كرتي للعرب: اعترفوا بدولة الجنوب لقفل الباب أمام «الدوائر المعادية»

وزير الخارجية لـ«الشرق الأوسط»: لننس تقصيرات الماضي.. ولنكسب الجنوبيين * قال إن هناك «جنوبيين متطرفين» يتحدثون عن تقسيم ما تبقى من السودان * اعترف بأن وضع المسلمين في الجنوب «صعب» مع تأسيس دولة الجنوب

TT

دعا علي أحمد كرتي، وزير خارجية السودان، الدول العربية للإسراع بالاعتراف بدولة الجنوب الجديدة بمجرد إعلانها. وقال إن ذلك سيكون في مصلحة الجنوب والشمال والعرب. وإنه سيقفل الباب أمام «الدوائر المعادية للعرب» التي ترى أن في تقسيم السودان تفكيكا للدول العربية، وخطوة لمزيد من التفكيك.

وقال كرتي لـ«الشرق الأوسط»، خلال زيارة رسمية قام بها لواشنطن، إن على العرب عدم الاكتفاء بمتابعة أحداث السودان، وحتى التعبير عن الحزن لتقسيم السودان، «لأن ذلك لن يخدم قضيتنا، من الزاوية العربية، خطوة واحدة إلى الأمام». وأضاف: «بدلا من البكاء على اللبن المسكوب، على الإخوة العرب أن يساندونا ونحن نرحب برغبة الإخوة في جنوب السودان أن ينفصلوا عنا. نحن نرى أن الانفصال ليس بسبب أخطاء خطيرة ارتكبناها، ولكن بسبب نشاطات جهات أجنبية معينة لا تريد الخير لنا، وللعرب، بل وحتى للجنوب».

وعن أخبار عن أن إسرائيل تتغلغل في جنوب السودان، قال كرتي إن الجنوبيين كانوا يتلقون مساعدات من إسرائيل منذ مدة طويلة. ولهذا، «ليس في هذا شيء جديد». لكن «تقدر الدول العربية على مواجهة التغلغل الإسرائيلي والوجود الغربي السلبي أن تمد أيديها، وتثبت وجودها، وتعمل لكسب الجنوبيين».

وقال كرتي إن تقوية علاقات الدول العربية مع الجنوب ستكون في مصلحة الشمال. وإنها «ستساعد على وقف مشاعر عدوانية من جانب بعض الجنوبيين نحو الشمال». وتحدث عن «جنوبيين متطرفين» قال إنهم، حتى بعد استقلال الجنوب، سيريدون إلحاق الأذى بالشمال. وإنهم الآن يتحدثون عن تقسيم ما تبقى من السودان، بالإضافة إلى أحاديثهم عن مشكلات وحروب على حدود البلدين. وقال إن كثيرا من هؤلاء الجنوبيين المتطرفين يعملون حسب خطط غربية.

وأضاف كرتي: «ليس هذا سرا، ولم يكن. هنا في واشنطن تتمركز دوائر ولوبيات ومنظمات، لا داعي للإشارة إلى أسمائها، وهي التي ضغطت على الحكومة الأميركية، والتي بدورها ضغطت على الجنوبيين لإضعاف خيار الوحدة». وقال: «بعض هذه الدوائر التي نعرفها جيدا لن تكتفي بتقسيم السودان. إنها تريد تفتيته. لهذا، على الإخوة العرب أن يضعوا ذلك في الاعتبار».

وقال كرتي: «ليتعاون معنا إخواننا العرب، لأن الخطط الأجنبية العدوانية التي وضعت للسودان لا تقتصر على تقسيمه بين شمال وجنوب». وأضاف أن الجنوب منطقة زراعية غنية. وأيضا يحتاج إلى خدمات في مجالات التنمية والبنيات التحتية. ولهذا، تقدر الدول العربية على الاستثمار في جنوب السودان، وعلى بناء مدارس ومستشفيات، وعلى تقديم برامج تبادل تعليمية وثقافية. وأشاد بمبادرات عربية سابقة، منها مشاريع زراعية خليجية، ومدارس وجامعات مصرية. وقال: «ليعرف الإخوة العرب أن موضوع جنوب السودان ليس سياسيا فقط، لكنه أيضا ثقافي واجتماعي».

