الاضطرابات داخل المنطقة تؤثر على السياسة الأميركية الخارجية

على خلفية المظاهرات في تونس ولبنان ومصر

TT

بينما ترقب إدارة أوباما مشهد المتظاهرين الغاضبين وضباط شرطة مكافحة الشغب معهم الهراوات بدءا من تونس وصولا إلى لبنان ومرورا بمصر، فإنها تبحث عن خطة للتعامل مع منطقة تشهد تقلبات مستمرة وأصبحت الآن تدور فجأة في اتجاهات خطيرة. وعلى ضوء ما يحدث داخل مصر، حيث واجه حليف قوي، وهو الرئيس حسني مبارك، أشد احتجاجات على مدار أعوام يوم الثلاثاء، وما يحدث داخل لبنان، حيث تتبدى ملامح حكومة يدعمها حزب الله، تواجه الإدارة الأميركية قوى متقلبة وربما تكون عدائية أعادت ترتيب الساحة السياسية داخل المنطقة. وبالطبع كانت هذه تحولات مفاجئة. ولكن بات حتى المشروع البارز للإدارة الأميركية داخل المنطقة - المتمثل في مفاوضات السلام الإسرائيلية الفلسطينية - يواجه صعوبات أكبر هذا الأسبوع، مع الكشف عن وثائق سرية تتناول تفاصيل تنازلات قدمها الجانب الفلسطيني خلال محادثات مع إسرائيل. ولا يحتمل بدرجة كبيرة أن يوافق الفلسطينيون على تقديم أي تنازلات أخرى على ضوء ذلك.

وخلال مقابلات في الأيام الأخيرة، اعترف مسؤولون بأن الولايات المتحدة نفوذها محدود على الكثير من الأطراف داخل المنطقة، وبأن التغيير داخل مصر، على وجه الخصوص، ربما يغير أجندة سياستها الخارجية. ولذا تتوخى الإدارة الحذر الشديد، وتعقد موازنات بين التطلعات الديمقراطية للمواطنين الشباب داخل الدول العربية ومصالح تجارية واستراتيجية. وربما يتضمن ذلك في بعض الأحيان دعم حكومات لا تحظى بشعبية أو استبدادية – وهو ما حوّل الكثير من هؤلاء المواطنين الشباب ضد الولايات المتحدة.

واتصل الرئيس أوباما بالرئيس المصري الأسبوع الماضي بعد الانتفاضة داخل تونس، وتناولا مشاريع مشتركة مثل عملية السلام داخل الشرق الأوسط، وأكد على الحاجة إلى تلبية التطلعات الديمقراطية للمحتجين التونسيين. كما ركز أوباما على هذه النقطة خلال خطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه أول من أمس، حيث قال: «الليلة، لنكن واضحين: الولايات المتحدة الأميركية تقف مع الشعب التونسي وتدعم التطلعات الديمقراطية لجميع الشعوب»، وهي إشارة إلى المحتجين داخل مصر، بحسب ما يرى مسؤول في البيت الأبيض.

وحذر البيت الأبيض حزب الله من اللجوء إلى الإكراه أو الترويع، وقال مسؤولون إن الولايات المتحدة قد تذهب إلى حد سحب مئات الملايين من الدولارات التي تقدم في صورة مساعدات للبنان. وأرسلت الإدارة دبلوماسيا بارزا، وهو جيفري فلتمان، إلى تونس من أجل إظهار الدعم إلى القوى المناصرة للديمقراطية في الوقت الذي يستعدون فيه لعقد انتخابات عقب الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي. وعلى الرغم من أن هناك اختلافات هامة بين شمال أفريقيا ولبنان، فإن الموقفين يطرحان تحديات متشابهة. ويرى بعض المحللين أن الولايات المتحدة يجب أن تنتهز الفرصة التي قدمتها تونس وتسعى إلى نشر الديمقراطية في مختلف أنحاء منطقة الشرق الأوسط - وتعيد التأكيد على «أجندة الحريات» التي تبنتها إدارة بوش وتعطي لأوباما فرصة نادرة كي يفي بتعهداته ويقيم جسورا مع العالم الإسلامي. واقتربت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري رودهام كلينتون من القيام بذلك في قطر قبل أسبوعين عندما انتقدت بحدة زعماء عربا بسبب الوسائل الاستبدادية التي يستخدمونها، قبل 24 ساعة فقط من الإطاحة ببن علي من منصبه. ولكن يقول مسؤولون إن خطاب كلينتون لا ينذر بعودة إلى المنحى الذي اتبع إبان ولاية بوش. ويقول مسؤولون في الإدارة إن الضجة من أجل الديمقراطية لم تسر على النحو المنشود بالنسبة للرئيس جورج دبليو بوش. والأكثر أهمية أن موجة من التغييرات قد تؤدي إلى الإطاحة بحلفاء مهمين. وحدوث انتفاضة داخل تونس، وهي لاعب هامشي داخل المنطقة، لا يشبه بأي حال انتفاضة داخل مصر، التي لها دور محوري. وتعد الحكومة المصرية حليفا هاما لواشنطن، ولكن تساور المواطنين شكوك كثيرة بشأن الدوافع الأميركية، وهناك احتمالية لظهور تطرف إسلامي.

