تونس: إطلالة قائد الجيش أثارت قلق النخب وخلقت انقسامات وتأويلات بشأن أهدافها

عبو: لا خوف من العسكر * الزيتوني: لا توجد ضمانات كافية حول عدم تدخلهم

متظاهرون يرددون شعارات معادية للحكومة التونسية أمس (أ.ب)
TT

لم تمر إطلالة الجنرال رشيد عمار، قائد الجيش التونسي أول من أمس، معلنا أن الجيش هو «حامي الثورة» التونسية، وأنه «لن يخرج عن الدستور»، داعيا المتظاهرين إلى إخلاء الساحة التي يوجد فيها مقر الحكومة، دون أن تثير قلق الوسط السياسي والنخب الثقافية وتساؤلاتها حول مغزى الرسالة التي أراد بعثها إلى النخب السياسية بصفة خاصة، وإلى المجتمع التونسي بصفة عامة. والحال، أن شباب تونس يواصل الاعتصام والتظاهر في مختلف الشوارع المدن.

وتباينت وجهات نظر التونسيين إزاء إطلالة الجنرال عمار، وانقسموا بشأن تفسيرها. فبينما رأى البعض فيها خطرا مبطنا من قبل الجيش التونسي، الذي قد تسعى قياداته إلى الاستفادة القصوى من حالة عدم الاستقرار التي تعرفها مؤسسات الدولة وهياكلها، رأى البعض الآخر أن العملية لا تعدو أن تكون من قبيل طمأنة التونسيين بوجود سلطة الجيش في غياب سلطة الحكومة المؤقتة.

ويرى المراقبون أن الجنرال عمار الذي قال للمتظاهرين: «لا تضيعوا هذه الثورة المجيدة، أنا صادق وكل القوات المسلحة صادقة لكي تصل بالسفينة إلى شاطئ السلام»، قال أيضا محذرا «ثمة قوى تدفع إلى الفراغ، والفراغ يولد الرعب، والرعب يولد الديكتاتورية». بيد أن النقطة التي ظلت تشغل النخب التونسية حتى الآن هي أن قائد الجيش لم يقدم حلولا للوضع الراهن، ولم يوضح في كلمته المقتضبة عن أية ديكتاتورية يتحدث.

وفي سياق ذلك، قال محمد عبو، المحامي والقيادي في حزب المؤتمر من أجل الجمهورية المعارض لـ«الشرق الأوسط»، إن خطاب الجنرال عمار كان تطمينيا جدا، وأعطى إشارة واضحة إلى أن الملف الأمني للبلاد في يد الجيش. وزاد عبو قائلا: «يبدو أنه لا خوف على مستقبل تونس من الجيش فهو كان قادرا خلال الأيام الأخيرة من حكم بن علي على الاستيلاء على السلطة، والمكوث فيها سنوات طويلة يصعب معها الخروج من الحكم، ولكن الجيش فضل مراقبة الوضع والمساهمة إلى جانب التونسيين في الإطاحة ببن علي برفضه الانصياع لأوامر إطلاق النار على المتظاهرين».

وحول تواصل عدم الاستقرار الأمني والسياسي، والمطالب المتكررة من المتظاهرين بحل الحكومة، وتحجيم دور الحزب الحاكم السابق، ومدى تأثير عدم الاستجابة لتلك المطالب على دور الجيش ودخوله مرحلة جديدة في التعامل مع الأحداث، قال عبو إن الحكومة المؤقتة يمكنها الاستجابة لمطالب الحركات الاحتجاجية السلمية وذلك لا يكلفها الكثير، مشيرا إلى أن تلك المطالب قابلة للتحقيق.

وأضاف عبو أن الجيش التونسي الذي نال ثقة التونسيين خلال الفترة الماضية لا يمكنه التخاذل خلال المرحلة الجديدة، خاصة أن مختلف مؤسسات الدولة رجعت إلى النشاط، وأن الوضع الأمني أصبح عاديا ولا توجد تعلة كافية أمام الجيش لتبرير تدخله في الحياة السياسية أو المسك بدواليب الدولة.

ومن جهته، قال عبد القادر الزيتوني، الأمين العام لحزب تونس الخضراء، الذي حصل على ترخيص العمل القانوني يوم 17 يناير (كانون الثاني) الحالي، إن التونسيين سيقفون ضد كل طرف يحاول إجهاض ثورتهم السلمية. وأكد الزيتوني لـ«الشرق الأوسط» أن حزبه والسياسيين التونسيين ليست لديهم الضمانات الكافية حول عدم تدخل الجيش في الحياة السياسية. وأضاف أن مطالبة حزب تونس الخضراء بتشكيل حكومة إنقاذ وطني تتضمن تركيبتها كل الحساسيات السياسية تدخل في باب قطع الطريق أمام الجيش للوصول إلى السلطة. وزاد قائلا إن بعض الأطراف السياسية من أحزاب المعارضة تعمل بدورها على تواصل عدم الاستقرار حتى تخلو الساحة من حكماء يوصلون الثورة إلى بر الأمان.

وذكر الزيتوني أنه يواصل نشاطه السياسي اليوم على ضوء التطمينات التي قدمها له شخصيا محمد الغنوشي، رئيس الحكومة المؤقتة، والمتمثلة في أن الخيار الديمقراطي لا رجعة فيه.

ومن جهته، قال المنذر ثابت، الأمين العام للحزب التحرري الاجتماعي المعارض، الذي لم يدع إلى المشاركة في الحكومة المؤقتة، لـ«الشرق الأوسط»، إن إطلالة الجنرال عمار كانت بمثابة الرسالة إلى الشعب التونسي، وإلى الأطراف الفاعلة في الثورة.

وأضاف ثابت أن كلمات المؤسسة العسكرية أكدت احترازها من الحركة الفاقدة لكل غاية أو استراتيجية والتي قد تتطور إلى نتائج مناقضة لروح حركة التحرر.

وحول طموحات المؤسسة العسكرية، قال ثابت إن أطماعها في السلطة تكون منعدمة فهي التي قدمت العون الضروري للإطاحة بنظام الحكم السابق، وهي الوحيدة التي تأكدت من فساد النظام السابق ولكنها فضلت عدم التدخل منذ البداية. أما المهام التي يرى ثابت أن المؤسسة العسكرية ستقوم بها خلال الفترة القادمة فتتلخص في الدفع في اتجاه الحل السياسي، وتوسيع دائرة حكومة الوحدة الوطنية التي تختزل المعارضة في حزبين فحسب، وذلك بهدف قطع الطريق أمام الانقسامات التي ستظهر داخل الشارع السياسي خلال الأيام القادمة.

يذكر أن الجيش التونسي تأسس في 24 يونيو (حزيران) 1956، ويتكون من قرابة 50 ألف عنصر، وهو متوجه بالأساس نحو تنفيذ المشاريع المدنية والمساعدة في حال حدوث كوارث طبيعية كما يشارك بكثافة في مهمات حفظ السلام تحت غطاء الأمم المتحدة.

وينتمي نحو 37 ألف جندي إلى وحدة المشاة. وتشارك تونس منذ سنة 1960 في قوات السلام التابعة للأمم المتحدة. وتشارك بنحو 1000 جندي تونسي في مهمة حفظ السلام في جمهورية الكونغو الديمقراطية.