عواطف الشارع الدرزي في لبنان تتأرجح بين الرفض الضمني والتفهم المعلن لموقف جنبلاط

اعتبروا اصطفافه خطوة احترازية لحمايتهم من سلاح حزب الله

TT

تجري رياح سياسة «البيك» عكس عاطفة الدروز اللبنانيين الذين شكلوا مع زعيمهم «رأس حربة» ثورة الأرز في عام 2005، وصولا إلى 2 أغسطس (آب) 2009، تاريخ مؤتمر الـ«بوريفاج» الذي أعلن فيه النائب وليد جنبلاط انقلابه على ثورة الأرز، مرورا بأحداث السابع من مايو (أيار) في عام 2008، المحطة التي كانت لها اليد الطولى في جعل جنبلاط يعيد حساباته السياسية ويعتبر أن تحالفه مع أحزابها «كان بحكم الضرورة ولا يجب أن يستمر».

بين الرفض الضمني والتفهم المعلن، يتأرجح «تحليل» القاعدة الشعبية الدرزية المؤيدة لجنبلاط، من دون أن تتخلى، كزعيمها، عن رمزية الوشاح الأبيض والأحمر الذي شكل «شعار» الاستقلال الثاني.

الوقوف على آراء المواطنين الدروز في منطقة الشوف في جبل لبنان يعكس مدى «التأرجح» الذي يعيشه هؤلاء بين «عاطفتهم السياسية» التي تميل كفتها لصالح قوى 14 آذار ورفاقهم في ثورة الأرز وبين ما يقولون عنه إنه «عقلانية البيك»، وإن كانت هذه الآراء، على مواقع الإنترنت، ولا سيما في أوساط الشباب تتسم بالصراحة والإعلان المطلق عن رفضهم لـ«انقلاب» زعيمهم. عند سؤال هؤلاء عن رأيهم في مواقف زعيمهم الأخيرة، ولا سيما منها إعلانه أنه «ثابت في موقفه إلى جانب سورية والمقاومة» في الاستشارات النيابية لتسمية رئيس للحكومة، تتمحور الآراء حول واقع واحد وهو أنه «العالم وقارئ خفايا المستقبل السياسي، وبالتأكيد لمواقفه هذه، أسس ومعطيات وربما وقائع جعلته يختار هذا الطريق». لكن ومن جهة أخرى، لا ينفي حلفاء اليوم وخصوم الأمس من الطائفة نفسها، شكوكهم في مواقف جنبلاط التي يعتبرونها «مسيرة» وفق توجهات السياسة العالمية والإقليمية، مبدين شكهم بثبات مواقفه. تقول ر. ضو من قرية دير كوشي «الشوفية»: «قد تكون المرة الأولى التي لا نؤيد فيها جنبلاط بمواقفه، لكن نكاد نكون متأكدين أن قراءته السياسية لهذه الفترة تفرض عليه المضي قدما في هذا الطريق. في المقابل، هذا لا يعني أننا نطمئن إلى الفريق الآخر ولا سيما حزب الله، فلم ولن ننسى ما حصل في السابع من مايو في عام 2008 والشباب الذين سقطوا من قرانا. ولا أعرف كيف ستكون صورة الحكم القمعي الذي سينتهجونه إذا حكموا لبنان». وتضيف: «أظن أنه ليس من مصلحتنا كدروز، ونحن أقلية في هذا البلد، أن نقف في مواجهة الحزب الأقوى الذي يمتلك السلاح»، معتبرة أن الخطوة التي قام بها جنبلاط ليست إلا خطوة احترازية بهدف حماية أبناء طائفته. وقالت: «كانت منطقة الشوف وأبناؤها يعيشون حالة من الترقب والخوف والتأهب طوال ليلة الجمعة قبل إعلان وليد جنبلاط موقفه من الاستشارات النيابية، ولم يكن الانتشار الذي نفذه عناصر حزب الله في بيروت إلا تهديدا كي يتخذ جنبلاط موقفا كهذا».

من جهته، يقول س. زهر الدين من قرية كفر فقود: «لم أكن يوما مع وليد جنبلاط ولا مع مواقفه ولا سيما خلال السنوات الخمس الأخيرة، وبالتالي فإن تغير وجهة هذه المواقف في هذه المرحلة السياسية لم تبدل شيئا بالنسبة إلي.. في النهاية هو سياسي محنك ويعرف كيف يميل إلى الوجهة الأقوى، فهو راهن على أميركا متسلحا بالحقيقة والعدالة فوصل إلى حائط مسدود، وبالتالي لم يعد أمامه اليوم إلا الاستدارة نحو سورية وإيران».

في المقابل، يحاول أ. مصلح من بلدة كفر متى، «تشريح» الواقع السياسي والعسكري اللبناني، فيقول: «عاطفتنا هي بالتأكيد مع قوى 14 آذار ومناصريها ومؤيديها الذين ناضلنا معا للحصول على الاستقلال الثاني، لكن إذا عدنا إلى لغة العقل فسنجد أن ما يقوم به جنبلاط قد يكون الأفضل». ويضيف: «عشنا الأسبوع الماضي لحظات من الخوف والذعر مما قد يحصل بين لحظة وأخرى. تسريبات من هنا وإشاعات من هناك كلها كانت تصب في خانة التحذير مما قد يحصل في الجبل إذا اتخذ وليد جنبلاط موقفا ضد المعارضة. لكن منذ إعلان موقفه الأخير نشعر بأننا بعيدون إلى حد ما، عما قد يحصل من مشكلات أو ربما اشتباكات». ويعتبر أنه «في النهاية، إذا وقعت الحرب الأهلية، لن يكون إلا شبابنا في مواجهة حزب الله، وخير دليل على ذلك أحداث السابع من مايو 2008، المسيحيون بقوا على الحياد، بينما لم يكن لتيار المستقبل أي قدرة على المواجهة العسكرية».

لكن ومن جهة أخرى، ما قد تخفيه الآراء المعلنة على أرض الواقع فها هي تعلن على الملأ على حائط مجموعة خاصة أنشأها شباب دروز على موقع «فيس بوك»، حيث أطلقوا العنان لآرائهم السياسية المناهضة لـ«استدارة» جنبلاط وأطلقوا عليها اسم «ردوا لي صوتي»، في إشارة إلى الانتخابات النيابية الأخيرة التي خاضها جنبلاط بناء على توجهات سياسية انقلبت اليوم رأسا على عقب. فاختارت مثلا انتصار عياش أن تخاطب زملاءها في المجموعة بالقول: «انهضوا يا أهل الجبل، أنتم من اعتاد حماية وليد جنبلاط وليس هو من يحميكم. ها هو الآن يخون إرادتكم بعد سنوات من الوفاء له... تكلموا، ارفضوا، حاسبوه...»، بينما يسأل وسام أبو دياب: «ماذا سنقول لشهداء 7 مايو؟». وتطالب روميل غصن جنبلاط والنواب الذين انتخبتهم وخانوا الأمانة أن يردوا لها صوتها. أما بسمة عبد الخالق فترى أنه «لا أحد يرد لنا أصواتنا إلا الانتخابات النيابية القادمة في عام 2013. علينا من الآن فصاعدا تحضير الشباب القادرين على تولي المناصب بدلا من الدمى المتحركة التي تحكمنا اليوم».