باريس: ما يجري في لبنان يؤثر على المعادلات الإقليمية الاتحاد الأوروبي: نتوقع «احترام التعهدات الدولية» للبنان

فيلتمان يبحث الملف اللبناني مع المسؤولين الفرنسيين

TT

طوت باريس مرحلة تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة الجديدة والظروف التي رافقتها، بعد أن أصبحت أمرا واقعا. غير أنها استمرت في متابعة تطورات الملف اللبناني ومواكبة المشاورات الخاصة بتأليف الحكومة. وأمس، أجرى مساعد وزير الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان محادثات مع المسؤولين الفرنسيين تركزت على ملفين أساسيين: الملف التونسي والملف اللبناني. ويستند الموقف الفرنسي، كما يظهر من تعليق وزارة الخارجية الفرنسية على تكليف نجيب ميقاتي تشكيل حكومة جديدة، على ثلاثة عناصر أولها أن فرنسا تدعو إلى تشكيل الحكومة «بعيدا عن التدخلات الأجنبية وعبر الحوار» ووفق منطوق الدستور واتفاقيات الطائف؛ بحيث «تعكس خيارات اللبنانيين المستقلة والسيدة».

وثانيها دعوة الحكومة الجديدة إلى احترام التزامات لبنان الدولية و«تحديدا ما تعلق منها بالمحكمة الدولية». أما العنصر الأخير فيقوم على حث اللبنانيين التزام «ضبط النفس والامتناع عن اللجوء إلى العنف.

وإذا كانت الدعوة إلى ضبط النفس تأتي على خلفية التصعيدات التي شهدتها الساحة اللبنانية وبسبب «القلق العميق» الذي ينتاب فرنسا بشأن الاستقرار الداخلي في لبنان من جهة وانعكاساته على الجنوب وعلى وضع القوة الدولية الفرنسية العاملة في إطار اليونيفيل، من جهة أخرى، فإن باريس متخوفة أيضا، كما تقول مصادرها، من امتداداته الإقليمية إسرائيليا وسوريا.

وكان الملف اللبناني موضع تشاور في جولة وزيرة الخارجية ميشيل أليو ماري الشرق أوسطية في إسرائيل ومصر والأردن. وأفادت مصادر فرنسية رسمية أن ثمة «وعيا لدى دول المنطقة لكون ما يجري في لبنان له تأثير على التوازنات القائمة فيها» وأن المسار لذلك تبدو باريس مهتمة، كما تقول مصادرها، في إجراء «مشاورات دولية» حول لبنان علما بأن ساركوزي قال الاثنين الماضي إن بلاده «لم تتخل عن فكرة إنشاء مجموعة اتصال لمواكبة الوضع اللبناني». ولم يتم التأكد أمس مما إذا كان الاجتماع المقرر سابقا في 28 الحالي في باريس لوزراء خارجية مجموعة البلدان المهتمة بلبنان ما زال قائما. وقالت مصادر فرنسية رسمية إن باريس تريد أن تجري «مشاورات دولية» حول لبنان وإن هذه المشاورات «يمكن أن ترتدي أشكالا عديدة».

وتراقب باريس التطورات في لبنان لتحدد على ضوئها موقفها من مساعدة الجيش اللبناني. وقالت المصادر الفرنسية إن موضوع تسليح الجيش اللبناني «سيكون من المواضيع التي ستطرح في حينها». وكانت باريس قررت تزويد طوافات الجيش اللبناني بصواريخ مضادة للدروع من طراز «هوت» وهو ما أثار تحفظات أميركية وانتقادات إسرائيلية.

وتعي باريس أهمية الدور السوري في لبنان وأزمات المنطقة وهو ما أشار إليه ساركوزي الاثنين الماضي. غير أن «المزاج» الفرنسي إزاء دمشق هذه الأيام «متعكر» على حد قول المصادر الفرنسية. وجاء آخر دليل على ذلك في إلغاء رئيس مجلس النواب الفرنسي برنار أكواييه ووفد نيابي من الأكثرية والمعارضة زيارة كانت ستبدأ أمس إلى دمشق بحجة «تطورات الوضع الإقليمي» وفق البيان الصادر عن رئاسة الجمعية الوطنية الفرنسية في إشارة واضحة لما هو حاصل في لبنان، علما بأن قرارا كهذا لا يتخذ دون التشاور مع رئاسة الحكومة ووزارة الخارجية. وعلى الصعيد اللبناني المحض، فإن باريس «غير متحفظة» على تسمية نجيب ميقاتي الذي كان مدعوا لزيارة العاصمة الفرنسية، رغم أن بيان وزارة الخارجية أول من أمس اكتفى بالقول إن فرنسا «أخذت علما» بتكليفه. وتقول مصادر دبلوماسية غير فرنسية إن اسم ميقاتي كان متداولا ليكون «مرشحا توافقيا» بعد أن تيقنت فرنسا أن حظوظ الحريري بالعودة إلى رئاسة الحكومة أصبحت معدومة. والجدير بالذكر في هذا السياق أن الرئيس اللبناني الأسبق، أمين الجميل، ألغى زيارة كانت مقررة إلى باريس. ودعت باريس اللبنانيين إلى «الهدوء وضبط الأعصاب وحظر أي شكل من أشكال العنف والترهيب»، وبذل جهود من أجل «صياغة حلول» للأزمة اللبنانية الحالية تقوم على «الحوار والبحث عن التوافق» وتكون «متجاوبة مع تطلعات جميع الأطراف» اللبنانية ضمن احترام الدستور والسيادة اللبنانية.

وبدورها دعت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون، رئيس الوزراء اللبناني المكلف نجيب ميقاتي إلى تشكيل الحكومة عبر السعي إلى تحقيق «أكبر قدر ممكن من التوافق» و«بما يتفق تماما مع الدستور».

وقالت آشتون في بيان: «أنا على ثقة من أن تشكيل الحكومة سيتم بما يتفق تماما مع الدستور. يجب على رئيس الوزراء المكلف السعي إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من التوافق لما فيه مصلحة الشعب اللبناني». وأضافت «أتوقع أن تواصل الحكومة احترام التعهدات الدولية للبنان». وكان متحدث باسم الأمم المتحدة قد أعلن، أول من أمس، أن الحكومة اللبنانية المكلفة يجب أن تفي بالتزاماتها تجاه المحكمة الخاصة بقضية اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري.