منشق عن «القاعدة»: يحرص التنظيم على الزج بسعوديين في أعمال التخريب لتشويه سمعة البلاد

خرج للمرة الثانية منكفئا على التنظيم الإرهابي

السعودي الملا متحدثا للمرة الثانية عن تجربته في الانتماء لتنظيم القاعدة («الشرق الأوسط»)
TT

كشف السعودي، هاني الملا، العائد من تجنيد تنظيم القاعدة، عن مزيد من تفاصيل تجربته السابقة في التنظيم الإرهابي، مركزا على استخدام الإرهابيين للشباب السعودي كأداة تسمى لغما لتنفيذ عمليات انتحارية.

ويرى الملا أن السعودي على وجه التحديد هو المجال الذي يتسابق إليه قيادات التنظيمات، لاستثماره سواء على مستوى تنظيم القائد، حتى وإن كان صغيرا، بسبب وجود مواقف عدة في هذا الجانب، ساردا كيف يمكن إبراز شاب في عمر العشرينات مثلا، وإعلانه كقائد، أو في المقابل العمليات الانتحارية التي تورط فيها مجموعة من السعوديين، ويقول «فقد ظهر أحد أبرز المنظرين على إحدى القنوات العربية مؤخرا (أبو عمر البغدادي) وأكد أن جل وأغلب الشباب الذين يجندون لقضية العمليات الانتحارية هم من السعودية، وذكر أنهم من اليمن، والسعودية واليمن وشعب الخليج، وبشكل عام هذه المنطقة بأسرها، فعندما كنت في البوسنة والهرسك كنت أتساءل، لماذا كان سقوط القتلى من أبناء السعودية والخليج واليمن في تلك المعارك التي كانت تحصل في البوسنة والهرسك، كانوا هم الأغلب من حيث أكثرية من يقتلون، ففي ذلك الوقت، لم أكن أعي هذا الموضوع، لأنه كانت تغلب قضية العاطفة وقضية تقديم الروح رخصة لدين الله سبحانه وتعالى، والكلام قد يقال، هناك كلام كثير صحيح، ولكن رب كلمة حق أريد بها باطل، ورب كلمة حق مررت ومرر من تحتها باطل كثير، الحقيقة في ذلك تبينت لي في آخر أيامي في البوسنة والهرسك، عندما رأيت أن الكثير من الجاليات العربية الأخرى يستقطبون أفرادهم ومواطنيهم فيدربونهم ويعدونهم ولا يشركونهم في تلك المعارك التي كانت في البوسنة، فقط يدربون ويحفظون أو يرسلون ويعدون - إن صح التعبير – يتم إعدادهم لقيام دول الخلافة في أوطانهم، وإن الذين كانوا في البوسنة من أولئك القيادات، ولكن في الحقيقة هذا هو واقع الحال، فالشباب كانوا يسقطون بالعشرات، وهم الذين يكونون في الخطوط الأمامية، وأيضا في مراكز الترصد الخطيرة، وأولئك، كما رأيت الكثير منهم، يتولون مراكز التدريب، ومراكز الاستقبال، والمناطق الحيوية الأخرى، التي لا تكون فيها نسبة خطر عالية، وقد يوجد من تلك الجاليات بين الصفوف، ولكن الغالبية العظمى تجدهم من شباب السعودية والخليج، تجدهم موجودين في المناطق ذات الخطر العالي، وأما غيرهم فيمسكون مناطق حيوية أخرى لا يكون فيها خطر».

ووفقا للملا، فقد اجتمع مع بعض الشباب العائدين مؤخرا من العراق، وأكدوا أن الهدف لا يبين لهم إلا قبل العملية الانتحارية بدقائق، «وفي الحقيقة عندما يقدم هذا الشاب فيفجر نفسه، لا يعلم بالضبط ما خلف من العواقب، وكم ذهب عدد الضحايا من المواطنين العراقيين، أو من النساء والأطفال».