وأشار إلى أنه، حتى خلال سنوات الحرب، انتشرت الثقافة العربية والإسلامية في جنوب السودان. وصارت اللغة العربية لغة التخاطب وسط الجنوبيين، الذين تختلف قبائلهم ولغاتهم. وقال: «حتى سلفا كير (رئيس حكومة جنوب السودان) لا يعرف لغات القبائل الأخرى، ولهذا يخاطبها باللغة العربية المكسرة، أو ما يعرف بعربي جوبا». وأضاف: «توجد جوانب كثيرة للعلاقات بين الشمال والجنوب. الجانب السياسي والمواجهات العسكرية شيء، والعلاقات الثقافية والاجتماعية والعائلية شيء آخر. هذه الأخيرة تدوم وتزيد، حتى إذا تأرجحت العلاقات السياسية».

وعن تعليقات قالت إن الدول العربية قصرت في متابعة الموضوع السوداني، وإن جامعة الدول العربية لم تهتم بموضوع الجنوب إلا مؤخرا. قال كرتي: «نحن نفضل عدم الحديث عن الجوانب السلبية، وعن الأخطاء التي حدثت. في الحقيقة، بعض الإخوة العرب اعترفوا هم أنفسهم بأنهم قصروا. لكن، نحن نفضل أن ننظر إلى المستقبل، بدلا من إلقاء اللوم على هذا أو ذاك».

وأشار كرتي إلى مبادرة مصرية في السنة الماضية لتأسيس اتحاد كونفدرالي بين الشمال والجنوب. وقال إن المسؤولين السودانيين شكروا مصر على هذه المبادرة، لكنهم قالوا إنهم ملتزمون بتنفيذ اتفاقية السلام التي تركز على الاستفتاء في الجنوب. وإنهم قالوا لمصر إنه، بعد استقلال الجنوب، «يمكن النظر في خيارات كثيرة».

وعن المسلمين في جنوب السودان، قال كرتي إن عددهم أكبر مما يقول الإعلام الغربي والحكومات الغربية. وكانت أرقام إحصائية قالت إن نسبتي المسلمين والمسيحيين في الجنوب 20 في المائة لكل مجموعة تقريبا، وإن نسبة 60 في المائة تقريبا وثنيون.

واعترف كرتي بأن وضع المسلمين في الجنوب «صعب» خلال فترة الاستفتاء ومع تأسيس دولة الجنوب. وأن حكومة السودان لا تريد أن تثير هذا الموضوع في الوقت الحاضر «بسبب حساسيات نعرفها كلنا». لكنه قال إن سلفا كير ميارديت، رئيس حكومة الجنوب، وعد بحماية المسلمين هناك. ونفى أن يكونوا «مواطنين درجة رابعة، وليس ثانية»، كما كان بعضهم قال. وأضاف كرتي: «في المدى البعيد، المستقبل للإسلام بإذن الله».

وقال إن في مصلحة المسلمين في الجنوب، والشمال، وخارجهما، عدم العودة للحرب. وأضاف: «حاربنا في الجنوب منذ الاستقلال للاحتفاظ بخريطة السودان. لكن، ليست في الإسلام حدود سياسية. ولا نريد أن نفرض الإسلام على أحد. وللدين رب يحميه».

وعن زيارته للولايات المتحدة، قال كرتي إنها أول زيارة رسمية يقوم بها وزير خارجية سوداني منذ 20 سنة تقريبا. وقال إن هذا، في حد ذاته، مكسب للسودان. وفرق كرتي بين الحكومة الأميركية ومنظمات ولوبيات قال إنها تعادي السودان، وتضغط على الحكومة الأميركية لتفعل ذلك. وقال إن الرئيس السابق بوش الابن كان اتصل بالرئيس عمر البشير، بعد التوقيع على اتفاقية سلام دارفور، ووعد برفع اسم السودان من قائمة الإرهاب. لكن ذلك لم يحدث، «بسبب ضغوط لوبيات ومنظمات هنا في واشنطن، لا داعي لذكر أسمائها».

وأشاد كرتي بالجنرال المتقاعد سكوت غريشن، مبعوث الرئيس باراك أوباما إلى السودان. وقال إنه ساعد في ترتيب هذه الزيارة؛ زيارة أول وزير خارجية سوداني رسمية منذ 20 سنة تقريبا.

