء جبل طارق، بيتر كاريوانا، هذا المقترح بـ«السخيف»، كما وصف سانشيز بـ«التافه الذي لا صلة له بالقضية».

ولم يكن هذا الوصف بالصادم؛ فالجانبان يتراشقان الاتهامات منذ عدة شهور.. فقد طلب سانشيز في مرحلة ما من الشرطة تفتيش كل السيارات التي تسافر من جبل طارق وهو ما تسبب في ازدحام مروري على الجانب الآخر في الحال. وأصدر كاريوانا بيانا قال فيه: إن هذا التصرف انتهاك لقوة الشرطة وغير مقبول في دولة ديمقراطية.

كان جبل طارق موضع نزاع بين البريطانيين والإسبانيين منذ احتلال القوات الأنجلوهولندية الجزيرة خلال حرب خلافة إسبانيا في بداية القرن الـ18. يُذكر أن فرانشيسكو فرانكو كان قد أغلق الحدود كليا عام 1969، ولم تفتح مرة أخرى إلا عام 1985 بعد سعي إسبانيا لدخول الاتحاد الأوروبي.

لكن التوترات هذه المرة تبدو نابعة من مصالح محلية؛ حيث يسعى سانشيز إلى زيادة موارد المدينة. وتشهد مدينة جبل طارق، الملاذ الضريبي البعيد عن الشاطئ، ازدهارا اقتصاديا؛ فقد بلغت نسبة النمو 5% العام الماضي. ويضحك كاريوانا عندما يسأل عن البطالة في الجزيرة، ويقول: إن العدد ربما يصل إلى 300 عاطل في جبل طارق التي يقدر عدد سكانها بـ30 ألف نسمة.

على النقيض من ذلك، تبدو مظاهر الصعوبات الاقتصادية في كل مكان تقريبا في لا لينيا، التي يبلغ عدد سكانها 65 ألف نسمة، فهناك عاطل من بين كل 6 من أبناء المدينة. ونتيجة لانجرافها في فورة ازدهار الإنشاء التي اجتاحت إسبانيا بلغت ديون المدينة 135 مليون دولار وتأخرت في سداد رواتب العمال الصيف الماضي.

وقد ورث سانشيز تركة مثقلة بالديون عندما أجبر سلفه على الاستقالة العام الماضي. وفي البداية أيد سانشيز اتفاقية المطار التي وقعتها الحكومة الإسبانية وحكومة جبل طارق عام 2006؛ لأنها ستعزز الاقتصاد المحلي، لكنه يرى أن للمدينة حقا في الحصول على المال مقابل استخدام أراضيها. ويقول سانشيز: «هذا واحد من أفضل أصولنا، ولدينا فرص أخرى في استغلال تلك الأرض»، لكنه ينتظر من إسبانيا تقديم عرض مناسب له.

لن تزيد مطالبه من مشاعر الود مع مدريد؛ فسانشيز، الذي ينتمي إلى حزب الشعب المعارض، لقي انتقادات واسعة من سلفادور دي لا إنكيا، عضو البرلمان من كاديز، المهتم بقضايا البنية التحتية، مشيرا إلى أن الحكومة الإسبانية ستصادق على اتفاقيتها، سواء وافق عليها سانشيز أم لم يوافق.

لكن مسؤولين بارزين في الحكومة رفضوا مناقشة القضية. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الإسبانية، طلب عدم ذكر اسمه كما هي العادة المتبعة في إسبانيا: إن أحدا لا يكترث بالحديث عن شأن سانشيز وتصريحاته. وقال المتحدث: «ستلتزم إسبانيا بالاتفاقيات التي وقعت عليها في قرطبة عام 2006 بين الحكومتين الإسبانية والبريطانية، التي تشمل تطوير مدرج هبوط جديد في مطار جبل طارق يتيح خط وصول مباشرا من إسبانيا».

لكن المشروع تأخر عن موعده بضع سنوات، وليس من الصعب إيجاد موطنين على كلا الجانبين من الحدود متبرمين من العمليات العدائية، لكن شعورا بالظلم يسري بين مواطني الجانب الإسباني، فهناك الآلاف من المواطنين الذين يعبرون إلى جبل طارق يوميا للعمل في وظائف متدنية.

كان سانشيز يأمل في أن تطبق الضريبة الآن، لكنه لا يزال يناضل من أجل استراتيجية قانونية. فدول الاتحاد الأوروبي لا يمكنها فرض ضرائب على حدودها، إلا أن سانشيز يقول إنه استأجر محامين في بروكسل للبحث عن سبل لذلك. ويقول: «نحن نعد خطة، وسنرى. فسرعان ما ستتكشف الأمور».

* شاركت راتشيل تشاندلر في إعداد هذا التقرير

* خدمة «نيويورك تايمز»