ويمكن القول إن تجربة السعودي العائد هاني الملا الذي جنده التنظيم في فترة مضت، تظهر أن من يتولى مسألة التنظير في التنظيم، أو من يتولى مهمة التوجيه، يستنبط أو يحرف من الأدلة الشرعية ما يتسق مع فكر التنظيم وأهدافه.

هنا وكما يروي السعودي الملا، فإن البعض ممن يصنفون في المجتمع من الفاشلين، أو ممن لم يستطيعوا حتى إكمال دراستهم الأولية، أخذوا يرون أنفسهم على أنهم أقدر علما ممن يحمل ربما شهادة دراسية عليا، وهنا يتضح كيف تعمل إدارة التنظيم التخريبي على إقناع هذه الفئات «البسيطة التأسيس» بأهميتهم أكثر من غيرهم، فيرى البعض منهم نفسه أفضل من الآخرين، وهو لم يتجاوز ربما المرحلة الابتدائية، أو كان ربما فاشلا في المرحلة المتوسطة، أو في أي مرحلة من مراحل الحياة الآن، بطريقة أو بأخرى يتم إقناعه بأنه أفضل بكثير من الذي يحمل شهادة من كلية الهندسة، أو كلية الطب.

فأخذ ما يرغبون من حديث الأئمة الأجلاء يراه الملا «تشوها في الفكر»، بما يخدم آيديولوجياتهم ويخدم توجهاتهم، ولكي يثبت التنظيم أتباعه - إن صح التعبير - في مراحل التضييق والساعات الحرجة، يضرب لهم مثلا بشيخ الإسلام ابن تيمية وحبسه في سجن الإسكندرية.

الملا يتمنى بالقول «ليتهم يأخذون جميع جوانب حياتهم، أي حياة هؤلاء الرجال الأجلاء والعلماء الطاهرين، والله أنا متأكد أن شيخ الإسلام ابن تيمية وأحمد بن حنبل لو عاصرا هذا التشوه لأقاما عليهم الحد».

الملا الذي يظهر ثانية على شاشة التلفزيون الرسمي السعودي فاضحا طرق وأساليب التنظيم التخريبي، بات يرى أن «النضج الاجتماعي ونضج المجتمع هو الذي أوجد هذا التصنيف بين أهل العزيمة، وأهل الرخصة، فالمجتمع بات ناضجا، ويستوعب مثل هذه المعطيات، التكفير المطلق وغير المقيد، وكذلك كثير من المسائل التي تمس أمن الوطن ومقدراته، أصبحت من الخطوط الحمراء التي لا يمكن المساس بها، هنا يظهر عمل تكاملي من جميع شرائح المجتمع وجمعياته ومؤسساته، هذا العمل التكاملي أوجد هذا الحس لدى المواطن - ولله الحمد والمنة - وهذا الشيء يبرز كيف أن المجتمع الآن أصبح أكثر نضجا من ذي قبل، فممكن يخرج أي شخص على الإنترنت في سيماه الإصلاح، ويتكلم عن قضية معينة ويدعو إلى شيء معين وإلى أهداف معينة، فتجد القلوب ترفل له وتهفو إليه، أما الآن لا، الأمور تغيرت، الآن بدأ المجتمع يسأل مَن هذا، وما هي خلفياته، ومَن هم مراجعه، هذه الأمور أصبحت محسوسة وملموسة لدى المجتمع، وهذا مبشر ومؤشر خير».

فمن منطلق نظرة الرجل العائد إلى الصواب كما يرى البعض، يؤكد من قريب ومن واقع تجربته «أن كل من يمس ويتواصل مع هذا التنظيم هو في مرحلة الخطر، فهناك من يخالفونهم جملة وتفصيلا في التوقيت، لكن لا يخالفونهم في الآيديولوجيات، يريدون كما يريد هؤلاء إسقاط حكومات وإقامة حكومات وإسقاط أنظمة وإقامة أنظمة أخرى، هذه أهداف كبيرة والله، تسمع بعض الكلام الكبير حجما، ممن يتكلم عن إقامة دولة وإسقاط دولة ودعم توجه سياسي معين ويتحدث فيه شخص قد استمد كل أفكاره من القنوات الإخبارية».