وقال: «جئت إلى واشنطن بقلب مفتوح وعقل مفتوح. نريد أن نفتح صفحة جديدة، لأننا نعتقد أنه لا يوجد بين الشعبين السوداني والأميركي ما يدعو إلى عداوات ومشكلات».

واعترف كرتي بأن العداء الأميركي للسودان بدأ في فترة كانت «تؤثر على السياسة السودانية عوامل متشددة، كان ذلك خلال التسعينات، وكان ذلك لأسباب سودانية داخلية. وكانت هناك اتجاهات سودانية لم تكن مقبولة».

ورغم أن كرتي رفض أن يقدم تفاصيل، قال مراقبون في واشنطن إنه يشير إلى صراع بين الجناحين المتطرف والمعتدل في حكومة الإنقاذ بعد أن سيطرت على السودان بعد الانقلاب العسكري الإسلامي سنة 1989. في ذلك الوقت، كان الجناح الذي يقوده حسن الترابي يسيطر على الوضع. وفي وقت لاحق، تطور الصراع بين الأجنحة المختلفة، وأدى إلى خروج الترابي من الحكم، وتأسيسه حزب معارض، المؤتمر الشعبي، الذي يستهدف الرئيس البشير.

وقال كرتي عن العلاقات مع الولايات المتحدة: «الآن، تغير الوضع». وأضاف: «لا يمكن أن يكون السودان دولة إرهابية، ويجب على الولايات المتحدة ألا تخاف من ذلك». وعن خطاب البشير الأخير بأن انفصال الجنوب سيزيد تطبيق قوانين الشريعة في الشمال، قال كرتي: «ليس في هذا جديد. الشريعة قائمة قبل وخلال وبعد اتفاقية السلام».

وقال إن المفاوضات السودانية الأميركية بدأت على جوانب مختلفة، وأشار إلى مفاوضات بدأت مع البنك الدولي لمساعدة السودان، وأن الحكومة الأميركية ساهمت في تفعيل هذه المفاوضات.

وعن تصريحات لوبيات ومنظمات معارضة لحكومة البشير في واشنطن بعدم الثقة في البشير حتى إذا اعترف باستقلال جنوب السودان، قال كرتي إن حكومة السودان بدأت حملة لكسب الحكومة الأميركية، ولكسب الشعب الأميركي. وإن الحملة تعتمد على التزام السودان بتنفيذ اتفاقية السلام، التي أشرفت أميركا على وضعها، قبل 6 سنوات. وأيضا، تعتمد على «حسن نية، نعرف أنه متوفر عند المواطن الأميركي العادي». وقال: «وعدنا، وأوفينا، ونأمل أن يعرف الأميركيون أننا وعدنا وأوفينا».

ورغم أن كرتي اعترف بأن إلغاء، أو تجميد، قوانين الكونغرس ضد السودان التي صدرت في عهد الرئيس كلينتون والرئيس بوش الابن، «لن يكن سهلا»، قال إن مجرد الزيارة الرسمية التي يقوم بها لواشنطن تعتبر «بداية طيبة». واعترف بأن رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب (التي تضعها الخارجية الأميركية) سيكون أسهل من معالجة قوانين الكونغرس، حيث يزيد ضغط المنظمات واللوبيات المعارضة لحكومة البشير.

ودعا هذه المنظمات واللوبيات لزيارة السودان. وقال: «أبوابنا مفتوحة لمن يريد». وقال إن أميركيين كثيرين زاروا السودان وخرجوا بانطباعات إيجابية، بالمقارنة مع محتوى الحملة الإعلامية الغربية عامة، والأميركية خاصة، ضد السودان.

وعن الوضع الداخلي في السودان، قال إن الرئيس البشير أعلن مبادرة لتوحيد صف الشماليين بعد تأكيد اختيار الجنوبيين للانفصال. وقال إن الاتصالات مستمرة مع قادة المعارضة الشماليين.

واعترف كرتي بأن فصل الجنوب سيزيد مشكلات الشمال الاقتصادية، وذلك بسبب الاعتماد على النفط الذي يوجد معظمه في الجنوب. لكنه قال: «ليس الوضع سوداويا كما يصوره البعض». وقال إن هناك مشكلات لا صلة لها بالجنوب. مثل ارتفاع سعر طن السكر عالميا من 55 دولارا إلى 95 دولارا.