ميقاتي بعد تكليفه بتشكيل الحكومة: لست ملتزما بمواقف حزب الله.. والمحكمة تحل بالحوار

كلينتون تحذر من تأثر العلاقات مع بيروت.. وقطر تحترم «النهج الديمقراطي».. وباريس تدعو لتشكيل حكومة من دون تدخل خارجي

TT

على وقع التظاهرات الاحتجاجية التي عمت عددا من المناطق اللبنانية، انتهت الاستشارات النيابية الملزمة التي أجراها رئيس الجمهورية ميشال سليمان مع الكتل النيابية في القصر الرئاسي بتكليف الرئيس نجيب ميقاتي برئاسة الحكومة المقبلة خلفا لرئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، بعد حصوله على 68 صوتا مقابل 60 صوتا للحريري.

وفور تكليف ميقاتي، حذرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون من أن سيطرة حزب الله على الحكومة اللبنانية «سيكون لها، بالتأكيد، تأثير» على العلاقات مع الولايات المتحدة، التي تصف حزب الله بأنه «تنظيم إرهابي». وأضافت كلينتون، في مؤتمر صحافي، أن خلاصة ما تسعى إليه الولايات المتحدة هو إنهاء الحصانة من العقاب والتدخل الخارجي ووجوب احترام سيادة لبنان.

بدوره، أعلن البيت الأبيض أن الحكومة اللبنانية المقبلة يجب أن تلتزم بالدستور وتنبذ العنف وتفي بالالتزامات الدولية. واتهم البيت الأبيض حزب الله باستخدام القسر والترهيب والتهديد بالعنف لتحقيق مآربه السياسية في لبنان.

من جهته، رفض ميقاتي القول إنه ملتزم بحزب الله سياسيا بسبب تسميته له، مشددا على أن الخلاف المستحكم في لبنان بشأن المحكمة الدولية المكلفة بالنظر في اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري لا يحل إلا بالحوار. وقال ميقاتي، في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية، عقب تكليفه: «منذ اللحظة التي أعلنت فيها ترشيحي أصبحت بحاجة إلى كل صوت في المجلس النيابي لكي أصل إلى مرحلة التسمية وأكون أنا الرئيس المكلف ثم رئيس مجلس الوزراء». وتابع: «بما أنني بحاجة إلى أي صوت وبدأت معركتي الانتخابية، من الطبيعي أن أسأل حزب الله أن يؤيدني لأن له كتلة كبرى في المجلس النيابي». وأضاف: «أشكرهم (على تأييدهم)! وأحترمهم كما أحترم الذين لم يصوتوا لي». وسأل ميقاتي: «إذا صوت لي الحزب، هل هذا أصبح نوعا من العيب؟ لا على العكس. من الطبيعي أن أطلب تأييد الجميع». وأضاف: «إن التسمية (من جانب حزب الله) طبيعية لا تلزمني في الوقت الحاضر بأي موقف سياسي يلتزم به الحزب سوى التمسك (...) بحماية المقاومة الوطنية».

وردا على تعبير واشنطن عن قلقها إزاء الوضع اللبناني بعد تسميته، قال ميقاتي: «واشنطن مهمة جدا بالنسبة لي. لا يمكن إلا أن تكون لنا علاقات جيدة، وأتمنى أن يبقوا على دعمهم للبنان». وأضاف: «هم يعرفون تاريخي، قد لا تكون علاقة شخصية، لكنهم يعرفون ما أنا قادر عليه».

وأعلنت قطر، من جهتها، أنها «تحترم» قرار تكليف ميقاتي، داعية اللبنانيين إلى معالجة أي خلاف بينهم عبر «الحوار الديمقراطي». ونقلت وكالة الأنباء القطرية الرسمية، عن مصدر مسؤول في وزارة الخارجية، قوله: إن دولة قطر «تحترم النهج الديمقراطي في التشاور الذي أسفر عن اختيار السيد نجيب ميقاتي رئيسا مكلفا للوزارة في لبنان».