أما عن الذين يبادرون إلى التوجه إلى مناطق الاضطراب - يقول الملا - على وجه التحديد مناطق التوتر والصراع وترك أوطانهم وترك أولادهم في بعض الأحيان، فحالة الحماسة تأخذه لخدمة الآخرين، فلم يقدم شيئا إلى وطنه وأرضه التي ينتمي إليها، فكل واحد يعتنق هذا الفكر من قيادات أو منظرين لذلك الفكر، لا يملكون مشاريع فكرية، ولا مبادرات عملية تقدم ليس لأرضهم فقط، بل حتى لبلاد المسلمين التي يذهبون إليها فعليا، فمن خلال تجربتي ومعايشتي وما لمسته بشكل مباشر، هؤلاء ينطبق عليهم المثل الشعبي الدارج «مع الخيل يا شقراء».

وكما يرى الملا الذي عايش الكثير من الأشخاص ممن ذهبوا لمناطق الصراع، «في الحقيقة هم وسائل، هؤلاء الشباب يكونون وسائل للوصول إلى أهداف معينة خاصة بالمنظرين، هم يستخدمون هؤلاء الشباب وسائل، بعد إعطاء جميع ولائه وروحه يتصرفون فيها، فكما ذكرنا في البداية، فإن بعض الشباب الكثير منهم يعانون من الفشل فهذا المنظّر الآن، وهذا التنظيم ألبسهم وأعطاهم عباءة وبردة المخلصين وأنصار الإسلام والكلمات الكبيرة، الفرقة الناجية، والطائفة المنصورة، وغيرها من هذه المسميات، فإن وصل لهذه المرحلة، سيغادر أو قد يعمل في أرضه ويحصل كما حصل في بعض الأحداث الأمنية التي حصلت على أرض المملكة، أو أنه يغادر إلى مناطق التوتر والصراع، فتجده ذهب من دون حجة، من خرج لتلك المناطق سيجد جوا ملائما لتطويع الفكر، فلا رقابة بتلك الساحات على الفك، ففي تلك الساحات لا يوجد لا تقييم ولا رقابة ولا توجيه، تستطيع أن تذهب أنت وتقييم جماعة هناك في تلك الساحات مبنية على آيديولوجياتك الخاصة، وهذا شيء مشاهد، فالجماعات الإسلامية بمختلف أشكالها في الآونة الأخيرة كما في العراق، أقامت جماعات تعود في الولاء لها، وهذا موضوع يؤكد أنهم جماعات متشظية».

ومن هذا المنطلق بات هاني الملا يرى أن «التدفق الذي يحصل من قبل الشباب إلى ساحات الصراع تدفق غير منضبط، وقد لا يخدم القضايا القائمة هناك، القائمة في تلك الساحات لا بشكل ولا بوجه من الوجوه، هذا التدفق المضطرب غير المنتظم قد يسبب في كثير من الحالات لأهل تلك الديار إعاقات كثيرة، على سبيل المثال في البوسنة والهرسك أو الشيشان، عندما يصاب العربي بشظايا معينة، لا تتخيل كم يكلف إخفاؤه ونقله من مكان إلى مكان وعلاجه، أما الشيشاني عندما يصاب يجلس في بيته، فلو أتت أي دورية روسية ودخلت إلى ذلك البيت ووجدت أنه مصاب، وهذه قذيفة سقطت بجانب المزرعة وكان يحرث فأصابته، فيذهب ويجلس في بيته، ولكن العربي يتكلف الأموال عندما ينقلونه وهو جريح يتكلف الأموال عندما يدخلونه إلى تلك الأراضي، ويتكلف الأموال عندما يخرجونه من تلك الأراضي، ويتكلف أموالا أشد وأشد عندما يؤسر، لكي يفدى ويخرج من تلك الساحات، هذه الأموال إن أخذت من مصادرها الصحيحة وأرسلت لإعانات تلك المخيمات وهؤلاء الجرحى وأولئك المحتاجين في تلك الديار، لكان أولى بكثير من أن تصرف بهذه الطريقة، أنا رأيته بنفسي هو إسراف وإهدار للأموال بشكل غير طبيعي على المقاتلين العرب الذين يأتون إلى تلك المناطق، وفي الحقيقة أهل تلك البلاد ليسوا في حاجة لهذه النوعية، يأتيك الشاب من أحد بلداننا العربية مرفها، لا أريد أن تكون وسيلة ذم في الحقيقة، ولكن الرفاهية قد تكون سببا لعدم استطاعته أن يكون صلب العود في تلك المناطق فهو مرفه، وليس عنده أي خلفية عسكرية ولا أي خبرة عسكرية، ثم يذهب لكي يكون عنصرا في مواجهة جيش عرمرم قوي جدا، ماذا يستفيد منك أي واحد من المواطنين في تلك البلاد، يستطيع أن يحل مكانك، فلماذا تذهب أنت، أنت إذا ذهبت مثل ما ذكرت، عليك فاتورة تكلفة كثيرة وكبيرة، وإن أسرت وإن جرحت وإن نقلت من مكان إلى آخر».

