«مجلس أوروبا» يناقش تورط رئيس وزراء كوسوفو في الجريمة المنظمة

مسؤول كوسوفي لـ«الشرق الأوسط»: مستعدون للتعاون مع أي هيئة دولية مستقلة تحقق في المزاعم

امرأتان تمران قرب صورة كبيرة لتاتشي معلقة بمقر الحزب الديمقراطي في بريشتينا أمس (أ.ب)
TT

بينما ذكرت صحيفة بريطانية أمس أن برقيات عسكرية مسربة لحلف شمال الأطلسي، أفادت بأن قوى غربية تدعم حكومة كوسوفو تعتبر رئيس وزرائها هاشم تاتشي من كبار الضالعين في الجريمة المنظمة، بدأ مجلس أوروبا المعني بحقوق الإنسان أمس مناقشة التقرير الذي يتهم تاتشي بالضلوع في الجريمة المنظمة، وكان مفترضا أن يجري مساء تصويب حول ما إذا كان الأمر يتعين إجراء تحقيق جنائي بحق تاتشي وشخصيات بارزة أخرى وردت أسماؤهم في التقرير.

وذكرت صحيفة «الغارديان» أن الوثائق الصادرة عن قوة حفظ السلام التابعة للحلف في كوسوفو قالت إن هناك صلات تربط جافيد هاليتي السياسي البارز في الحزب الحاكم في كوسوفو والحليف المقرب من تاتشي بالمافيا الألبانية. ولم تذكر «الغارديان» كيف تسربت البرقيات العسكرية السرية ولم يتطرق تقريرها إلى تفاصيل الاتهامات الموجهة لتاتشي التي وردت في البرقيات. وتضمن تقرير نشر الشهر الماضي لديك مارتي مقرر مجلس أوروبا مزاعم بتورط تاتشي في الجريمة المنظمة. وجاء في تقرير مارتي وهو سيناتور سويسري أن تاتشي أدار عصابة للجريمة المنظمة خلال حرب الميليشيات الألبانية في كوسوفو من أجل الاستقلال عن صربيا في أواخر التسعينات من القرن العشرين وبعدها.

وبدوره، نفى هاليتي في اتصال هاتفي أجرته معه «الشرق الأوسط»، المزاعم، وقال: «نحن مستعدون للتعاون مع أي لجنة دولية، بعد موافقة أغلبية أعضاء مجلس أوروبا (التصريح تم قبل إعلان موقف المجلس، لأن الأغلبية كانت مع إقراره على حد قوله) سواء تمثلت في البعثة الأوروبية (يوليكس)، أو الأمم المتحدة». واتهم هاليتي المخابرات الصربية بالوقوف وراء تقرير ديك مارتي، وما ذكرته المدعية السابقة لدى محكمة لاهاي، ديل بونتي في مذكراتها، قائلا «ما نسمعه من مصادر مختلفة إعلامية وسياسية ليس سوى صدى لما زعمته المخابرات الصربية من افتراءات قبل أكثر من 10 سنوات».

وحول موقف مجلس أوروبا الذي اعتمد تقرير ديك مارتي أفاد هاليتي: «نحن مستعدون لمواجهة العدالة، سواء تشكلت لجنة حقوقية داخل كوسوفو أو في أي مكان آخر بأوروبا، للرد على أي أسئلة بما في ذلك الاتهامات الموجهة إلى شخصيا أو التي وجهت إلى رئيس الوزراء هاشم تاتشي، وذلك وفقا للمعايير الأوروبية». ووصف ما نشرته «الغارديان» وبعض المصادر التي «لم تتكبد عناء الاتصال بأي طرف في الجهة المقابلة»، على حد تعبيره بأنها «دعاية ضد كوسوفو لن تنال من استقلاله ولا من رموزه السياسية».

واعتبر الاتهامات التي وجهت له ولتاتشي بأن نتائجها ستكون لصالح كوسوفو، وقال: «سنكسب هذه المعركة، كما كسبنا معركة التحرر، ومعركة الاستقلال، وستنقلب مساعي أعداء كوسوفو ضدهم». ودعا صربيا لبدء صفحة جديدة من العلاقات «المحادثات ستبدأ في المستقبل المنظور ولا بد من حقبة جديدة نترفع فيها عن مشاحنات الماضي».