وفي باريس، قد يكون الرد الفرنسي الأولي على ما وصفه مصدر فرنسي رفيع المستوى بـ«التحولات التي من شأنها أن تؤثر على توازنات المنطقة» التي جرت في لبنان، الإعلان في باريس عن تأجيل الزيارة التي كان من المقرر أن يبدأها اليوم رئيس الجمعية الوطنية (مجلس النواب) برنار أكوايه برفقة وفد نيابي كبير يتشكل من نواب من الأكثرية والمعارضة إلى العاصمة السورية. وصدر عن رئاسة الجمعية الوطنية بيان مقتضب يبرر التأجيل بـ«تطورات الوضع الإقليمي» في إشارة لما هو حاصل في لبنان، الذي قال عنه الناطق باسم الخارجية إنه يثير «قلق فرنسا» خصوصا لجهة استقرار لبنان.

وتشهد باريس اليوم مشاورات فرنسية - أميركية حول الوضع اللبناني، مع وصول مساعد وزيرة الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان إلى العاصمة الفرنسية. وأمس صدر عن وزارة الخارجية الفرنسية تعليق على تكليف ميقاتي، أبرز ما جاء فيه 3 عناصر، أولها: أن فرنسا تدعو إلى تشكيل حكومة جديدة «بعيدا عن التدخلات الأجنبية وعبر الحوار»، وأن «تندرج في إطار الدستور واتفاقيات الطائف وأن تعكس خيارات اللبنانيين المستقلة والسيدة». والعنصر الثاني يتمثل في دعوة الحكومة الجديدة إلى احترام التزامات لبنان الدولية و«تحديدا ما تعلق منها بالمحكمة الدولية». أما العنصر الأخير فيقوم على حث اللبنانيين على التزام «ضبط النفس والامتناع عن اللجوء إلى العنف».

وقالت مصادر فرنسية رسمية: إن باريس تريد أن تجري «مشاورات دولية» حول لبنان، وإن هذه المشاورات «يمكن أن ترتدي أشكالا عدة»، واصفة سورية بأنها «عامل مهم في الأزمة اللبنانية».

وأصدرت المديرية العامة لرئاسة الجمهورية بيان تكليف الرئيس ميقاتي، بعد إطلاع الرئيس سليمان رئيس مجلس النواب نبيه بري على نتائج الاستشارات وإبلاغها لميقاتي بعد انضمامه إليهما. وفي كلمة ألقاها بعد تكليفه مباشرة، وجه الرئيس ميقاتي «دعوة صادقة لتجاوز كل الخلافات والارتقاء بالإرادة الوطنية»، مشددا على أن «نتائج الاستشارات ليست انتصارا لفريق على آخر بل هي انتصار للمحبة أمام الأحقاد». وآمل أن «نشكل حكومة تكون على مستوى طموحات اللبنانيين»، من دون أن يحدد شكلها أو موعد تشكيلها، معربا عن ثقته في أن «الخروج من هذا الوضع الدقيق يتطلب إجراء أمور غير تقليدية، وللمؤسسات دورها الجامع، وكذلك التمسك باتفاق الطائف». وقال: «أكرر أن يدي ممدودة للجميع من خلال الحوار لوضع حد للتجاوزات، وانطلاقا من هذا لا أرى مبررا لرفض فريق سياسي للحوار».

وشدد الرئيس ميقاتي على أن «لا مكان للكيدية في ممارستي مسؤولياتي ولن أتردد لحظة في إحقاق الحق»، وأشار إلى أن «الحكم ممارسة مسؤولة عنوانها التسامح والحزم والعزم»، مؤكدا أنه سيبقى «كما خبرتموني وكما علمتني طرابلس وسطيا في مواقفي وسياستي حازما لمصلحة وطني، فمن أراد أن يحتكم للمؤسسات فلن يرضى أبدا فوضى الشارع». وأضاف: «إني على يقين أن الحكومة التي أتطلع لتشكيلها ستحدد انطلاقا من بيانها الوزاري القواعد الأساسية لسياستها، لا سيما الهم الاقتصادي والمعيشي الذي يتصدر اهتماماتي»، مؤكدا «السعي لتحقيق تنمية مستدامة لتأمين فرص عمل جديدة».