ويسترسل في روايته لمشاهداته في أراضي الصراع، «فإن لم يتكفلوا في الحقيقة سوف يخسرون الأتباع، ولكن السؤال لماذا تذهب أنت أيها الشاب وأنت تعلم أن وطنك يحتاج لك، في الحقيقة تستطيع أن تقدم في وطنك الكثير، تستطيع أن تقوم على مشاريع اجتماعية كثيرة وحيوية وتخدم فيها مجتمعك أكثر من وجودك في ذلك المكان، ليست الغاية أنك تذهب وتُقتل، وليست الغاية أنك تُقتل في تلك الساحات، في الحقيقة الرسول صلى الله عليه وسلم – قال (خيركم من طال عمره وحسن عمله)، فإذن القتل هو ليس غاية، إذن لكي تقتل في تلك الدول، في الحقيقة الشهادة التي نص عليها القرآن الكريم ونصت عليها السنة المطهرة في ظل الظروف الصحيحة ليست في هذه الظروف الموبوءة والسقيمة، فأيها الشاب إن كانت هذه رسالة أرسلها للشباب، أيها الشاب فكر قبل أن تزج بنفسك في تلك الغياهب، وفي أتون تلك الحرب العظيمة، روحك أمانة لديك، الروح في الحقيقة أمانة، أنت لو أتيت لتنفق 1000 ريال في شراء سلعة معينة، سوف تفكر كثيرا وسوف تدرس هذه السلعة أهي جيدة أم تلك السلعة أفضل، أنت الآن ستقدم روحك وأنت لا تملك إلا روحا واحدة، لماذا تقدم هذه الروح من أجل فلان وعلان ظهر في شريط تسجيلي ودعاك، ثم أجرّت له عقلك فاتبعته وانصعت لتلك الآيديولوجيات من دون أن تفكر في عواقب الأمور، في الحقيقة هؤلاء المنظّرون في تلك الساحات لم يسقطوا فقط العلماء، بل أسقطوا أيضا أصحاب التجارب القديمة الذين ذهبوا إلى الساحات القديمة، ولم يشاركوا التنظيمات الجديدة في فكرهم المتحول، وقد أسقطوا أيضا تلك الشريحة، فيسمونهم بالمتخاذلين الذين تراجعوا عن المبدأ، وتراجعوا عن المنهج، فهم يسقطون أيضا من ذهب إلى تلك الساحات، ولم يشاطرهم التحول الجديد الفكري.