ويقول دانيال شابيرو، وهو مستشار بارز مختص بشؤون الشرق الأوسط داخل مجلس الأمن القومي: «ستسير الأوضاع داخل هذه الدول بوتيرة مختلفة، ولا يجب ولا يفترض أن نخرج بنموذج مشابه لطريقة التعامل مع ذلك». وقد حاولت الإدارة عمل توازن بين علاقاتها بالرئيس مبارك والتعبير عن مخاوف بشأن انتخابات مزورة ومعارضين مسجونين في مصر. ولكن ربما تجد صعوبة أكبر في تجنب عدم الارتباط به إذا استمرت الحشود في التجمع داخل القاهرة، مثلما أشارت تصريحات منفصلة عبرت عن مخاوف بشأن الاحتجاجات داخل مصر أصدرها البيت الأبيض ووزارة الخارجية في وقت متأخر من أول من أمس. ويقول آرون ديفيد ميلر، وهو زميل متخصص في السياسات العامة بمركز وودرو ويلسون الدولي للأكاديميين: «يتمثل التحدي أمام الإدارة في خلق التوازن المناسب بين النظر إلى الولايات المتحدة على أن لها علاقة قوية بهذه التغييرات، ومن ثم تقويضها، وبين عدم العثور على وسائل لرعايتها بالقدر الكافي». وأضاف: «إنهم لا يعرفون كيفية القيام بذلك».

ويقول بعض المنتقدين إن الإدارة ارتكبت خطأ بوضع عملية السلام في بؤرة استراتيجيتها داخل المنطقة، مع تجاهل المواطنين الغاضبين داخل الدول العربية. ويقول إليوت أبرامز، المستشار المختص بشؤون الشرق الأوسط إبان إدارة بوش: «لقد وضعوا العلاقات الأميركية المصرية في نفس إطار النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. ولكن ما يحدث داخل مصر أصوله داخل مصر».

لقد جاء أوباما إلى منصبه عاقدا العزم على تغيير «أجندة الحريات» المركزة على العراق والتي تتبعها إدارة بوش، والتي كانت أكبر ضغط علني من أجل إحداث تغيير ديمقراطي. وفي كلمته إلى العالم الإسلامي من القاهرة في يونيو (حزيران) 2009، قال أوباما إن كل دولة يجب أن ترسم طريقها الخاص للوصول إلى الديمقراطية، وعارض أي تدخل عسكري كوسيلة من أجل التسريع من العملية. وبدلا من ذلك، عملت الإدارة مع مجموعات تدعو إلى الديمقراطية من أجل الترويج لحرية أكبر لوسائل الإعلام والتجمعات. وضغطت من أجل مراقبين من الخارج لمتابعة الانتخابات داخل الأردن ومصر. كما شجعت شبكات تواصل اجتماعي مثل تويتر وفيس بوك لتنشر كلاما عن الحركات المناصرة للديمقراطية - وهي نفسها الشبكات التي ساعدت على انتشار التظاهرات داخل تونس ومصر. ويقول سامانثا باور، المدير البارز بمجلس الأمن القومي المسؤول عن قضايا حقوق الإنسان: «في إطار توجيهات الرئيس بينما نصوغ سياساتنا داخل المنطقة، أكد على ضرورة النظر بحرص للمخاطر المحتملة في الوضع الراهن». ولكن يقول منتقدون إن الجهود المعتمدة على التحرك من القاعدة إلى القمة لم تفلح في خلق مساحة سياسية داخل الدول العربية. وعلى رغم الضغط من أجل مراقبين داخل مصر، فقد كانت الانتخابات البرلمانية الأخيرة أقل شفافية من انتخابات 2005. وقال ستيفن هايدمان، نائب رئيس معهد السلام الأميركي، في رسالة نشرها على مدونة هذا الأسبوع، إنه حان الوقت كي تقوم الولايات المتحدة بمواجهة الزعماء العرب بقوة أكبر، وتطلب منهم إلغاء قوانين الطوارئ وإلغاء محاكم أمن الدولة، التي يستخدمونها من أجل الحصول على سلطات تعسفية.

* ساهم ديفيد كيرك باتريك في الكتابة من تونس العاصمة.

* خدمة «نيويورك تايمز»