من جهتها، أعلنت الأمم المتحدة أنها، ستباشر تحقيقا ميدانيا، في الاتهامات، بعد موافقة مجلس أوروبا، على تقرير ديك مارتي. في حين أشار الأخير إلى أنه لم يوجه اتهامات مباشرة إلى رئيس وزراء كوسوفو، هاشم تاتشي. وكانت الاتهامات التي وجهها مقرر مجلس أوروبا الذي يضم 48 دولة، ديك مارتي لرئيس وزراء كوسوفو، هاشم تاتشي، عقب فوز الأخير في الانتخابات البرلمانية، منعرجا جديدا في التعاطي مع التقارير التي تأخذ صبغة دولية، حيث تباينت المواقف بين إجراء تحقيق حول ما جاء في التقرير، وهو موقف أغلب الدول الأوروبية، وبين تجاهل ما جاء فيه كما أكدته واشنطن التي أعلنت في وقت سابق أنها ستواصل التعامل مع رئيس الوزراء هاشم تاتشي. وقال الناطق باسم الخارجية الأميركية فيليب كراولي: «واشنطن ستواصل التعامل مع بريشتينا ومع رئيس الوزراء هاشم تاتشي، طالما لم يحسم أمر الاتهامات». التباين في وجهات النظر كان واضحا أيضا في الموقفين الصربي والألباني، فقد عبر وزير الخارجية الصربي، فوك يريميتش، عن أمله في أن يتم التحقيق حتى النهاية، على حد قوله، في الاتهامات الموجهة لرئيس وزراء كوسوفو هاشم تاتشي، والواردة في تقرير ديك مارتي مقرر مجلس أوروبا. وقال يريميتش في مؤتمر صحافي: «إن الدور الآن على أجهزة القضاء». وعبر عن تفاؤله بذلك لأن «اللجنة البرلمانية للاتحاد الأوروبي الخاصة بالشؤون القانونية وحقوق الإنسان أقرت تقرير ديك مارتي». من جهته، نفى رئيس الوزراء في كوسوفو تاتشي، الاتهامات التي وجهها إليه مارتي، بالضلوع في تجارة المخدرات وتجارة الأعضاء. وطالب تاتشي في مؤتمر صحافي عقده ببريشتينا بتشكيل فريق دولي للتحقيق العاجل في الاتهامات التي وجهها له مقرر المجلس الأوروبي، ديك مارتي. ووصف التقرير الذي يوجه له أصابع الاتهام شخصيا بأنه «كذب صارخ مجانب للحقيقة وعار على من أعده». وتابع: «التقرير مليء بالأكاذيب والتخمينات المشينة». وأكد أن جميع مؤسسات الدولة في كوسوفو مستعدة لتقديم جميع الوثائق والمقررات التي يمكن أن تطلب منها.

وفي ألبانيا اعتبر رئيس الوزراء صالح بيريشا المعلومات الواردة في تقرير ديك مارتي بأنها كاذبة وملفقة. وقالت رئيسة البرلمان الألباني، جوزيفينا توبالي، إن «تقرير ديك مارتي موجه ضد دولة ألبانيا». وتابعت: «التقرير ضد جميع شركاء ألبانيا عبر العالم وضد السلام في المنطقة». وأضافت في جلسة البرلمان بتيرانا: «الاتهام بالاتجار في الأعضاء البشرية في كوسوفو وألبانيا إساءة بالغة توجه إلينا جميعا من داخل المجلس الأوروبي، الذي نتمتع بالعضوية فيه».

وعلى الصعيد الشعبي، واصل سكان كوسوفو الألبان، أمس، جمع التواقيع، على بيان يدين تقرير ديك مارتي، واتهموه بـ«تشويه نضال كوسوفو من أجل الحرية، واستقلالها وسيادتها» و«محاولة يائسة لتشويه التاريخ» وهي عبارة وردت سابقا على لسان هاشم تاتشي. يشار إلى أن تقرير ديك مارتي الذي نوقش أمس في المجلس الأوروبي، قد أحدث صدمة لدى جميع الأطراف وإن كان بطرق مختلفة.