فطريق الأوهام والفشل، يبدأ من دعوة في شريط تسجيلي ضال، وتمكن البعض من تضليل عقولهم، وانصياع نحو الآيديولوجيا المظلمة دون التفكير في العواقب ووعي النتائج، بل أصبح من اليسير لقوى الشر أن تختطف تلك العقول إلى مناطق الصراع المفتوحة في العالم، حيث تتوفر لها الأجواء والأسباب التي تتيح الفرصة لتطويع أفكارهم دون رقابة، وهناك تسقط القيم وتُغسل العقول على أيدي الإرهابيين من المنظّرين والمسوقين للإرهاب، تحت شعارات من الوهم والسراب، يسوغون لأنفسهم بعدها الخوض في قضايا كبرى وهم نكرات في الفكر والدين، يحملون رؤى قاصرة لا يدركون أنها تستجلب القوى المعادية، وأنهم فيها مجرد وسائل لأهداف بغيضة، لكن المجتمع الذي استوعب خطورة هذا الفكر ونضجت تجربته مع هذه الفئة الضالة، يقف اليوم درعا وحصنا منيعا في وجه التأثير الإرهابي، الأمر الذي أدرك معه هؤلاء الخوارج أنهم لا يستطيعون العيش في مجتمع يرفض فكرهم المنحرف، ولا يستطيعون التعايش مع الطروحات المعاصرة الصادرة عن مؤسساته، فهم لا يتقبلون إلا من منظريهم، ولا يطرحون إلا لغة الحرب على كل من لا يتفق معهم أو يرفض كل ممارساتهم.

فقدرة معتنقي ذلك الفكر، فكر التطرف سواء كان في تنظيماته في جماعته، أو كان من أهل الرخصة أو العزيمة، أو بناء على التصنيفات والتوصيفات، فليس لديهم مشروع فكري واضح المعالم، ولا لديهم مبادرات عملية تنفع البلد الذي غادروه وذهبوا إلى مناطق المسلمين، فكما قال الشاعر (وكل يدعي وصلا بليلى).

الجميع يستطيع أن يدعي المشاريع، وأنه يتملك تلك المشاريع ويستطيع أن يخدم تلك الساحة وتلك المنطقة طبعا، فالمشروع الأول الذي يرون أنهم يستطيعون أن يقوموا به، هو دفع العدو عن تلك البلاد التي يذهبون إليها، ويقاتلون، لكي يخرجوه، ففي حقيقة الحال هي القضية الجوهرية الآن، قد يدعون أنهم يمتلكون مشاريع تنموية بعد الحرب، ولكن فاقد الشيء لا يعطيه أبدا، فالذين لم يستطيعوا أن يقيموا ذلك في أوطانهم، لن يقيموا ذلك في أوطان غيرهم، لأنه ليس كل من في تلك البلاد يوافقونهم نفس الآيديولوجيات، فعلى سبيل المثال، في العراق تنظيم القاعدة الآن في العراق يعتبر محاربا من بعض الجماعات المقاتلة، فقضية امتلاكهم مشاريع ورؤى مستقبلية، هذا زيف وبهتان، فلا يملكون أي مشروع لتلك البلاد، وأي شخص يملك مشروعا أو أي تنظيم يملك مشروعا من أيديولوجياته، ومن مبادئه استجلاب القوى المعادية لكي تحتل بلاد المسلمين لأجل قتالهم، هذه عقليات ضعيفة، الكثير يمتلكون نظرة أن الحرب هي الوسيلة الوحيدة التي سوف تعيد المسلمين إلى دينهم، وأن الحروب هي التي ستعيد الناس إلى دينهم، فحينما تحل الحرب في منطقة معينة أو في بلاد معينة، تتلاءم القلوب وتجتمع، ويا ليت هذا حصل في العراق، الآن المجازر وحمامات الدم التي تتم في العراق تعتبر من أبرز أدبيات هذه التنظيمات المتطرفة».

