سياسيون فلسطينيون: «الوثائق» تخدم إسرائيل وتضيف جرحاآخر إلى جسد السلطة

المتظاهرون في رام الله يهتفون لعباس ويحرقون صور أمير قطر

فلسطيني من أنصار الرئيس الفلسطيني محمود عباس يحرق شعار قناة الجزيرة الإخبارية وصورة لأمير قطر اثناء مظاهرات امام مقر السلطة في رام الله امس( أ ف ب)
TT

في رام الله، بالضفة الغربية، تسير الحياة بشكل طبيعي، لا يوجد متظاهرون ضد السلطة ولا ضد الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، ولا يوجد قلق حقيقي ينتاب مسؤولي الأمن من رد فعل عنيف على ما نشرته قناة «الجزيرة» القطرية من وثائق تظهر أن المفاوضين الفلسطينيين كانوا على استعداد لتقديم كثير من التنازلات.

إذن، رام الله ليست تونس، ولا تنوي أن تكون، كما يبدو. وبخلاف التوقعات، المتظاهرون الذين خرجوا في «العاصمة السياسية» للسلطة ذهبوا إلى مقر المقاطعة «يجددون البيعة» للرئيس الفلسطيني، ويهتفون له ويرفعون صوره، وهاجموا مقر قناة «الجزيرة» محاولين اقتحامه بعد أن أحرقوا شعار القناة وداسوا عليه كما احرقوا صورا لأمير قطر.

ويمكن القول، إن مشكلة «الجزيرة» مع الفلسطينيين أنهم يصنفونها طرفا في الصراع، فالذين كذّبوا القناة وحتى الذين صدقوها يؤمنون بأن الحملة التي بدأتها قبل يومين، كانت سياسية بامتياز وليست أبدا إعلامية.

وقال كريم، 32 عاما، الذي يؤيد خط السلطة: «لن يتحكموا في مسيرة الشعب الفلسطيني، نواياهم كانت واضحة خلال التغطية، هذا ليس شغل إعلام بل شغل دول، إنهم يحاربون السلطة بشراسة، وحتى المذيعين لم يستطيعوا أبدا أن يكونوا حياديين».

وكان هذا رأي أبو مصعب الذي يختلف سياسيا مع كريم، ويعارض السلطة: «ما نشرته (الجزيرة) مهم وخطير ويجب محاسبة المسؤولين الفلسطينيين، لكن ليس لدي شك في أن لـ(الجزيرة) أهدافها السياسية. لو كانت الوثائق تخص آخرين، فلن يتم التعامل معها بهذه الطريقة، ولكن هذا هو الإعلام».

هنالك اتفاق بين الفلسطينيين «المختلفين» على أن الحملة سياسية وليست بريئة، ولكن إلى أي حد يمكن أن تضر هذه الحملة بالسلطة الفلسطينية؟ ومن المستفيد منها؟

يجيب المسؤولون الفلسطينيون في السلطة من دون تردد «إسرائيل هي المستفيدة». وذهبت وكالة الأنباء الرسمية الفلسطينية للقول بأن «الجزيرة تعزز خط الدفاع الإسرائيلي».

وقال صائب عريقات، كبير المفاوضين الفلسطينيين لـ«الشرق الأوسط»: «الجواب بسيط، لمصلحة من يأتي هذا النشر الآن ونحن نخوض مواجهة كبيرة مع إسرائيل؟».

وهذا ما قاله رئيس الوفد الفلسطيني السابق، أحمد قريع: «الجزيرة تعمل لمصلحة إسرائيل».

بل إن أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ياسر عبد ربه، ذهب إلى أبعد من ذلك باتهام «الجزيرة» بالتساوق مع إسرائيل في إضعاف الرئيس السابق ياسر عرفات، ومن ثم اغتياله، وبأنها تكرر السيناريو الآن مع الرئيس الحالي محمود عباس.

وكانت حركة فتح التي يرأسها عباس واضحة تماما في اتهام «الجزيرة»، بالسعي لاغتيال أبو مازن سياسيا. ودعت اللجنة المركزية لحركة فتح، قناة «الجزيرة» إلى عدم الاصطفاف في الجبهة المعادية لطموحات وأهداف الشعب الفلسطيني.

ونبهت «المركزية»، في بيان لها، وسائل الإعلام التي تتبنى حملتها من خطورة «الانزلاق في فخ الدعاية المنظمة ضد القيادة الفلسطينية بغرض التأثير السلبي على الروح المعنوية للشعب الفلسطيني والموقف السياسي المتقدم». واعتبرت الحملة بمثابة «عملية اغتيال سياسي تستهدف رئيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني، رئيس الشعب الفلسطيني، ونسف الإنجازات السياسية التي حققها شعبنا على صعيد بناء مؤسسات السلطة الوطنية، وقطع الطريق على الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس، وهجوما من الخلف لإجهاض المشروع الوطني الفلسطيني كمشروع تحرري ديمقراطي تقدمي في المنطقة العربية».

ومع كل هذه القناعات لدى المسؤولين الفلسطينيين وجزء مهم من الشعب الفلسطيني حول نوايا «الجزيرة»، فإن ذلك لا يخفف من حقيقة أن الحملة مست بالسلطة.

ويقول المحلل السياسي هاني المصري، لـ«الشرق الأوسط»: «الحملة السياسية التي أطلقتها (الجزيرة) تهدف إلى تسجيل النقاط. في حقيقة الأمر، إن محورا في المنطقة يسجل النقاط على محور آخر». وأضاف: «الحملة من دون شك أضرت بالسلطة وأضرت بمصداقيتها كثيرا حتى يقدموا رواية أخرى مقنعة». ومن وجهة نظر المصري، فإن الحملة تعمق أكثر الانقسام الداخلي وبين الداخل والخارج. وتابع: «هذا جرح آخر يضاف إلى جروح سابقة لم تعالجها السلطة كما يجب، وهذه الجروح تستمر في إضعاف موقف السلطة». ولا يوافق المصري «الجزيرة» على حملتاها، قائلا: «أبو مازن كان في حاجة إلى الدعم بعدما وصل إلى قناعة بضرورة وقف المفاوضات. هذا يستحق التأييد وليس الضغط وإضعافه».

ويرى المصري أن المستفيد الأول من نشر هذه الوثائق كان إسرائيل ومن ثم بشكل أقل حماس، وأضاف أن «نشر الوثائق يضعف السلطة ويمس مصداقيتها ويمكن أن يصب في الضغوط الممارسة عليها لاستئناف المفاوضات وفقا للشروط الأميركية والإسرائيلية حتى تقبل الدولة ذات الحدود المؤقتة التي عرضها ليبرمان وقبله ديسكين وموفاز ويعلون ويؤيدها سرا وعلنا نتنياهو».