ويقتضي البروتوكول أن يبدأ رئيس الحكومة المكلف نشاطه بزيارة كل الرؤساء السابقين الذين تولوا رئاسة الحكومة في الجمهورية اللبنانية. وأعلن ميقاتي في هذا الإطار أنه سيجري اليوم الزيارات إلى أصحاب الدولة والرؤساء السابقين، على أن يجري بدءا من يوم غد استشارات التأليف. وردا على سؤال عما إذا كان سيزور الرئيس الحريري، أجاب ميقاتي: «زيارتي إلى الرئيس سعد الحريري واجب في البروتوكول وغير البروتوكول»، داعيا كل مناصريه إلى أن «يلتزموا الهدوء وألا ينجروا إلى أي مكان».

وكانت استشارات اليوم الأول انتهت بـ59 صوتا لميقاتي مقابل 50 صوتا للحريري، وبعد استكمال رئيس الجمهورية الاستشارات أمس مع الكتل المتبقية والنواب المستقلين، استقرت بورصة الأصوات على 68 صوتا لميقاتي مقابل ستين صوتا للحريري. وكما كان متوقعا، فقد صوت نواب طرابلس (خارج كتلة المستقبل) لصالح ميقاتي باستثناء النائب قاسم عبد العزيز الذي سمى الحريري. ويستقبل تباعا كتلة نواب القرار الحر، وكتلة التوافق الأرمني، وكتلة التضامن، وكتلة نواب حزب البعث، وكتلة نواب الحزب السوري القومي الاجتماعي، وكتلة الوفاق الوطني، وكتلة نواب الأرمن، والجماعة الإسلامية، والنواب المستقلون السادة: بطرس حرب، وتمام سلام، وروبير غانم، ونقولا فتوش، ودوري شمعون وروبير فاضل.

وفي تصريحات عقب الاستشارات، أعلن النائب أحمد كرامي باسم كتلة التضامن التي تضم الرئيس ميقاتي، تسمية الأخير لرئاسة الحكومة. ودعا ميقاتي في كلمة مقتضبة أهالي طرابلس إلى «ضبط النفس وعدم الانجرار إلى أي إشكال مهما كان نوعه». وقال: «لن أدخل في جدال عما إذا كان ما يحصل مخططا له أو هو تحرك عفوي، ولكن مهما حصل فإن سعد الحريري سيبقى أخا وصديقا لي، ونحن أبناء طائفة وملة واحدة». وردا على سؤال قال: «يوجه إلي الاتهام بأنني مرشح المعارضة وحزب الله، أنا قدمت ترشيحي ولكن هل إذا دعمني الحزب أرفض دعمه».

وسمى الوزير محمد الصفدي الرئيس ميقاتي قائلا إنه «لم يعد هناك كتلة اسمها الوفاق الوطني وإن النائب قاسم عبد العزيز سيشارك منفردا»، معتبرا أن «هناك فرصة لطرابلس أن يكون الرئيس ميقاتي في هذه المرحلة وهي فرصة ذهبية لا نريد تفويتها».

وفي حين سمت كتلة نواب القرار الحر التي تضم النائبين ميشال فرعون ووسيرج طور سركيسيان الحريري لرئاسة الحكومة العتيدة، أكد النائب آغوب بقرادونيان باسم كتلة نواب الأرمن أنه «نظرا للظروف الراهنة وانطلاقا من ضرورة مواجهة المرحلة الدقيقة ترى الكتلة في شخص ميقاتي المؤهل لتأليف حكومة جديدة».

وسمت كتلة الحزب السوري القومي الاجتماعي المؤلفة من النائبين أسعد حردان ومروان فارس، إضافة إلى نائب حزب البعث عاصم قانصو الرئيس ميقاتي. وتمنى قانصو أن تكون هناك «حكومة إنقاذ وطني»، معتبرا أن «ما يجري اليوم غمامة صيف عابرة، ويجب الاحتكام إلى الديمقراطية التي هي العمود الفقري لحياتنا اللبنانية».

وسمى النائب روبير فاضل الحريري لرئاسة الحكومة، مناشدا «أهلي في طرابلس، مع أنني أتفهم ما يتعرضون له، ضبط النفس».

وأشار الوزير بطرس حرب إلى أنه سمى الحريري لتأليف الحكومة لأن «وجوده يسهل الأمر في البلد»، معتبرا أنه «أيا كانت المواجهة يجب أن تكون في الأطر الديمقراطية، ومنذ فترة (فلتت) الديمقراطية في لبنان عندما دخل عليها الضغط والسلاح». وأعلن النائب سيبوه قلبكيان باسم كتلة التوافق الأرمني، تسمية الحريري.