ومن هذا المنطلق، يمضي الملا، «تتضح رؤية عدم قبول الآخر، وعدم ملكيتهم لأي طروحات جديدة، الطروحة الأم أو الطروحة الأصلية في هذا الفكر، هي الحرب، ومعنى الحرب هي أنها الحل العسكري، والحل الوحيد المطروح أو الخيار الوحيد المطروح على الطاولة بالنسبة لهم الآن لإعادة المسلمين إلى دينهم وإقامة دولة الخلافة كما يزعمون، فحال الواقع في ما يحصل في أفغانستان وفي العراق، لا يتجاوز كونه حروب عصابات وميليشيات، فإلى أين ينتهي بهم هذا المطاف، هذا التنظيم في أفغانستان لو قُدر له أنه يهزم الجيوش التي أتت لأفغانستان مثل الجيش الأميركي أو غيره سينتقلون من هذه المرحلة إلى حرب أهلية داخلية، لأنهم سيجدون الكثير من التيارات الدينية المخالفة لهم، فهناك المطرودية والصوفية بأشكالها وأنواعها، وهناك الشيعة لن يتقبلوا أن يكون هناك طائفة واحدة أحادية التفكير وأحادية الآيديولوجية، تسيطر عليهم بجميع الأشكال، وقد رأى العالم بأسره ما قاموا به في أفغانستان في وقت حكومة طالبان بتفجير تماثيل بوذا، وما حصل مؤخرا في باكستان في المسجد الأحمدي، هذه نماذج بسيطة تتنبأ لك بالمستقبل، فقضية التعايش، سوف أذكر نماذج بسيطة وقعت لي في قضية التعايش، فحين توفي سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - كنت في مكان معين مع مجموعة من أصحاب الفكر فعندما كنت معهم في ذلك المكان، لم أكن أعلم بأنه يوجد في محيطي أشخاص أصحاب فكر بهذا الشكل، وكنت أتوقع أنهم أصحاب فكر جهادي، أي جهاديون فقط، فلما توفي الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - وصلنا الخبر، فقمت أنا وأحد الحضور فصلينا عليه صلاة الغائب، فلما صلينا عليه صلاة الغائب سألني أحد جلسائنا، فقال ماذا عملتم، قلت صلينا على الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - صلاة الغائب، فرأيت وجهه قد تغير، وكنت أنا إمامهم أصلي بهم، فرأيت بعض المشاورات والتداولات تحصل في الوسط، وكنت مستغربا من هذا، وكنا زملاء وكنا جلساء، فقام هذا الشخص بعد فترة قصيرة ورأيته يصلي لوحده واعتزل الجماعة عندما كنت أنا إماما، وإذا تقدم شخص آخر يصلي أتى إلى الجماعة فصلى، استغربت من هذا الأمر ولم أرد أن أسأل، فبعد ذلك لم يستطع التحمل، وهناك نقطة مهمة، أن أصحاب هذا الفكر لا يستطيعون أن يكنوه في قلوبهم، يجب أن يتكلموا فيه، فهذه من أكبر السمات فيهم، فهم لا يستطيعون أن يُكنوه في قلوبهم، يجب أن يتحدثوا فيه، ويجب أن يناقشوه ويطرحوه، ويجب أن يفعل في الواقع والمحيط صغيرا كان أو في المحيط الكبير، يجب أن يوقعوه في المحيط، فتقدم لي وقال، لا نريدك أن تصلي بنا مرة أخرى، وفوجئت بأن معه مجموعة كلهم أصروا على هذا الرأي، وهي أن الإمامة فيها فضيلة، لكن لا يتقدم الإمام إلى من يؤمهم وهم كارهون، وأسأل الله أن يكتب لي الأجر، وأنا أصبحت أصلي مأموما، هذا نموذج بسيط، لأني صليت صلاة الغائب على ابن باز، لأنهم كانوا يكفرون الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -، ولم أكن أعلم بهذا الشيء، ولم أكن أعلم أن هذا الشخص وهذه المجموعة كانت تكفر الشيخ ابن باز، فأصبت بصدمة وطعنة عجيبة، وهذا من الأمور التي سببت لي ألما في الحقيقة، كوني وجدت أشخاصا يدورون في فلكي يحملون هذا الفكر، يعني ما أعلم ولم أسمع يوما من الأيام أن أحد يتكلم في الشيخ عبد العزيز بن باز، رحمه الله، القاصي والداني كان يتكلم في فضله وفي إخلاصه وفي خدمته للأمة ككل».